Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 26-26)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في نظم الآية وجهان : أحدهما : أنَّهُ تعالى لما بيَّنَ أنَّهُ أمر آدم وحوَّاءَ بالهُبُوطِ إلى الأرض ، وجعل الأرض لهما مُسْتَقَرّاً بين بعده أنَّهُ تعالى أنزل كلَّ ما يحتاجون إليه في الدُّنْيَا ، ومن جملة ما يُحتاج إليه في الدِّين والدُّنيا اللِّباس . والثاني : أنَّهُ تعالى لمّا ذكر واقعة آدم في انكشاف العَوْرَةِ ، وأنَّهُ كان يخصف الورق على عَوْرَتَيْهِمَا ، أتبعه بأن بيَّنَ أنَّهُ خلق اللِّباسَ للخلق ، ليستروا به عَوْرَتَهُم ، ونبه بتكون الأشياء التي يَحْصُلُ منها اللِّبَاسُ ، فصار كأنَّهُ تعالى أنزل اللِّباسَ أي : أنزل أسْبَابَهُ ، فعبَّر بالسَّبَبِ عن المُسَبِّبِ . وقيل : معنى " أنْزَلْنَا " أي : خلقنا لكم . وقيل : كلُّ بَرَكاتِ الأرضِ منسوبةٌ إلى السَّماءِ كقوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } [ الحديد : 25 ] وإنَّما يُسْتَخْرَجُ الحديدُ من الأرْضِ ، وقوله : { وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] . وسبب نزول هذه الآية أنَّهُم كانُوا يطوفون بالبَيْتِ عُرَاةً ، ويقولون : لا نطوفُ في ثياب عصينا الله فيها ، فكان الرِّجالُ يطوفون بالنَّهارِ ، والنِّسَاءُ باللَّيْلِ عراة . قال قتادة . كانت المرأة تطوف ، وتضع يَدَهَا على فَرْجِهَا ، وتقول : [ الرجز ] @ 2444 - أَليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أحِلُّهُ @@ فأمر اللَّهُ تعالى بالسَّتْرِ فقال : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } يستر عوراتِكُم ، واحدتها سَوْءَةٌ ، سمِّيت بها ؛ لأنَّهُ يسوءُ صاحبه انكشافُهَا ، فلا يطوف عارياً . قوله : " يُوَارِي " : في محلِّ نصبٍ صفة لـ " لِبَاساً " . وقوله : " وَرِيشاً " يحتملُ أن يكون من باب عَطْفِ الصِّفاتِ ، والمعنى : وصف اللِّبَاسِ بشيئين : مواراة السَّوْءَةِ ، والزِّينةِ ، وعبَّر عنها بالرِّيشِ لأنَّ الرِّيشَ زينة للطَّائِر ، كما أنَّ اللِّباسَ زينة للآدميِّين ، ولذلك قال الزَّمَخْشَرِيُّ : " والرِّيشُ لباسُ الزِّنة ، استعير من ريش الطَّيْرِ ؛ لأنَّهُ لباسه وزينته " . ويحتمل أن يكون من باب عطف الشَّيءِ على غيره أي : أنْزَلْنَا عليكم لباسين ، لباساً موصوفاً بالمُواراةِ ، ولِبَاساً موصوفاً بالزِّينةِ ، وهذا اختيارُ الزَّمَخْشَرِيِّ ، فإنَّهُ قال بعد ما حَكَيْتُه عنه آنفاً : " أي : أنزلنا عليكم لباسَيْن ، لباساً يُواري سَوْءاتكم ، ولباساً يُزَيِّنُكُم ؛ لأنَّ الزَّينةَ غرضٌ صحيحٌ كما قال تعالى : { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } [ النحل : 6 ] وعلى هذا ، فالكلامُ في قوة حذف موصوف ، وإقامةِ صفته مُقامه ، والتَّقْديرُ : ولباساً ريشاً أي : ذا ريش " . فصل في وجوب ستر العورة قال القُرْطُبِيُّ : استدلَّ كثر من العلماء بهذه الآيةِ على وجوب ستر عَوْرَاتهم ، وذلك يدلُّ على الأمر بالسَّتْرِ ، ولا خلاف في وجوب سَتْرِ العَوْرَةِ . واختلفوا في العَوْرَةِ ما هي ؟ فقال ابْنُ أبي ذئْبٍ : هي القُبُلُ والدُّبُرُ فقط ، وهو قول أهْلِ الظَّاهِرِ ، وابن أبي عَبْلة والطَّبْرِيِّ لقوله تعالى : { لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } ، وقوله : { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } [ الأعراف : 22 ] ، وقوله : { لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } [ الأعراف : 27 ] . وفي البخاريِّ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَسَرَ الإزار عن فَخِذِهِ حَتّى إنِّي أنْظُرُ إلى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم . وقال مالكٌ : " ليست السُّرَّة بِعَوْرَةٍ ، وأكره له أنْ يَكْشِفَ فَخذَهُ " . وقال الشافعيُّ : " ليست السُّرَّة ولا الركبتان من العورة على الصحيح " . وقال أبُو بَكْر بْنُ عبْدِ الرَّحمْنِ بْنِ الحارث بن هشام : " كلُّ شيء من الحرة عورةٌ ، حتى ظُفُرهَا ، وهو حسن " . وعن أحْمَد بْنِ حَنْبلٍ : " وعورة الأمَةِ ما بين السُّرَّة والرُّكبة وأم الولدِ أغلظ حالاً من الأمَةِ " . و " الرِّيْشُ " فيه قولان : أحدهما : أنه اسم لهذا الشَّيءِ المعروف . والثاني : أنَّهُ مصدرٌ يقال : راشه يريشه رِيشاً إذا جعل فيه الرِّيشَ ، فينبغي أنْ يكون الريش مُشْتَركاً بين المصدر والعينِ ، وهذا هو التَّحقيق . وقرأ عثمانُ وابن عبَّاسٍ والحسنُ ومجاهدٌ وقتادةُ والسُّلميُّ وعليُّ بْنُ الحسيْنِ وابنه زيْدٌ ، وأبو رجَاء ، وزرُّ بْنُ حبيشٍ وعاصمٌ ، وأبُو عَمْرو - في رواية عنهما - : " وَرِيَاشاً " ، وفيها تأويلان : أحدهما - وبه قال الزَّمَخْشَرِيُّ - : أنَّهُ جمعُ رِيْش ، فيكون كشِعْب وشِعابٍ ، وذِئْبٍ وذئَابٍ ، وقِدْحٍ وقِدَاحٍ . والثاني : أنَّه مصدر أيضاً ، فيكون رِيشٌ وِرِيَاشٌ مصدرين لـ " رَاشَهُ اللَّهُ ريشاً ورِيَاشاً " أي : أنْعَمَ عليه . وقال الزجاجُ : " هما اللِّبَاسُ ، فعلى هذا هما اسمان للشَّيْءِ المَلْبُوسِ ، كما قالوا : لِبْسٌ ولباسٌ " . وجوَّز الفراء أن يكون " رِيَاش " جمع " رِيش " ، وأن يكون مصدراً فأخذ الزَّمَخْشَرِيُّ بأحد القولين ، وغيرُه بالآخر ، وأنشدوا قول الشاعر : [ الوافر ] @ 2445 - وَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعْكُمْ وَإنْ كَانَتْ زِيَارتُكُمْ لِمَامَا @@ روى ثَعْلَبٌ عن ابن الأعرابي قال : " كُلُّ شيءٍ يعيشُ به الإنسانُ ، من متاع ، أو مال ، أو مأكول ، فهو ريشٌ ورِيَاشٌ " وقال ابن السكِّيتِ : " الرِّيَاشُ مختص بالثِّيابِ ، والأثاثِ ، والرِّيش قد يُطلق على سَائِرِ الأمْوالِ " . قال ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ والضَّحاكُ والسُّدِّيُّ : " وريشاً يعني مالاً ، يقال تريش الرَّجُل إذا تَمَوَّلَ " . وقيل : الرِّيشُ : الجمالُ كما تقدَّم أي : ما يتجملون به من الثِّيابِ . وقوله : { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } . قرأ نافعٌ وابن عامرٍ والكسائيُّ : " لباسَ " بالنَّصْبِ ، والباقون بالرَّفْعِ . فالنَّصْبُ نَسَقاً على " لِبَاساً " أي : أنزلنا لِبَاساً مُوارِياً وزينة ، وأنزلنا أيضاً لِبَاس التَّقْوَى ، وهذا يُقَوِّي كَوْنَ " رِيشاً " صفة ثانية لـ " لِبَاساً " الأولى إذْ لو أراد أنَّهُ صفة لِبَاسٍ ثانٍ لأبرز موصوفه ، كما أبْرَزَ هذا اللِّبَاسَ المضاف للتَّقْوَى . وأما الرَّفْعُ فمن خَمْسَةِ أوْجُهٍ : أحدها : أن يكون " لِبَاس " مبتدأ ، و " ذلك " مبتدأ ثان و " خير " خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأوَّلِ ، والرَّابِطُ هنا اسم الإشارة ، وهو أحد الرَّوابِطِ الخَمْسَةِ المتفق عليها ، ولنا رابط سَادِسٌ ، فيه خلاف تقدَّم التنبيه عليه . وهذا الوَجْهُ هو أوْجَهُ الأعَارِيبِ في هذه الآية الكريمة . الثاني : أن يكون " لِبَاس " خبر مبتدأ محذوف أي : وهو لِبَاسُ ، وهذا قول أبي إسحاق ، وكأنَّ المعنى بهذه الجملة التَّفسيرُ لِلِبَاس المتُقدم ، وعلى هذا ، فيكونُ قوله " ذَلِكَ " جملة أخرى من مبتدأ وخبر . وقدَّره مكي بأحسن من تَقْدير الزَّجَّاجِ فقال : " وسَتْر العورة لباس التَّقْوَى " . الثالث : أن يكون " ذلك " فَصْلاً بين المبتدأ وخبره ، وهذا قَوْلُ الحوفيِّ ، ولا نعلم أنَّ أحداً من النُّحَاةِ أجَازَ ذلك ، إلاَّ أنَّ الواحِدِيَّ قال : [ ومن قال ] إن ذلك لَغْوٌ لم يكن على قوله دلالة ؛ لأنَّهُ يجوز أن يكون على أحد ما ذكرنا . قال شهابُ الدِّين : فقوله " لَغْوٌ " هو قريب من القول بالفَصْلِ ؛ لأنَّ الفَصْلَ لا محلَّ له من الإعرابِ على قول جمهور النَّحويين من البصريين والكوفيين . الرابع : أن يكون " لِبَاس " مبتدأ و " ذلك " بَدَلٌ منه ، أو عطف بيان له ، أو نعت ، و " خيرٌ " خبره ، وهو معنى قول الزَّجَّاجِ وأبِي عليٍّ ، وأبِي بَكْرِ بْنِ الأنْبَارِيِّ ، إلا أنَّ الحُوفي قال : وأنا أرى ألاَّ يكون " ذلك " نعتاً لـ " لِبَاسُ التَّقْوى " ؛ لأنَّ الأسْمَاء المبهمة أعرف ما فيه الألف واللاَّم ، وما أضيف إلى الألف واللاَّمِ ، وسبيل النَّعْتِ أن يكون مُسَاوِياً للمنعوت ، أو أقَلَّ منه تَعْرِيفاً ، فإنْ كان قد تقدَّم قول أحدٍ به فهو سهوٌ . قال شهابُ الدِّين : أمّا القَوْلُ به فقد قيل كما ذَكَرْتُه عن الزَّجَّاج والفارسي وابن الأنْبَارِيّ ، ونصَّ عليه أبُو عليٍّ في " الحُجَّةِ " ، أيضاً وذكره الوَاحِدِيُّ . وقال ابن عطيَّة : " هو أنبل الأقوال " . وذكر مكيٌّ الاحتمالات الثلاثة : أعني كَوْنَهُ بَدَلاً ، أو بياناً ، أو نعتاً ، ولكن ما بحثه الحُوفِيُّ صحيحٌ من حيث الصِّناعةِ ، ومن حيثُ إنَّ الصَّحيحَ في ترتيب المعارف ما ذكر من كون الإشارات أعرف من ذي الأداة ؛ ولكن قد يُقَالُ : القائلُ بكونه نَعْتاً لا يجعله أعرف من ذِي الألِفِ واللام . الخامس : جوَّز أبُو البقاءِ أن يكون " لِبَاسُ " مبتدأ ، وخبره محذوف أي : ولباسُ التَّقْوى ساتر عوراتكم وهذا تَقْدِيرٌ لا حاجَةَ إلَيْهِ . وإسنادُ الإنزالِ إلى اللِّبَاسِ : إمَّا لأنَّ " أنْزَلَ " بمعنى " خَلَقَ " كقوله : { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } [ الحديد : 25 ] { وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] ، وإمَّا على ما يسمِّيه أهل العلم التدريج ، وذلك أنَّهُ ينزِّلُ أسْبَابَهُ ، وهي الماء الذي هو سَبَبٌ في نبات القُطْنِ والكتَّانِ ، والمَرْعى الذي تَأكُلُه البَهَائِمُ ذوات الصُّوف والشَّعَرِ ، والوَبَرِ التي يُتَّخَذُ منها الملابِسُ ؛ ونحوه قول الشاعر : [ الرجز ] @ 2446 - أقْبَلَ في المُسْتَنِّ مِنْ سَحَابَهْ أسْنِمَةُ الآبَالِ فِي رَبَابَهْ @@ فجعله جَائِياً للأسنمة التي للإبل مجازاً لمَّا كان سبباً في تربيتها ، وقريب منه قول الآخر : [ الوافر ] @ 2447 - إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وإنْ كَانُوا غِضَابَا @@ وقال الزَّمَخْشَريُّ : جَعَلَ ما في الأرض منزَّلاً