Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ، الاستفهام إذا دخل على النفي قرره ، فصار المعنى : قد شرحنا ، ولذلك عطف عليه الماضي ، ومثله : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ } [ الشعراء : 18 ] ، والعامة : على جزم الحاء بـ " لَمْ " . وقرأ أبو جعفر المنصور : بفتحها . فقال الزمخشري : وقالوا : لعلَّهُ بين الحاء ، وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها . وقال ابن عطية : إن الأصل : " ألَمْ نَشْرحَنْ " بالنون الخفية ، ثم أبدلها ألفاً ثم حذفها تخفيفاً كما أنشد أبو زيد : [ الرجز ] @ 5245 - مِنْ أيِّ يَوميَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ أيَـوْمَ لَـمْ يقْـدرَ أمْ يَـوْمَ قُـدِرْ @@ بفتح راء : " يقدر " وكقوله : [ المنسرح ] @ 5246 - إضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طَارقهَا ضَرْبكَ بالسَّيْفِ قَوْنسَ الفَرسِ @@ بفتح باء " اضرب " انتهى . وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بـ " لم " ، وهو قليل جداً ، كقوله : [ الرجز ] @ 5247 - يَحْسبهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلمَا شَيْخـاً عَلـى كُرْسيِّـهِ مُعَمَّمَـا @@ فتتركب هذه القراءة من ثلاثة أصول كلها ضعيفة ، لأن توكيد المجزوم بـ " لَمْ " ضعيف ، وإبدالها ألفاً إنما هو في الوقف ، فاجراء الوصل مجرى الوقف خلاف الأصل ، وحذف الألف ضعيف ؛ لأنه خلاف الأصل . وخرجه أبو حيان على لغة خرجها اللحياني في " نوادره " عن بعض العرب ، وهو أن الجزم بـ " لَنْ " والنصب بـ " لَمْ " عمس المعروف عند الناس ، وجعله أحسن مما تقدم . وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار تطلب ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما وعن بقية الصحابة أجمعين : [ البسيط ] @ 5248 - قَدْ كَان سُمْكُ الهُدَى يَنْهَدُّ قَائمهُ حتَّى أبِيحَ لـهُ المُختـارُ فانْغَمَدَا فِـي كُـلِّ مـا هَمَّ أمْضَـى رأيـهُ قُدُمـاً ولَـمْ يُشـاوِرَ فـي إقْـدامـهِ أحَـدَا @@ [ بنصب راء " يشاور " ، وجعله محتمل للتخريجين . وشرح الصدر : فتحه ؛ أي ألم تفتح صدرك للإسلام . وقال ابن عباس : ألم تلين قلبك وعن الحسن في قوله : ألم نشرح ، وقال مكي : حلماً وعلماً ] . وشرح الصدر : فتحه : روي أن جبريل - عليه السلام - أتاه وشق صدره ، وأخرج قلبه ، وغسله وأنقاه من المعاصي ، ثم ملأه علماً ، وإيماناً ، ووضعه في صدره ، وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه : أحدها : أن هذه الواقعة إنما وقعت حال صغرهِ صلى الله عليه وسلم وذلك من المعجزات فلا يجوز أن يتقدم بثبوته . وثانيها : أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام ، والمعاصي ليست بإجرام فلم يؤثر الغسل فيها . وثالثها : أنه لا يصح أن يملأ القلب علماً ، بل الله تبارك وتعالى يخلق فيه العلوم . وأجيب عن الأول : بأن تقديم المعجزات على زمان البعثة جائز ، وهو المسمى بالإرهاص ، ومثله في حق الرسول صلى الله عليه وسلم كثير . وعن الثاني ، والثالث : لا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ميل القلب إلى المعاصي وإحجامه عن الطاعات ، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لمواظبة صاحبه على الطاعات ، واحترازه عن السيئات ، فكان ذلك ، كالعلامة للملائكة على عصمة صاحبه . وأيضاً فإن الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنهم قالوا : " يا رسول الله ، أينشرح الصدر ؟ . قال : " نعم وينفسح " ، قالوا : يا رسول الله ، وهل لذلك علامة ؟ . قال : " نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاعتداد للموت قبل نزول الموت " " . قال القرطبيُّ : معنى { أَلَمْ نَشْرَحْ } قد شرحنا ، و " لَمْ " جحد ، وفي الاستفهام طرف من الجحد وإذا وقع جحد ، رجع إلى التحقيق ، كقوله تعالى : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [ التين : 8 ] ، ومعناه : الله أحكم الحاكمين ، وكذا { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر : 36 ] ، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان : [ الوافر ] @ 5249 - ألَسْتُـمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَـا وأنْـدَى العَالمِيـنَ بُطُـونَ رَاحِ @@ المعنى : أنتم كذا . فإن قيل : لم قال عز وجل : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } فذكر الصدر ولم يذكر القلب ؟ . فالجوابُ : لأن محلَّ الوسوسة هو الصَّدر على ما قال تعالى : { يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 5 ] فإبدال تلك الوسوسة بدواعي الخير هو الشرح ، فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب . وقيل : الصدر حضن القلب ، فيقصده الشبطان ، فإن وجد مسلكاً أغار فيه ، وبث جنده فيه وبث فيه الغموم ، والهموم والحرص ، فيقسو القلب حينئذ ، ولا يجد للطاعة لذة ، ولا للإسلام حلاوةً ، فإذا طرد في الابتداء حصل الأمن ، وانشرح الصدر . فإن قيل : لِمَ قال : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ولم يقل : " ألَمْ نَشْرَحْ صَدْرَك " ؟ . فالجوابُ : كأنه تعالى يقول : لام بلام ، فأنت إنما تفعل الطاعات لأجلي ، وأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك . فصل فيمن اعتبر " والضحى " ، و " ألم نشرح " سورة واحدة روي عن طاوس ، وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقرآن : " والضُّحَى " ، و { أَلَمْ نَشْرَحْ } سورة واحدة ، وكانا يقرآنها في ركعة واحدة ، ولا يفصلان بينهما بـ " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ " ، وذلك لأنهما رأيا أن أولهما يشبه قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } . وليس كذلك ، لأن حالة اغتمامه صلى الله عليه وسلم بإيذاء الكفار ، فهي حالة محنةٍ وضيق ، وهذه حالة انشراح الصدر ، وطيب القلبِ فكيف يجتمعان ؟ . قوله : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } ، أي : حططنا عنك ذنبك . وقرأ أنس - رضي الله عنه - وحللنا وحططنا . وقرأ ابن مسعود : " وَحَلَلْنَا عَنْكَ وقْرَكَ " . وهذه الآية مثل قوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] . قيل : الجميع كانوا قبل النبوة ، أي : وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية ؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم كان في يسر من مذاهب قومه ، وإن لم يكن عبد صنماً ، ولا وثناً . قوله : { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } ، أي : حمله على النقض ، وهو صوت الانتقاض والانفكاك لثقله ، مثل لما كان يثقله صلى الله عليه وسلم . قال أهل اللغة : أنقض الحمل ظهر الناقة : إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل ، وسمعت نقيض الرجل أي صريره ؛ قال العبَّاس بن مرداسٍ : [ الطويل ] @ 5250 - وأنْقضَ ظَهْرِي ما تطَوَّيْتُ مِنهُم وكُنْتُ عَليْهِمْ مُشْفِقاً مُتَحَنِّنَا @@ وقال جميلٌ : [ الطويل ] @ 5251 - وحتَّى تَداعَتْ بالنَّقيضِ حِبالـهُ وهَمَّتْ بَوانِي زَوْرهِ أنْ تُحطَّمَا @@ والمعنى : أثقل ظهرك حين سمع نقيضه ، أي : صوته . والوِزْرُ : الحمل الثقيل . قال المحاسبيُّ : يعني : ثقل الوزر لو لم يعفُ الله عنه . قال : وإنما وُصفتْ ذنوبُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بهذا الثقل مع كونها مغفورة لشدة اهتمامهم بها ، وندمهم منها ، وتحسرهم عليها [ وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو . وقيل : ذنوب أمتك اضافها إليه لاشتغال قلبه بها ] . وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : خففنا عنك أعباء النبوة ، والقيام بها ، حتى لا تثقل عليك . وقيل : كان في الابتداء يثقل عليه الوحي ، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل ، إلى أن جاء جبريل - عليه السلام - وأزال صلى الله عليه وسلم عنه ما كان يخاف من تغير العقل . وقيل : عصمناك عن احتمال الوِزْر ، وحفظناك قيل النبوة في الأربعين من الأدناس ، حتى نزل عليه الوحي ، وأنت مطهَّر من الأدناس . قوله : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ، قال مجاهد : يعني بالتأذين . وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهم - يقول عز وجل له : لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان ، والإقامة ، والتشهد ، ويوم الجمعة على المنابر ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وأيام التشريق ويوم عرفة ، وعند الجمار وعلى الصفا والمروة وفي خطبة النكاح ، وفي مشارق الأرض ومغاربها . ولو أن رجلاً عبد الله تعالى ، وصدق بالجنة والنار وكل شيءٍ ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع شيء وكان كافراً . وقيل : أعلينا ذكرك ، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك ، وأمرناهم بالبشارة بك ، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه . وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين ، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود ، وكرائم الدرجات . وقيل : عام في كل ذكر . قوله : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } العامة ، على سكون السين في الكلم الأربع . وابن وثَّاب وأبو جعفر وعيسى : بضمها ، وفيه خلاف ، هل هو أصل ، أو منقول من المسكن ؟ والألف واللام في العسر الأول لتعريف الجنس ، وفي الثاني للعهد ، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - لن يغلب عسرٌ يسرين وروي أيضاً مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم خرج يضحك يقول : " لن يغلب عسر يسرين " والسبب فيه أن العرب إذا أتت باسم ، ثم أعادته مع الألف واللام ، كان هو الأول ، نحو : جاء رجل فأكرمتُ الرجل ، وقوله تعالى : { كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } [ المزمل : 15 ، 16 ] ، ولو أعادته بغير ألف ولام كان غير الأول ، فقوله تعالى : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } لما أعاد العسر الثاني أعاده بـ " أل " ، ولما كان اليُسْر الثاني غير الأول لم يعده بأل . وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما معنى قول ابن عبَّاس ؟ وذكر ما تقدم . قلت : هذا عمل على الظاهر ، وبناء على قوة الرجاء ، وأن موعد الله تعالى لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ ، وأبلغه ، والقول فيه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى كما كرر قوله : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } لتقرير معناها في النفوس ، وتمكنها في القلوب ، وكما يكرر المفرد في قوله : " جاء زيد زيد " ، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف بيُسْرٍ [ لا محالة والثانية : عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر ] , فهما يسران على تقدير الاستئناف , وإنَّما كان العسر واحداً لأنه لا يخلو ، إما أن يكون تعريفه للعهد ، وهو العسر الذي كانوا فيه ، فهو هو ، لأن حكمه حكم زيد في قولك : " إن مع زيد مالاً ، إن مع زيد مالاً " ، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد ، فهو هو أيضاً ، وأما اليسر ، فمنكر متناول لبعض الجنس ، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرر ، فقد تناول بعضاً غير البعض الأول بغير إشكال . قال أبو البقاء : العسر في الموضعين واحد ؛ لأن الألف واللام توجب تكرير الأول ، وأما يُسْراً في الموضعين ، فاثنان ، لأن النكرة إذا أريد تكريرها جيء بضميرها ، أو بالألف واللام ومن هنا قيل : " لَنْ يَغْلِبَ عُسرٌ يُسرَيْنِ " . وقال الزمخشريُّ أيضاً فإن قلت : " إن " مَعَ " للصحبة ، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر ؟ قلت : أراد أن الله - تعالى - يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب ، فقرب اليسر المترقب ، حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية ، وتقوية للقلوب . وقال أيضاً فإن قلت : فما معنى هذا التنكير ؟ . قلت : التفخيم كأنه قيل : إنّ مع العسر يسراً عظيماً ، وأي يسر ، وهو في مصحف ابن مسعود مرة واحدة . فإن قلت : فإذا أثبت في قراءته غير مكرر فلم قال : والذي نفسي بيده لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر ، حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين ؟ . قلت : كأنه قصد اليسرين ، وأما في قوله : " يُسْراً " من معنى التفخيم ، فتأوله بيسر الدَّارين ، وذلك يسران في الحقيقة . فصل في تعلق هذه الآية بما قبلها تعلق هذه الآية بما قبلها أن الله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم فعيَّره المشركون بفقره ، حتى قالوا له : نجمع لك مالاً ، فاغتنم لذلك ، وظن أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لكونه فقيراً حقيراً عندهم ، فعدد الله - تعالى - عليه منته بقوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } ، أي : ما كنت فيه من أمر الجاهلية ، ثم وعده بالغنى في الدنيا ليزيل في قلبه ما حصل فيه من التأذي ، بكونهم عيَّروه بالفقر ، فقال تعالى : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فعطفه بالفاء أي : لا يحزنك ما عيروك به في الفقر ، فإن ذلك يسراً عاجلاً في الدنيا فأنجز له ما وعده ، فلم يمت ، حتى فتح عليه " الحجاز " ، و " اليمن " ووسع عليه ذات يده ، حتَّى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، وترك لأهله قوت سنته ، وهذا وإن كان خاصاً بالنبي - عليه الصلاة والسلام - فقد يدخل فيه بعض أمته صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى ، ثم ابتدأ فصلاً آخر من أمر الآخرة ، فقال : { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فهذا شيء آخر ، والدليل على ابتدائه ، تعديه من فاء ، وواو ، وغيرهما من حروف النسق التي تدخل على العطف ، فهذا عام لجميع للمؤمنين ، { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } للمؤمنين يسراً في الآخرة لا محالة ، وربما اجتمع يسرُ الدنيا ، ويسرُ الآخرة . قوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ } . العامة : على فتح الراء : من " فَرغْتَ " ، وهي الشهيرة . وقرأها أبو السمال : مكسورة ، وهي لغة فيه . قال الزمخشري : " وليست بالفصيحة " . وقال الزمخشري أيضاً : " فإن قلت : كيف تعلق قوله تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } بما قبله ؟ . قلت : لما عدد عليه نعمه السالفة ، ووعوده الآنفة ، بعثه على الشكر ، والاجتهاد في العبادة ، والنصب فيها " . وعن ابن عباس : فإذا فرغت من صلاتك ، فانصب في الدعاء . العامة : على فتح الصَّاد وسكون الباء أمراً من النصب وقرىء : بتشديد الباء مفتوحة أمراً من الإنصاب . وكذا قرىء بكسر الصاد ساكنة الباء ، أمراً من النَّصْب بسكون الصاد . قال شهاب الدين : ولا أظن الأولى إلا تصحيفاً ، ولا الثانية إلا تحريفاً ، فإنها تروى عن الإمامية وتفسيرها : فإذا فرغت من النبوة فانصب الخليفة . وقال ابن عطية : وهي قراءة شاذةٌ ، لم تثبت عن عالم . قال الزمخشريُّ : ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة ، أنه قرأ : " فانْصِبْ " - بكسر الصاد - أي : فانصب علياً للإمامة ، ولو صح هذا للرافضيِّ ، لصحَّ للناصبي أن يقرأ هكذا ، ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض علي ، وعداوته . قال ابن مسعود : " إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل " . وقال الكلبيُّ : " إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفِرْ لذَنْبِكَ وللمُؤمنينَ والمُؤْمِنَات " . وقال الحسنُ وقتادة : " فإذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربِّك " . قوله : { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } . قرأ الجمهور : " فارْغَبْ " أمر من " رغبَ " ثلاثياً . وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي عبلة : " فَرغِّبْ " بتشديد الغين ، أمر من " رَغَّبَ " بتشديد الغين أي : فرغب الناس إلى طلب ما عنده . عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ قَرَأ { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } فكأنما جاءني وأنا مغتم ففرج عني " والله تعالى أعلم .