Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 32-37)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } . قال الفراء : " كَلاَّ " أصله للقسم ، التقدير : أي : والقمر . وقيل : المعنى حقّاً والقمر ، فلا يوقف على هذين التقديرين على " كلا " . وأجاز الطبري الوقف عليها ، وجعلها ردّاً على الذين زعموا أنهم يقاومون خزنة جهنم أي : ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار ، ثم أقسم على ذلك بالقمر ، وبما بعده . وقيل : هذا إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن يكون لهم ذكرى ؛ لأنهم لا يتذكرون . وقيل : هو ردعٌ لمن ينكر أن يكون الكبر نذيراً . وقيل : ردع عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة . قوله تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } . قرأ نافع وحمزة وحفص : " إذ " ظرفاً لما مضى من الزمان " أدبر " بزنة " أكْرَمَ " . والباقون : " إذا " ظرفاً لما يستقبل " دَبَرَ " بزنة " ضَرَبَ " . والرَّسْمُ محتمل لكلتيهما ، فالصورة الخطية لا تختلف . واختار أبو عبيد قراءة " إذا " ، قال : لأن بعده " إذَا أسْفرَ " ، قال : " وكذلك هي في حرف عبد الله " ، يعني : أنه مكتوب بألفين بعد الذال ؛ أحدهما : ألف " إذا " والأخرى همزة " أدبر " . قال : وليس في القرآن قسم يعقبه " إذ " ، وإنما يعقبه " إذا " . واختار ابن عباس - رضي الله عنه - : " إذا " . ويحكى عنه : أنه لما سمع " دَبَرَ " قال : " إنَّما يدبرُ ظهر البعير " . واختلفوا : هل " دبر ، وأدبر " بمعنى أم لا ؟ . فقيل : هما بمعنى واحد ، يقال : دبر الليل والنهار وأدبر ، وقبل وأقبل ؛ ومنه قولهم : " أمس الدابر " فهذا من " دَبَر " ، و " أمس المُدبِر " ؛ قال صَخرُ بن عمرو بن الشَّريدِ السُّلمِيُّ : [ الكامل ] @ 4970 - ولقَدْ قَتلْتُكمْ ثُنَاءَ ومَوْحَداً وتَركْتُ مُرَّةَ مِثلَ أمْسِ الدّابرِ @@ ويروى : " المُدْبِر " ، وهذا قول الفرَّاء والأخفش والزجاج . وأما : " أدبر الراكب " وأقبل فرباعي لا غير . وقال يونس : " دبر " انقضى ، و " أدبر " تولى ، ففرق بينهما . وقال الزمخشري : " ودبر : بمعنى أدبر " كـ " قبل بمعنى أقبل " . وقيل منه : صاروا كأمسِ الدابر . وقيل : هو من دبر الليل بالنهار ، إذا خلفه . وذكر القرطبي عن بعض أهل اللغة : " دبر الليل : إذا مضى ، وأدبر : أخذ في الإدبار " . وقرأ محمد بن السميفع : " والليل إذا أدبر " بألفين ، وكذلك هي في مصحف عبد الله وأبيّ . وقال قطرب : من قرأ " دبر " فيعني أقبل ، من قول العرب : دبر فلان ، إذا جاء من خلفي . قال أبو عمرو : وهي لغة قريش . قوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } . أي أضاء ، وفي الحديث : " أسِفرُوا بالفَجْرِ " . ومنه قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } [ عبس : 38 ] . وقرأ العامة : " أسْفَرَ " بالألف وعيسى بن الفضل وابن السميفع : " سَفَر " ثلاثياً . والمعنى : طرح الظُّلمة عن وجهه على وجه الاستعارة ، وهما لغتان . ويقال : سَفَرَ وجه فلان إذا أضاء ، وأسفر وجهه حسناً : أي أشرق ، وسفرت المرأة ، أي كشفت عن وجهها ، فهي سافرة . قال القرطبي : ويجوز أن يكون سَفَرَ الظلام ، أي كنسه ، كما يسفر البيت أي : يُكنس ، ومنه السفير ، لما يسقط من ورق الشجر ويتحاتّ ، يقال : إنما سمي سفيراً لأن الريح تُسْفره ، أي : تكنسه ، والمُسفرة : المكنسة " . قوله : { إِنَّهَا } . أي : إن النار . وقيل : إن قيام الساعة كذا حكاه أبو حيان . وفيه شيئان : عوده على غير مذكور ، وكونُ المضاف اكتسب تأنيثاً . وقيل : إنه النذارة ، وقيل : هي ضمير القصّة ، وهذا جواب القسم وتعليل لـ " كَلاَّ " والقسم معترض للتوكيد . قاله الزمخشري . قال شهاب الدين : " وحينئذ يحتاج إلى