Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 5-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } جوَّزُوا في " دَعْواهُم " وجهين : أحدهما : أن يكون اسْماً لـ " كان " ، و { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } خبرها ، وفيه خدشٌ من حيث إنَّ غير الأعرف جعل اسماً والأعْرَفُ جعل خبراً ، وقد تقدَّم ذلك في أوَّل الأنعام عند { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ } [ الأنعام : 23 ] . والثاني : أن يكون " دَعْوَاهُم " خبراً مقدماً و { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } اسماً مؤخراً كقوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } [ النمل : 56 ] { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } [ الحشر : 17 ] ، و { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الجاثية : 25 ] ذكر ذلك الزَّمخشريُّ ومكيُّ بن أبِي طالبٍ ، وسبقهما إلى ذلك الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ ، ولكن ذلك يشكل من قاعدة أخرى ذكرها النُّحَاةُ ، وهو أنَّ الاسم والخبر في هذا البابِ متى خفي إعرابُهُمَا ؛ وجَبَ تَقْدِيمُ الاسمِ ، وتأخير الخبر نحو : كان موسى صاحبي ، وما كان دعائي إلاَّ أن اسْتَغْفَرْتُ ، قالوا : لأنهما كالمفعولِ والفاعلِ فمتى خَفِيَ الإعْرَابُ التزم كل في مَرْتَبَتِهِ ، وهذه الآيَةُ مما نحن فيه فكيف يُدَّعى فيها ذَلِكَ ، بل كيف يَخْتَارُهُ الزَّجَّاجُ ؟ وقد رأيتُ كلام الزَّجَّاجِ هنا فيمكن أن يُؤخَذَ منه جَوابٌ عن هذا المكانِ ، وذلك أنه قال : " إلاَّ أنَّ الاختيار إذا كانت " الدَّعْوَى " في موضع رفع أن يقول : فما كانت دَعْوَاهُم ، فَلَمَّا قال : " كَانَ دَعْوَاهُم " دلَّ على أن " الدَّعْوى " في موضع نصب ، غير أنه يجوز تَذْكِير الدعوى وإن كانت رفعاً ، فمن هنا يقال : تذكير الفعل فيه قرينة مرجِّحةٌ لإسنادِ الفِعْلِ إلى " أنْ قَالُوا " ، ولو كان مسنداً للدَّعْوَى لكان الأرجح " كَانَتْ " كما قال ، وهو قَرِيبٌ من قولك : " ضَرَبَتْ مُوسَى سَلْمَى " فقدمت المفعول بقرينةِ تأنِيثِ الفِعْلِ ، وأيضاً فإنَّ ثمَّ قَرينَةً أخرى ، وهي كَوْنُ الأعْرَفِ أحَقُّ أن يكون اسماً من غير الأعرف " . والدَّعْوَى تكون بمعنى الدُّعَاءِ ، وبمعنى الادِّعَاءِ ، والمقْصُودُ بها ههنا يحتمل الأمرين جميعاً ، ويحتمل أيضاً أنْ تكونَ بمعنى الاعتراف ، فمن مَجِيئها بمعنى الدُّعَاءِ ما حَكَاهُ الخَلِيلُ : " اللَّهُمَّ أشْركْنَا فِي صالح دعوى المُسلمين " يريد في صالح دُعَائِهِم ؛ وأنشدوا : [ الطويل ] @ 2402 - وإنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أشْتَفِي بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَتَهُونُ @@ ومنه قوله تعالى : { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } [ الأنبياء : 15 ] وقال الزَّمخشريُّ : [ ويجوز ] : فما كان استغاثتهم إلا قولهم هذا ؛ لأنه لا يستغاثُ من اللَّهِ تعالى بغيره ، من قولهم : دعواهم يا لكعب . وقال ابْنُ عطيَّة : وتحتملُ الآيةُ أن يكون المعنى : فما آلت دَعَاويهم التي كانت في حال كُفْرِهِمْ إلا إلى الاعتراف ؛ كقول الشاعر : [ الطويل ] @ 2403 - وَقَدْ شَهِدَتْ قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُهَا قُتَيْبَةَ إلاَّ عَضَّها بالأبَاهِمِ @@ و " إذ " منصوب بـ " دعواهم " . وقوله : { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } " كُنَّا " وخبرها في محل رفع خبر لـ " إنَّ " ، وَ " إنّ " وما في حيزها في محل نَصْبٍ محكياً بـ " قَالُوا " ، و " قَالُوا " وما في حيزه لا محل له لوقوعه صلةً لـ " إنَّ " ، و " أنّ " وما في حيزها في محلِّ رفع ، أو نصب على حسب ما تقدَّم من كونها اسماً ، أو خبراً . ومعنى الآية : أنَّهُم لم يَقْدِرُوا على ردِّ العذاب ، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالخيانَةِ حين لا ينفع الاعتراف .