Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 72-75)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ } الآية . اعلم أنَّهُ تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - إلى أربعة أقسام وذكر حكم كل واحد منهم ، وتقرير هذه القسمة أنَّهُ - عليه الصلاة والسلام - لما ظهرت نبوته ودعا النَّاس إلى الدِّين ، ثم انتقل من مكَّة إلى المدينة ، فمنهم من وافقه في تلك الهجرة ، ومنهم من لم يوافقه فيها بل بقي في مكة . أمَّا القسمُ الأوَّلُ : فهم المهاجرون الأوَّلُون ، وقد وصفهم الله بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وإنما قلنا : إن المراد بهم المهاجرون الأولون ؛ لأنَّهُ تعالى قال بعد ذلك : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ } وقال تعالى : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ } [ الحديد : 10 ] . وقال : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } [ التوبة : 100 ] . القسم الثاني من الموجودين في زمان محمد - عليه الصلاة والسلام - وهم الأنصار ؛ لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام لمَّا هاجر إليهم مع طائفة من أصحابه ، فلولا أنَّهم آووا ، ونصروا ، وبذلوا النَّفس والمال في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإصلاح مهمات أصحابه لما تمَّ المقصودُ ألبتَّة فحال المهاجر أعلى في الفضيلة من حال الأنصار ؛ لأنَّهم السَّابقون إلى الإيمان ، وتحمَّلُوا العناء والمشقة دهراً طويلاً من كفَّار قريش ، وصبروا على أذاهم ، وهذه الحالةُ ما حصلت للأنصارِ ، وفارقوا الأوطان ، والأهل ، والأموال ، والجيران ، ولم يحصل ذلك للأنصار ، وأيضاً فإنَّ الأنصار اقتدوا بهم في الإسلام ، وهم السابقون للإيمان . ولمَّا ذكر الله تعالى هذين القسمين ، قال : { أُوْلَٰـئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ } قال الواحديُّ عن ابن عباس وغيره من المفسرين " المراد في الميراث " وقالوا : جعل الله تعالى سبب الإرث الهجرة ، والنصرة دون القرابة ، وكان القريب الذي آمن ولم يهاجر لم يرث ؛ لأنَّهُ لم يهاجر ولم ينصر . واعلم أنَّ لفظ الولاية غير مشعرٍ بهذا المعنى ؛ لأنَّ اللفظ مشعر بالقربِ على ما تقرَّر في هذا الكتاب . ويقال : السلطانُ ولي من لا ولي له ولا يفيد الإرث . وقال تعالى : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ يونس : 62 ] ولا يفيدُ الإرث بل الولاية تفيد القرب ، فيمكن حمله على غير الإرث ، وهو كون بعضهم معظماً للبعض ، مهتماً بشأنه ، مخصوصاً بمعاونته ومناصرته ، وأن يكونوا يداً واحدة على الأعداء ، فحمله على الإرث بعيد عن دلالة اللفظ ، لا سيما وهم يقولون إن ذلك الحكم نسخ بقوله في آخر الآية : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } . فأيُّ حاجة إلى حمل اللفظ على معنى لا إشعار لذلك اللفظ به ، ثمَّ الحكم بأنَّهُ صار منسوخاً بآية أخرى مذكورة معه ، هذا في غاية البعد ، اللَّهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على ذلك فيجب المصير إليه ، إلاَّ أنَّ دعوى الإجماع بعيد . القسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا وبقوا في مكة ، وهم المراد بقوله { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } فقال تعالى : { مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } ، فالولاية المنفية في هذه الصُّورة ، هي الولاية المثبتة في القسم المتقدم ، فما قيل هناك قيل هنا . واحتج الذَّاهبون إلى أنَّ المراد من هذه الولاية الإرث ، بأن قالوا : لا يجوزُ أن يكُون المراد منها ولاية النصرة والدليل عليه أنَّه تعالى عطف عليه قوله : { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } وذلك عبارة عن الموالاة في الدِّين ، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد بالولاية المذكورة أمراً مغايراً لمعنى النصرة ، وهذا استدلال ضعيف لأنا إذَا حملنا تلك الولاية على التَّعظيم والإكرام ، فهو أمرٌ مغاير للنصرة ، لأنَّ الإنسان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض المهمات ، مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم ، وقد ينصر عبده وأمته بمعنى الإعانة ، مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم ، فسقط هذا الاستدلال . قوله : " مِن ولايتهم " قرأ حمزة هنا ، وفي الكهف " الولاية لِلَّه " هو ، والكسائي بكسر الواو ، والباقون بفتحها . فقيل : لغتان . وقيل : بالفتحِ من " المَوْلَى " يقال : مَوْلَى بيِّن الولاية ، وبالكسر من ولاية السلطان . قاله أبُو عبيدة . وقيل : بالفتح من النُّصْرَة والنَّسب ، وبالكسر من الإمارة . قاله الزَّجَّاجُ قال : " ويجوز الكسرُ ؛ لأنَّ في تولِّي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل ، وكلُّ ما كان من جنس الصناعة مكسورٌ كالخياطة والقصارة " ، وقد خطَّأ الأصمعيُّ قراءة الكسرِ ، وهو المُخْطِىءُ ، لتواترها . وقال أبُو عبيدٍ : " والذي عندنا الأخْذُ بالفتح في هذين الحرفين ؛ لأنَّ معناهما من الموالاة في الدِّين " . وقال الفارسي : " الفتحُ أجودُ ؛ لأنَّها في الدِّينِ " ، وعكس الفرَّاءُ هذا ، فقال " يُريدُ من مواريثهم ، فكسر الواو أحبُّ إليَّ من فتحها ؛ لأنها إنَّما تفتح إذا كانت نصرة وكان الكسائيُّ يذهبُ بفتحها إلى النصرة ، وقد سُمع الفتح والكسر في المعنى جَمِيعاً " . قوله : " حتَّى يُهاجِرُوا " يُوهِمُ أنَّهم لمَّا لمْ يهاجروا مع رسُولِ الله سقطت ولايتهم مطلقاً فأزال الله هذا الوهم بقوله : { مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } أي : أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية . قوله تعالى : { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } . لمَّا بيَّن قطع الولاية بين تلك الطَّائفة من المؤمنين ، بيَّن أنَّ المراد منه ليس هو المقاطعة التَّامة كما في حقِّ الكُفَّارِ ، بل هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا " لو استنصروكم فانصروهم " ولا تخذلوهم . قوله : " فَعَليْكُم النَّصْرُ " مبتدأ وخبر ، أو فعل وفاعل عند الأخفش ، ولفظةُ " عَلَى " تُشعرُ بالوُجُوبِ ، وكذلك قدَّره الزمخشريُّ ، وشَبَّهه بقوله : [ الطويل ] @ 2741 - عَلَى مُكْثِريهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَريهم وعِنْدَ المُقلِّينَ السَّماحَةُ والبَذْلُ @@ قوله : { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ } أي : لا يجوز لكم نصرتهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك . ثم قال : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قرأ السلمي والأعرج : " يَعْمَلُون " بياء الغيبةِ وكأنه التفات ، أو إخبار عنهم . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } الآية . اعلم أنَّ هذا ترتيبٌ في غاية الحسن ؛ لأنَّهُ تعالى ذكر للمؤمنين أقساماً ثلاثة : الأول : المؤمنون من المهاجرين . والثاني : الأنصار وهم أفضل النَّاس وبيَّن أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضاً . والقسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا . فهؤلاء لهم بسبب إيمانهم فضل ، وبسبب تركِ الهجرة لهم حالة نازلة ، فيكون حكمهم متوسطاً بمعنى أنَّ الولاية للقسم الأوَّل منفية عن هذا القسم ، إلاَّ أنَّهم يكونون بحيثُ لو استنصروا المؤمنين ، واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم ، فهذا الحكم متوسط بين الإجلال ، والإذلال ، وأمَّا الكفار فليس لهم ما يوجب شيئاً من أسباب الفضيلة ، فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه ، فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصرة . فصل قال ابن عباس " يرث المشركون بعضهم من بعض " وهذا إنما يستقيم إذا حملنا الولاية على الإرث ، بل الحق أن يقال : إنَّ كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود فلمَّا ظهرت دعوة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - تناصروا وتعاونوا على إيذائه ومحاربته ، فالمراد من الآية ذلك . قوله " إلاَّ تَفْعَلُوه " الهاءُ تعودُ إمَّا على النَّصرِ ، أو الإرث ، أو الميثاق ، أي : حِفْظه أو على جميع ما تقدَّم ذكره ، وهو معنى قول الزمخشري : " إلاَّ تفعلُوا ما أمرتكُم به " . وقرأ العامة " كبير " بالباء الموحدة ، وقرأ الكسائيُّ فيما حكى عنه أبو موسى الحجازي " كثير " بالثَّاءِ المثلثة ، وهذا قريب ممَّا في البقرة . والمعنى : قال ابن عبَّاسٍ : " إلاَّ تأخُذُوا في الميراثِ بِمَا أمرتُكُم بِهِ " وقال ابنُ جريجٍ : " إلاَّ تتعاونُوا وتتناصَرُوا " . وقال غيرهم : إن لم تفعلوا ما أمرتكم به في هذه التَّفاصيل المذكورة تحصل فتنة في الأرض ، قوة الكفر ، وفساد كبير ، وضعف الإسلام . وبيان هذه الفتنة والفساد من وجوه : الأول : أنَّ المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم ، وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم فربما صارت تلك المخالطة سبباً لالتحاق المسلم بالكافر ، وثانيها : أن المسلمين إذا تفرقوا لم يظهر لهم جمع عظيم ، فيصير ذلك سبباً لجراءة الكفار عليهم . وثالثها : إذا كان جمع المسلمين يزيد كل يوم في العدة والقوة ، صار ذلك سبباً لمزيد رغبتهم في الإسلام ورغبة المخالف في الالتحاق بهم . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ } . زعم بعضهم أنَّ هذه الجملة تكرار للتي قبلها ، وليس كذلك ، فإنَّ التي قبلها تضمنت ولاية بعضهم لبعض ، وتقسيم المؤمنين إلى ثلاثة أقسام ، وبيان حكمهم في ولايتهم ، وتناصرهم وهذه تضمَّنت الثناء والتشريف والاختصاص ، وما آل إليه حالهم من المغفرة والرزق الكريم والمعنى : { أولئك هم المُؤمنونَ حقّاً } لا مرية ولا ريب في إيمانهم ، وقيل : حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين ، { لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } الجنة . فإن قيل : فأي معنى لهذا التكرار . قيل : المهاجرون كانوا على طبقات ، وكان بعضهم أهل الهجرة الأولى ، وهم الذين هاجروا قبل الحديبية ، وبعضهم أهل الهجرة الثانية ، وهم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية قبل فتح مكَّة ، وكان بعضهم ذا هجرتين ، هجرة الحبشة ، والهجرة إلى المدينة ، فالمراد من الآية الأولى الهجرة الأولى ومن الثانية الهجرة الثانية . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ } . هؤلاء هم القسم الرابع من مؤمني زمان محمد عليه الصلاة والسلام ، الذين لم يوافقوا الرسول في الهجرة ، إلاَّ أنهم بعد ذلك هاجروا إليه وجاهدوا معه . واختلفوا في قوله " مِنْ بعْدُ " فقال الواحدي ، عن ابن عبَّاسٍ " بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية " . وقيل : بعد نزول هذه الآية ، وقيل : بعد يوم بدر ، والأصحُّ أنَّ المراد : والذين هاجروا بعد الهجرة الأولى ، وهؤلاء هم التابعون ، بإحسان ، كما قال : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } [ التوبة : 100 ] والصحيح : أنَّ الهجرة انقطعت بفتح مكَّة ، لأنَّ مكة صارت بلد الإسلام . وقال الحسن : " الهجرة غير منقطعة أبداً " . وأما قوله عليه الصلاة والسلام " لا هجْرةَ بعْدَ الفَتْحِ " فالمراد الهجرة المخصوصة ، فإنَّها انقطعت بالفتح وبقوة الإسلام ، أما لو اتفق في بعض الأزمان كون المؤمنين في بلد ، وهم قليلون ، وللكافرين معهم شوكة ، وإن هاجر المسلمون من تلك البلدة إلى بلد آخر ضعفت شوكة الكفار فهاهنا تلزمهم الهجرة على ما قاله الحسن ؛ لأنَّ العلة في الهجرة من مكة إلى المدينة قد حصلت فيهم . قوله { فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ } أي : معكم ، يريد : أنتم منهم وهو منكم . ثم قال : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } . قالوا : المراد بالولاية ولاية الميراث ، قالوا هذه الآية ناسخة ؛ لأنَّهُ تعالى بيَّن أنَّ الإرث كان بسبب الهجرة والنصرة ، والآن بعد نسخ ذلك فلا يحصل الإرث إلاَّ بسبب القرابة . وقوله : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي : السهام المذكورة في سورة النِّساء ، وأمَّا الذين فسَّرُوا الولاية بالنَّصرة والتَّعظيم قالوا : إنَّ تلك الولاية لمَّا كانت محتملة للولاية بسبب الميراث بين الله تعالى في هذه الآية أنَّ ولاية الإرث إنَّما تحصل بسبب القرابة ، إلاَّ ما خصَّ الدليل ، فيكون المقصود من هذا الكلام إزالة هذا الوهم . فصل تمسَّك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام ، وأجيبوا بأن قوله : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } مجمل في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية . فلما قال : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } كان معناه في الحكم الذي بيَّنه اللَّهُ في كتابه فصارت هذه الأولوية مقيَّدة بالأحكام التي بيَّنها اللَّهُ في كتابه وتلك الأحكام ليست إلاَّ ميراث العصبات ، فيكونُ المرادُ من هذه المجمل هو ذلك فقط ، فلا يتعدَّى إلى توريث ذوي الأرحام . فإن قيل تمسكوا بهذه الآية في أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب ، لقوله : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] فدل على ثبوت الأولوية ، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية ؛ فوجب حمله على الكل ، إلاَّ ما خصّه الدَّليل ، فيندرج فيه الإمامة ، ولا يجوزُ أن يقال : إنَّ أبا بكر من أولي الأرحام ، لما نقل أنَّهُ عليه الصلاة والسلام أعطاءه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ثم بعت علياً خلفه وأمر أن يكون المبلغ هو علي ، وقال : " لا يُؤدِّيها إلاَّ رجلٌ مِنِّي " وذلك يدلُّ على أنَّ أبا بكر ما كان منه . والجوابُ : إن صحَّت هذه الدلالة كان العباس أولى بالإمامةِ ؛ لأنَّهُ كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ عليٍّ . قول : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } يجوزُ أن يتعلَّق بنصّ أولها أي : أحق في حكم الله أو في القرآن ، أو في اللوح المحفوظ ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا الحكمُ المذكور في كتاب الله . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : أنَّ هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب ، وليس فيها شيء من العبث ؛ لأنَّ العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلاَّ بالصَّواب . روى أنس قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورة الأنفال وبراءة فأنَّا شَفِيعٌ لَهُ يوم القيامة ، وشاهد أنَّه بريءٌ منَ النِّفاق وأعطي من الأجْرِ بعددِ كُلِّ مُنافقٍ ومُنافِقَةٍ في دارِ الدُّنْيَا عشر حسناتٍ ، ومُحِيَ عنه عشرُ سيئاتِ ، ورفع لهُ عشرُ درجاتٍ ، وكان العَرْش وحملته يُصَلُّون عليه أيَّام حياتِهِ في الدنيا " .