تقدير جوازه ، وفيه تكلف وخروج عن الظاهر " . قوله : { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } . قرأ العامَّةُ : " لإحْدَى الكُبَر " بهمزة ، وأصلها واو من الوحدة . وقرأ نصر بن عاصم ، وابن محيصن ، ويروى عن ابن كثير : " لَحدى " بحذف الهمزة . وهذا من الشُّذوذ بحيث لا يقاس عليه . وتوجيهه : أن يكون أبدالها ألفاً ثُمَّ حذف الألف لالتقاء الساكنين ، وقياس تخفيف مثل هذه الهمزة أن تجعل بَيْنَ بَيْنَ . قال الواحدي : ألف إحدى مقطوع لا تذهب في الوصل و " الكُبَر " : جمع " كُبْرَى " كـ " الفُضَل " جمع " فُضْلَى " . قال الزمخشري : " الكُبَر : جمع الكُبْرى " . جعلت ألف التأنيث كتاء التأنيث ، فكما جمعت " فُعْلة " على " فُعَل " جمعت " فُعْلى " عليها ، ونظير ذلك : " السَّوافِي " في جمع " السَّافِيَاء " وهو التراب التي تسفّه الريح ، و " القَواصع " في جمع " القَاصِعَاء " كأنها جمع " فاعلة " قاله ابن الخطيب فصل في معنى الآية معنى " إحْدَى الكُبَرِ " أي إحدى الدواهي ، قال : [ الرجز ] @ 4971 - يَا ابْنَ المُعلَّى نزَلتْ إحْدَى الكْبَرْ دَاهِيَةُ الدَّهْرِ وصَمَّاءُ الغِيَرْ @@ ومثله : هو أحد الرجال ، وهي إحدى النساء ، لمن يستعظمونه . والمراد من " الكبر " دركات جهنم ، وهي سبعة : جَهَنَّم ، ولَظَى ، والحطمة ، والسَّعير ، والجَحِيم ، والهَاوية ، وسَقَر . أعاذنا الله منها . وفي تفسير مقاتل : " الكُبَر " اسم من أسماء النار . وعن ابن عباس رضي الله عنهما " إنها " أي إن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم " لإحْدَى الكُبَر " أي : الكبيرة من الكبائر . قوله : { نَذِيراً } . فيه أوجه : أحدها : أنه تمييز من " إحدى " لما ضمنت معنى التعظيم ، كأنه قيل : أعظم الكبر إنذاراً ، فـ " نذير " بمعنى " الإنذار " كالنكير بمعنى الإنكار ، كأنه قيل : إنها لإحدى الدواهي إنذاراً ، ومثله : هي إحدى النساء عفافاً . الثاني : أنه مصدر بمعنى الإنذار أيضاً ولكنه نصب بفعل مقدَّر ، قاله الفراء . الثالث : أنه " فعيل " بمعنى " مُفْعِل " وهو حال من الضمير في " إنها " . قاله الزجاج ، وذُكِّرَ لأن معناه معنى العذاب أو أراد أنَّها " ذات إنذارٍ " على معنى النسب ، كقولهم : امرأة طالق وطاهر . قال الحسن رضي الله عنه : والله ما أنذرَ الخلائق بشيءٍ أدهى منها . الرابع : أنه حال من الضمير في " إحدى " لتأويلها بمعنى العظم . الخامس : أنه حال من فاعل " قُمْ " أول السورة ، والمراد بالنذير : محمدٌ صلى الله عليه وسلم أي : قُمْ نذيراً للبشر ، أي : مخوفاً لهم . قاله أبو علي الفارسي . وروي عن ابن عباس ، وأنكره الفراء . قال ابن الأنباري : قال بعض المفسرين : معناه يا أيُّها المدثِّر ، قُم نذيراً للبشر ، وهذا قبيح لطول ما بينهما . السادس : أنه مصدر منصوب بـ " أنذِر " أول السورة ، كأنه قال : إنذاراً للبشر . قال الفراء : يجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار ، أي : أنذر إنذاراً ، فهو كقوله تعالى : { كَيْفَ نَذِيرِ } [ الملك : 17 ] . أي : إنذاري ، فعلى هذا يكون راجعاً إلى أول السورة . السابع : هو حالٌ من " الكُبَر " . الثامن : حالٌ من ضمير " الكُبَرِ " . التاسع : أنه منصوب بإضمار " أعني " . العاشر : أنه حال من " لإحدى " . قاله ابن عطية . الحادي عشر : أنَّه منصوب بـ " ادع " مقدَّراً ، إذ المراد به الله تبارك وتعالى . روى أبو معاوية الضرير : حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي رزين : " نذيراً للبشر " ، قال : يقول الله عز وجل : أنا لكم منها نذير فاتقوها . و " نذيراً " على هذا نصب على الحال ، أي بـ { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } منذراً بذلك البشر . الثاني عشر : أنَّه منصوب بـ " نادى ، أو ببلِّغ " إذ المراد به الرسول صلى الله عليه وسلم . الثالث عشر : أنَّه منصوب بما دلَّت عليه الجملة ، تقديره : عظُمتْ نذيراً . الرابع عشر : هو حال من الضمير في " الكُبَرِ " . الخامس عشر : أنَّها حال من " هو " في قوله { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } . السادس عشر : أنَّها مفعول من أجله ، النَّاصب لها ما في " الكُبَرِ " من معنى الفعل . قال أبو البقاء : " إنَّها لإحْدى الكبر لإنذار البشر " . فظاهرُ هذا أنه مفعول من أجله . واعلم أنَّ النصب : قراءةُ العامَّة . وقرأ أبي بن كعب ، وابن أبي عبلة : بالرفع . فإن كان المراد النار جاز فيه وجهان : أن يكون خبراً بعد خبرٍ ، وأن يكون خبر مبتدإ مضمرٍ ، أي : هي نذير ، والتذكِر - لما تقدم - من معنى النَّسبِ . وإن كان الباري تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم كان على خبر مبتدإ مضمر ، أي : هو نذير . و " للبشر " : إما صفة ، وإما مفعول لـ " نذير " واللام مزيدة لتقوية العامل . قوله : { لِمَن شَآءَ } ، فيه وجهان : أحدهما : أنه بدل من البشر بإعادة العامل كقوله : { لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ } [ الزخرف : 33 ] ، و { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءَامَنَ } [ الأعراف : 75 ] ، وأن يتقدم مفعول " شاء " أي : نذيراً لمن شاء التقدم أو التأخر ، وفيه ذكر مفعول " شاء " وقد تقدم أنه لا يذكر إلا إذا كان فيه غرابة . الثاني : وبه بدأ الزمخشري : أن يكون " لمن شاء " خبراً مقدماً ، و " أن يتقدم " مبتدأ مؤخر . قال : كقولك : لمن توضّأ أن يصلي ، ومعناه : مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم ، أو يتأخر انتهى . فقوله : " التقدم أو التأخر " وهو مفعول " شاء " المقدر . قال أبو حيَّان رحمه الله : قوله : " أن يتقدم " هو المبتدأ معنى لا يتبادر إلى الذهن ، وفيه حذف . قال القرطبي : اللام في " لمن شاء " متعلقة بـ " النذير " ، أي : نذيراً لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو يتأخر إلى الشر والمعصية ، نظيره : { ولقد علمنا المستقدمين منكم } ، أي : في الخير { وَلَقَدْ عَلِمْنَاٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [ الحجر : 24 ] عنه ، قال الحسن : هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر ، كقوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 27 ] . وقيل : المعنى لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر ، فالمشيئة متصلة بالله - عز وجل - والتقديم بالإيمان والتأخير بالكفر . وكان ابن عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أنَّ من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً جوزي بثوابٍ لا ينقطع ، ومن تأخر عن الطاعة ، وكذب محمداً صلى الله عليه وسلم عوقب عقاباً لا ينقطع . وقال السديُّ : " لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر عنها إلى الجنة " . فصل فيمن استدل بالآية على كون العبد متمكناً من الفعل احتج المعتزلة بهذه الآية على كون العبد متمكناً من الفعل غير مجبور عليه . وجوابه : أنَّ هذه الآية دلَّت على أن فعل العبد معلق على مشيئته ، لكن مشيئة العبد معلقة على مشيئة الله - تعالى جل ذكره - كقوله تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الإنسان : 30 ] . وحينئذ تصير الآية حجة عليهم . قال ابن الخطيب : وذكر الأصحاب جوابين آخرين : الأول : معنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين ، التهديد ، كقوله عز وجل : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } . الثاني : أنَّ هذه المشيئة لله - تبارك وتعالى - على معنى : لمن شاء الله منكم أن يتقدم ، أو يتأخر .