من السماء ؛ لأنَّهُ قضي ثَمَّ وكتب ، ومنه { وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] . وقال ابن عطيَّة : " وأيضاً فَخَلْقُ اللَّه وأفعاله ، إنَّما هي من علوٍ في القَدْر والمنزلة " ، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه أول الآية . وفي قراءة عبد الله وأبَيّ { ولِبَاسُ التَّقْوى خَيْرٌ } بإسقاط " ذلك " وهي مقوِّية للقول بالفصل والبدلِ وعَطْفِ البَيَانِ . وقرأ النَّحْوِيُّ : " ولبُوسُ " بالواو ورفع السِّين . فأمَّا الرَّفع ُفعلى ما تقدَّم في " لباس " ، وأمَّا " لبُوسُ " فلم يعينوها : هل هي بفتح اللام فيكون مثل قوله تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] ؟ أو بضمِّ اللاَّمِ على أنَّهُ جمع ؟ وهو مشكل ، وأكثر ما يُتَخَيَّل له أن يكون جمع لِبْسٍ بكسر اللام بمعنى مَلْبُوسٍ . قوله : { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } مبتدأ وخبر ، والإشارةُ به إلى جميع ما تقدَّم من إنزال اللِّبَاسِ والرِّيش ولباس التَّقْوَى . وقيل : بل هو إشارة لأقرب مذكور ، وهو لباسِ التقوى فقط . فصل في المراد بـ " لباس التقوى " اختلفوا في لباس التَّقْوَى ، فقيل : هو نَفْسُ المَلْبُوسِ ، وقيل : غيره . وأما الأوَّلُ ففيه وجوه : أحدها : هو اللِّبَاسُ المواري للسَّوْءَةِ ، وإنَّمَا أعادَهُ اللَّهُ لأجْلِ أن يخبر عنه بأنَّهُ خير ؛ لأنَّ أهل الجاهليَّةِ كانوا يَتَعَبَّدُونَ بالعري في الطَّوافِ بالبَيْتِ ، فجرى هذا التَّكْرير مجرى قول القائل : " قد عرَّفْتُكَ الصِّدق في أبواب البرِّ ، والصِّدْقُ خيرٌ لك من غيره " ، فيعيد ذكر الصِّدق لِيُخبرَ عنه بذلك المعنى . وثانيها : لِبَاسُ التَّقْوَى هو الدُّرُوعُ والجواشن والمَغَافِرُ ، وما يُتقى به في الحرُوبِ . وثاليها : لِبَاسُ التَّقْوَى ما يُلبس لأجْلِ إقامَةِ الصَّلاةِ . ورابعها : هو الصُّوفُ والثِّيَابُ الخَشِنَةُ التي يلبسها أهل الورع . وأمَّا القَوْلُ الثَّانِي ، فيحمل لباسُ التَّقْوَى على المَجَازِ . وقال قتادةُ والسُّدِّيُّ وابن جُرَيْج : هو الإيمانُ . وقال ابن عباس : هو العَمَلُ الصَّالِحُ . وقال عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ والكلْبِيُّ : السَّمْتُ الحَسَنُ . وقال الكَلْبِيُّ : العفافُ والتَّوحيدُ ؛ لأنَّ المؤمنَ لا تبدو عورته وإن كان عَارياً من الثِّيابِ ، والفَاجِرُ لا تزالُ عورته مَكْشُوفَة وإن كان كاسياً . وقال عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : هو خشية الذّم . وقال الحَسَنُ وسعيدٌ : هو الحياء ؛ لأنَّهُ يبْعَثُ على التَّقْوَى . وإنما حمل لفظ اللِّباس على هذه المجازات ؛ لأنَّ اللِّباسَ الذي يفيد التقوى ليس إلاَّ هذه الأشياء . وقوله : " ذَلِكَ خَيْرٌ " قال أبُو عليٍّ الفارِسِيُّ : معناه : ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به ، وأقرب إلى اللَّه تعالى مما خلق من اللِّباسِ والرِّيَاشِ الذي يتجمَّلُ به . وأُضيف اللِّبَاسُ إلى التَّقْوَى ، كما أُضيف إلى الجُوعِ في قوله : { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } [ النحل : 112 ] . وقوله : { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } أي : الدَّالة على فضله ورحمته على عباده ، لعلهم يَذَّكَّرُونَ النِّعْمَةَ .