Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 56-56)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يدخل فيه المنع من إفْسَادِ النُّفُوسِ بالقَتْلِ ، وقطع الأعضاء ، [ وإفساد الأموال بالنَّهْبِ ، والغصب ، والسَّرِقَةِ ، ووجوه الحيل وإفساد الأديان بالكفر والبِدَعِ ] وإفساد الإنسانِ بالزِّنَا واللِّواطِ والقَذْفِ ، وإفساد العقول بشرب المُنْكَرَاتِ ، فهذا النَّهْيُ يقتضي مَنْعَ إدخال ماهيَّة الفَسَادِ في الوُجُودِ بجميع أنْوَاعِهِ وأصنافه . وقوله : " بَعْدَ إصلاحِهَا " يحتمل أنْ يكون المرادُ بعد أن صح خلقها على الوَجْهِ المطابق لمنافع الخَلْقِ ، ويحتمل أنْ يكون المرادُ بعد إصلاح الأرْضِ ببعثة الرُّسُلِ ، وإنزال الكُتُبِ ، وتفصيل الشَّرَائِع . قوله : { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } . هذانِ حالانِ ، أي : ادْعُوهُ ذُوُو خَوْفٍ وطَمَعٍ ، أو خَائِفِينَ طامعين ، أو مَفْعُولان من أجلهما ، أي : لأجْلِ الخوفِ والطَّمَعِ . فإن قيل : قد قال في الآية الأولى : " ادْعُوا رَبَّكُمْ " ، ثم قال هاهنا : " وَادْعُوهُ " ، وهذا يقتضي عَطْفَ الشَّيْءِ على نفسه ، وهو باطل . والجوابُ : أنَّ الَّذينَ فسروا قوله : " ادْعُوا رَبَّكُمْ " بأنَّ المرادَ به العِبادَة ، قالوا : المُرَادُ بهذا الدُّعَاء الثَّانِي هو الدُّعَاءُ نفسه . وأمّا الذين قالوا : المرادُ بقوله : " ادْعُوا رَبَّكُمْ " هو الدُّعَاءُ قالوا : المراد بهذا الدُّعَاءِ أن يكون الدُّعَاءُ المأمور به أوَّلاً مقروناً بالتَّضَرُّع ، والأخْفَاءِ ، ثم بيَّن هاهنا أنَّ فائدةَ الدُّعَاءِ أحد هذين الأمرين . فالأولى في بيان شَرْطِ صحَّةِ الدُّعاء . والثانية في بيان فَائِدةِ الدُّعَاءِ ومنفعته . قوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } إنَّمَا لم يُؤنِّثْهَا وإن كانت خبراً لمؤنث لوجوه : منها أنَّهَا في معنى الغُفْرَانِ والعفو والإنعامِ ، فحُمِلت عليه ، قاله النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل واختاره الزَّجَّاجُ . قال سعيدُ بْنُ جُبَيْر : الرَّحْمَةُ هاهنا الثَّوَابُ فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ كقوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُم مِّنْهُ } [ النساء : 8 ] ولم يقل : " مِنْهَا " ؛ لأنَّهُ أراد الميراث والمال . ومنها أنها صفة لموصوف مذكَّرٍ حذف ، وبقيت صِفَتُهُ ، والتَّقديرُ : إنَّ رحمة الله شيءٌ قريبٌ . ومنها : أنها في معنى العفو أو المطر ، أو الرحم . ومنها : أنَّهَا على النَّسب كحائضٍ ولابنٍ وتامرٍ ، أي : ذات حيض . ومنها : تشبيه فعيل بمعنى فاعل بِفَعيلٍ بمعنى مفعول ، فيستوي فيه المُذَكَّر والمؤنَّث كجريح ، كما حُمِلَ هذا عليه حيثُ قالوا : أسير وأسَرَاءُ ، وقبيل وقُبَلاء حَملاً على رَحِيمٍ ورحماء ، وعليم وعُلَماء ، وحكيم وحُكماء . [ ومنها : أنَّه ] مصدر [ جاء على فعيل كالنَّعيق وهو صَوْت الضِّفْدَع ، والضغيب وهو صَوْتُ الأرنب وإذا كان مَصْدراً ] لَزِمَ الإفراد والتذكير . ومنها : أنَّهَا بمعنى مَفْعُولٍ أي مُقَرَّبة ، قاله الكَرْمَانِيُّ ، وليس بجيد ؛ لأنَّ فعيلاً بمعنى مفعول لا يَنْقَاسُ ، وعلى تقدير اقتياسه فإنَّمَا يكونُ من الثُّلاثِي المجرَّد ، لا من المزيدِ فيه ، ومُقَرَّبة من المزيد فيه . ومنها : أنَّهَا من باب المُؤنَّث المجازي ، فلذلك جاز التَّذكير كطلع الشَّمس . قال بعضهم : وهو غَيْرُ جَيِّدٍ ؛ لأنَّ ذلك حيث كان الفعل متقدِّماً نحو : طلع الشَّمس ، أمَّا إذا تأخَّر وجب التَّأنيثُ ، إلا في ضرورة شِعْرٍ كقوله : [ المتقارب ] @ 2487 - … وَلاَ أرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَهَا @@ قال شهابُ الدِّين : " وهذا يجيءُ على مذهب ابن كَيْسَان ، فإنَّهُ لا يَقْصُر ذلك على ضرورة الشِّعر ، بل يجيزه في السَّعَةِ " . وقال الفرَّاءُ : قريبةٌ وبعيدةٌ : إمَّا أن يُراد بها النَّسَبُ وعدمُه ، فتؤنِّثها العرب ليس إلاَّ فيقولون : فلانٌ قريبة مني في النَّسَبِ ، وبعيدةٌ مني أي في النَّسَبِ ، أمَّا إذا أُريدَ القُرْب في المكان ، فإنَّهُ يجوزُ الوجهان ؛ لأنَّ قريباً وبعيداً قائم مقام المكان فتقولُ : فلانة قريبة وقريبٌ ، وبعيدة وبعيد . التَّقديرُ : هي في مكان قَريبٍ وبعيد ؛ وأنشد : [ الطويل ] @ 2488 - عَشِيَّةَ لا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ فَتَدْنُو ولا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدُ @@ فجَمَعَ بين اللُّغَتَيْنِ إلا أنَّ الزَّجَّاج ردّ على الفرَّاءِ قوله وقال : " هذا خطأ ؛ لأنَّ سبيل المذكر والمؤنث أنْ يجريا على أفعالهما " . قال شِهَابُ الدِّين : وقد كَثُرَ في شِعْرِ العرب مجيءُ هذه اللَّفظة مُذكَّرة ، وهي صِفَةٌ لمُؤنَّثٍ . قال امْرُؤ القَيْسِ : [ الطويل ] @ 2489 - لَهُ الوَيْلُ إنْ أمْسَى وَلاَ أمُّ سَالِمٍ قَرِيبٌ ولا البَسْبَاسَةُ ابْنَةُ يَشْكُرَا @@ وفي القرآن : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [ الأحزاب : 63 ] . وقال أبو عبيدة : " قَرِيبٌ في الآية ليس وَصْفاً لها ، إنَّمَا هو ظَرْفٌ لها وموضع ، فيجيءُ هكذا في المُفْرَد والمثنى والجمع ، فإن أُرِيدَ بها الصِّفَةُ ؛ وَجَبَ المُطابَقَةُ ، ومثلُها لفظة بعيد أيضاً " إلاّ أنَّ عليَّ بْنَ سُلَيْمَانَ الأخفشَ خطَّأهُ قال : " لأنَّهُ لو كانت ظَرْفاً لانتصب كقولك : " إنَّ زَيْداً قريباً منك " وهذا ليس بِخَطَأ ، لأنَّهُ يجوز أن يتَّسعَ في الظَّرْفِ ، فيعطى حكم الأسماء الصَّريحةِ فتقُولُ : زيد أمامك وعمرو خلفُك برفع أمام وخلف ، وقد نصَّ النُّحَاةُ على أنَّ نحو : " [ أن قريباً ] منك زيد " أن " قريباً " اسم " إنّ " ، و " زيدٌ " خبرها ، وذلك على الاتِّسَاع " . و " مِنَ المُحْسِنِينَ " متعلِّقٌ بـ " قَرِيبٍ " ، ومعنى هذا القرب هو أنَّ الإنسان يَزْدَادُ في كلِّ لَحْظَةٍ قرباً من الآخرة وبعداً من الدُّنْيَا ، فإنَّ الدُّنْيَا كالماضي والآخرة كالمستقبل ، والإنسانُ في كلِّ ساعة ولحظة يَزْدَادُ بعداً عن الماضي ، وقرباً من المُسْتَقْبَل . قال الشِّاعِرُ : [ الطويل ] @ 2490 - فَلاَ زَالَ ما تَهْوَاهُ أقْرَبَ مِنْ غَدٍ وَلاَ زَالَ مَا تَخْشَاهُ أبْعَدَ مِنْ أمْسِ @@ ولمَّا كانت الدُّنْيَا تزداد بعداً في كلِّ سَاعَةٍ ، والآخرة تزداد قُرْباً في كلِّ سَاعَةٍ ، وثبت أنَّ رحمة الله إنَّمَا تحصلُ بعد الموت ، لا جرم قال الله - تعالى - : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . فصل في دحض شبهة للمعتزلة قالت المعتزلةُ : العَفْوُ عن العذابِ رَحْمَةٌ ، والتَّخلُّصُ من النَّارِ بعد الدُّخول فيها رَحْمَةٌ [ فوجب ألا يحصل ذلك لمن لم يكن من المحسنين والعصاة وأصحاب الكبائر ليسوا من المحسنين ] فوجب ألاَّ يحصل لهم العفوُ عن العقاب والخلاص من النَّارِ . والجوابُ : أنَّ من آمن بالله وأقرّ بالتَّوْحيدِ والنُّبوَّةِ ، فقد أحْسَنَ بدليل أن الصَّبِيَّ إذا بلغ وقت الضَّحْوَةِ ، وآمن بالله ورسوله ومات قبل الوصول إلى الظهر فقد اجتمعت الأمَّةُ على أنَّهُ دخل تحت قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } [ يونس : 26 ] وهذا لم يَأتِ بِشَيْءٍ من الطَّاعات سوى المعرفة والإقْرَارِ .