Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 53-53)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدَّم الكلام على " تَأويله " في [ آل عمران 7 ] . وقال الزَّمخشريُّ هاهنا : والتَّأويل مادته من همزة وواو ولام ، مِنْ " آل يؤول " . وقال الخطابي : أوَّلْتُ الشيء رَدَدْتُهُ إلى أوله ، واللفظة مأخوذة من الأول ، وهو خطأٌ ؛ لاختلاف المادتين والتأويل مرجع الشّيء ومصيره من قولهم : آل الشَّيءُ يئول . واحتجَّ بهذه الآية من ذهب إلى أنَّ قوله : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 7 ] أي : [ و ] ما يعلم عاقبة الأمر فيه إلا اللَّهُ . فصل في معنى " ينظرون " لمَّا بيَّن إزاحة العِلَّة بسبب إنزال هذا الكتاب المفصَّل الموجب للهداية والرَّحمة بيَّن بَعْدَهُ حال من كذَّب فقال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } ، والمعنى : هل يَنْتَظِرُونَ أي يتوقّعون إلاّ جزاءه ، قاله مُجَاهِدٌ . وقال السُّدِّيُّ : " عاقبته ، وما يؤول إليه " . فإن قيل : كيف يتوقعون وينتظرون مع جحدهم وإنكارهم ؟ فالجوابُ : لعلّ فيهم أقواماً تشككوا وتوقّفوا ، فلهذا السّبب انتظروه ، وأنهم وإن كانوا جاحدين إلاَّ أنَّهم بمنزلة المُنْتَظِرِين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالة . قوله : " يَوْمَ " منصوب بـ " يقول " . وقوله : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } . معناه : أنَّهُم صاروا في الإعْراضِ عنه بمنزلة من نسي ، ويجوز أن يكون معنى نسوه أي : تَرَكُوا العمل والإيمان به كما تقدَّم . قوله : " قَدْ جَاءَتْ " مَنْصُوبَة بالقول و " بالحَقِّ " يجوز أن تكون " الباء " للحالِ ، وأن تكون للتعدية أي : جاءوا ملتبسين بالحق ، أو جاءُوا الحقّ . والمعنى : أقرُّوا بأنَّ الذي جاءت الرُّسُلُ به من ثُبُوتِ الحَشْرِ ، والنَّشْرِ ، والبَعْثِ والقيامة ، والثواب ، والعقاب ، كل ذلك كان حقّاً ؛ لأنهم شاهدوها وعاينوها . قوله : { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ } " من " مزيدة في المبتدأ و " لنا " خبر مقدَّم ، ويجوز أن يكون " مِنْ شُفَعَاء " فاعلاً و " مِنْ " مزيدة أيضاً ، وهذا جائز عند كل أحد لاعتماد الجار على الاستفهام . قوله : " فَيَشْفَعُوا " منصوب بإضمار " أنْ " في جواب الاستفهام فيكون قد عطف اسماً مؤولاً على اسم صريح ، أي : فهل لَنَا من شفعاء بشفاعة منهم لنا ؟ قوله : " أوْ نُرَدُّ " الجمهور على رفع " نُرَدُّ " ونصب " فَنَعْمَلَ " ، فرفع " نردُّ " على أنَّه عطف جملة فعليّة ، وهي " نُردُّ " على جملة [ اسميّة ] وهي : هل لنا من شُفَعَاء فيشفَعُوا ؟ ونصب " فَنَعْملَ " على ما انتصب عليه " فَيَشْفَعُوا " ، وقرأ الحسنُ برفعهما على ما تقدَّم ، كذا روى عنه ابن عطية وغيره ، وروى عنه الزمخشري نصب " نُرَدَّ " ورفع " فنعملُ " . وقرأ أبُو حَيْوَةَ ، وابن أبي إسحاقَ بنصبهما فنصب " نردَّ " عطفاً على " فَيَشْفَعُوا " جواباً على جواب ، ويكون الشفعاء في أحد شيئين : إمَّا في خلاصهم من العذابِ ، وإمِّا في رجوعهم للدُّنيا ليعملوا صالحاً ، والشَّفَاعَةُ حينئذ [ مستحبة ] على الخلاص أو الرَّدّ ، وانتصب " فَنَعْمَلَ " نسقاً على " فُنردَّ " . ويجوز أن تكون " أوْ نُرَدَّ " من باب " لألزمنَّك أو تقضيني حقّي " إذا قدرناهُ بمعنى : حتّى تقضيني ، أو كي تقضيني ، غَيَّا اللزوم بقضاء الحق ، أو علله به فكذلك الآية الكريمة أي : حتى نُرَدَّ أو كي نرد ، والشفاعة حينئذٍ متعلِّقَةٌ بالرَّدِّ ليس إلاَّ . وأمَّا عند من يُقدِّر " أو " بمعنى " إلاّ " في المثال المتقدمِ وهو سيبويه ، فلا يظهر معنى الآية عليه ؛ إذ يصير التقدير : " هل يشفع لنا شفعاء إلا أن نردّ " ، وهذا استثناء غير ظاهر . فصل في معنى الآية المعنى أنَّهُ لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه إلا أحَدُ هذين الأمرين ، وهو أن يشفع لنا شفيعٌ فيزول عنَّا هذا العذابُ ، أو نُردَّ إلى الدُّنْيَا حتى نعمل غير ما كنَّا نعمله حتى نوحد اللَّه بدلاً عن الكفر . ثمَّ بيَّن تعالى أنَّهُمْ { قَدْ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ } . أي الذي طلبوه لا يكون ؛ لأن ذلك المطلوب لو حَصَلَ لما حكم اللَّهُ عليهم بأنَّهُم قد خَسِرُوا أنفسهم . قوله : { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } . " ما كانوا " " ما " موصولة عائدها مَحْذُوفٌ ، و " مَا كَانُوا " فاعل " ضلَّ " ، والمعنى : أنَّهُم لم ينتفعوا بالأصْنَامِ التي عبدوها في الدُّنْيَا . فصل في دحض شبهة للمعتزلة قال الجُبَّائِيُّ : هذه الآية تدل على حكمين : الأول : أنَّها تَدُلُّ على أنَّهُم كانوا في حال التَّكْلِيفِ قادرين على الإيمان والتَّوبة ، فلذلك سألوا الرّدّ ليؤمنوا ويتوبوا ، ولو كانوا في الدُّنيا غير قادرين - كما يقوله المجبرة - لم يكن لهم في الردّ فائدة ، ولا جاز أن يسألوا ذلك . الثاني : أنَّ الآيَة تَدُلُّ على بُطْلانِ قول المجبرة بأنَّ أهْلَ الآخرة مكلفون ، لأنَّهُ لو كان كذلك لما سألوا الرّدَّ إلى حال وهم في الوَقْتِ على مثلها ، بَلْ كانوا يتوبون ويؤمنون في الحال .