Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } . قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبيُّ : هو تينكم الذي تأكلون ، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت قال تعالى : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } [ المؤمنون : 20 ] ومن خواص التين : أنه غذاء وفاكهة ، وهو سريع الهضم لا يمكث في المعدة ، ويقلل البلغم ، ويطهر الكليتين ، ويزيل ما في المثانة من الرمل ، ويسمن البدن ، ويفتح مسام الكبد والطحالِ . وروى أبو ذر - رضي الله عنه - قال : " أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم سلٌّ من تينٍ ، فقال : " كُلُوا " وأكَلَ مِنهُ ، ثُمَّ قال لأصْحَابهِ : " كُلُوا ؛ لَوْ قُلتُ : إنَّ فَاكهَةً نَزلَتْ مِنَ الجنَّةِ ، لقُلْتُ : هَذهِ ، لأنَّ فَاكِهَة الجنَّةِ بِلاَ عجمٍ ، فكُلُوهَا ، فإنَّهَا تَقْطَعُ البَواسيرَ ، وتَنْفَعُ مِنَ النقرسِ " " . وعن علي بن موسى الرضى : " التين " يزيل نكهة الفم ، ويطول الشعر ، وهو أمان من الفالج ، وأما الزيتون فشجرته هي الشجرة المباركة . وعن معاذ - رضي الله عنه - أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " نِعْمَ السواكُ الزَّيتُون ، مِنَ الشَّجرةِ المُبارَكَةِ ، يُطيِّبُ الفَمَ ، ويُذْهِبُ الحَفَرَ ، وهِيَ سِوَاكِي وسِواكُ الأنْبِيَاء من قَبْلِي " . وعن ابن عباس : " التين " مسجد نوح - عليه الصلاة والسلام - الذي بني على الجودي والزيتون : " بيت المقدس " . وقال الضحاك : التين : " المسجد الحرام " ، والزيتون : " المسجد الأقصى " . وقال عكرمة وابن زيد : التين : " مسجد دمشق " ، والزيتون : " مسجد بيت المقدس " [ وقال قتادة : " التين : الجبل الذي عليه " دمشق " ، والزيتون الذي عليه " بيت المقدس " . وقال محمد بن كعب - رضي الله عنه - : التين : مسجد أصحاب الكهف والزيتون " إيليا " . وقال عكرمة وابن زيد : التين : " دمشق " ، والزيتون : " بيت المقدس " ] وهذا اختيار الطبري . وقيل : هما جبلان بالشام يقال لهما : طور زيتا وطور تينا بالسريانية ، سميا بذلك لأنهما ينبتان التين والزيتون . قال القرطبيُّ : " والصَّحيحُ الأولُ ، لأنه الحقيقة ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل " . قوله : { وَطُورِ سِينِينَ } . الطُّور جبل ، و " سنين " اسم مكان ، فأضيف الجبل للمكان الذي هو به . قال الزمخشريُّ : " ونحو " سينون يبرون " في جواز الإعراب بالواو والياء ، والإقرار على الياء ، وتحريك النون بحركات الإعراب " . وقال أبو البقاء : هو لغة في " سيناء " . انتهى . وقرأ العامة : بكسر السين ، وابن أبي إسحاق ، وعمرو بن ميمون ، وأبو رجاء : بفتحها وهي لغة بكر وتميم . وقرأ عمر بن الخطَّاب ، وعبيد الله ، والحسن ، وطلحة : سيناء بالكسر والمد . وعمر - أيضاً - وزيد بن علي : بفتحها والمد قال عمر بن ميمون : صليتُ مع عُمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - العشاء بـ " مكة " ، فقرأ : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينَاءَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ } قال : وهكذا في قراءة عبد الله ، ورفع صوته تعظيماً للبيت ، وقرأ في الثانية بـ { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } ، و { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } . جمع بينهما . ذكره ابن الأنباري . [ وقد تقدم في " المؤمنين " ، وهذه لغات اختلفت في هذا الاسم السرياني علىعادة العرب في تلاعبها بالأسماء الأعجمية ] . وقال الأخفش : " سِيْنين " شجر ، الواحدة " السينينة " ، وهو غريب جداً غير معروف عند أهل التفسير [ وقال مجاهد : وطور جبل سينين ، أي : مبارك بالسريانية ، وهو قول قتادة والحسن . وعن ابن عباس : سينين أي : حسن بلغة الحبشة ] . وعن عكرمة قال : هو الجبل الذي نادى الله تعالى منه موسى عليه السلام . وقال مقاتل والكلبي : " سِيْنين " كل جبل فيه شجرٌ وثمرٌ ، فهو سينين وسيناء ، بلغة النبط . وقال أبو علي : " سينين " : " فعليل " ، فكررت اللام التي هي نون فيه ، كما كررت في " زحليل " للمكان الزلق ، و " كرديدة " : للقطعة من التمر ، وخنديدة : للطويل . ولم ينصرف " سينين " كما لم ينصرف " سيناء " لأنه جعل اسماً لبقعة ، أو أرض ، ولو جعل اسماً للمكان ، أو المنزل ، أو اسم مذكر لانصرف ، لأنك سميت مذكراً بمذكر . وإنما أقسم بهذا الجبل ، لأنه بالسَّنام والأرض المقدسة ، وقد بارك الله فيهما ، كما قال : { إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] . ولا يجوز أن يكون " سينين " نعتاً للطور ، لإضافته إليه . قوله : { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } . يعني " مكة " ، والأمين على هذا " فعيل " للمبالغة ، أي : أمن من فيه ومن [ دخله من إنس ، وطير ، وحيوان ، ويجوز أن يكون من أمن للرجل بضم الميم أمانة ، فهو أمين ، وأمانته حفظه من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول من أمنه ؛ لأنه مأمون الغوائل كما وصف بالأمن في قوله تعالى ] { أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } [ العنكبوت : 67 ] يعني ذا أمن . قال القرطبيُّ : " أقسم الله تعالى بجبل " دمشق " ، لأنه مأوى عيسى - عليه الصلاة والسلام - وبجبل بيت المقدس ، لأنه مقام الأنبياء - عليهم السلام ، و بـ " مكة " لأنها أثر إبراهيم ، ودار محمد صلى الله عليه وسلم " . قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } ، هذا جواب القسم [ وأراد بالإنسان الكافر . قيل : هو الوليد بن المغيرة . وقيل : كلدة بن أسيد فعلى هذا نزلت في منكري البعث . وقيل : المراد بالإنسان ] : آدم - عليه الصلاة والسلام - وذريته . وقوله : { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } صفة لمحذوف ، أي : في تقويم أحسن تقويم . وقال أبو البقاء : " فِي أحسن تَقْويمٍ " في موضع الحال من الإنسان ، وأراد بالتقويم : القوام ؛ لأن التقويم فعل ، وذاك وصف للخالق لا المخلوق ، ويجوز أن يكون التقدير : في أحسن قوام التقويم ، فحذف المضاف ، ويجوز أن تكون " فِي " زائدة ، أي : قوَّمنَا أحسن تقويمٍ انتهى . فصل في معنى الآية قال المفسرون : أحسن تقويم ، واعتداله ، واستواء أسنانه ، لأنه خلق كلَّ شيء منكباً على وجهه ، وخلق هو مستوياً ، وله لسان ذلق ويد وأصابع يقبض بها . قال ابن العربي : ليس لله - تعالى - خلق أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حياً ، عالماً ، قادراً ، مريداً ، متكلماً ، سميعاً ، بصيراً ، مدبراً ، حكيماً ، وهذه صفات الرب سبحانه ، وعنها عبر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله : إن الله خلق آدم عليه السلام على صورته يعني : على صفاته التي قدمنا ذكرها ، وفي رواية " عَلَى صُورةِ الرَّحْمَن " ومن أين تكون للرحمن صورة مشخصة ، فلم يبق إلا أن تكون معاني . روي أن عيسى بن موسى الهاشمي ، كان يحبُّ زوجته حبًّا شديداً ، فقال لها يوماً : أنت طالقٌ ثلاثاً إنْ لم تكوني أحسن من القمر ، فنهضت واحتجبت عنه ، وقالت : طلقتني ، وبات بليلة عظيمة ، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور ، فأخبره الخبر ، وأظهر للمنصور جزعاً عظيماً ، فاستحضر الفقهاء واستفتاهم ، فقال جميع من حضر : قد طلقت , إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة ، فإنه كان ساكتاً ، فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ؟ . فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، يا أمير المؤمنين ، فالإنسان أحسنُ الأشياء ، ولا شيء أحسن منه ، فقال المنصور لعيسى بن موسى : الأمر كما قال الرجل ، فأقبل على زوجتك ، وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل أن أطيعي زوجك ولا تعصيه ، فما طلقك . فهذا يدلك على أنَّ الإنسان أحسن خلق الله تعالى باطناً وظاهراً ، جمال هيئة ، وبديع تركيب ، الرأس بما فيه ، والبطن بما حواه ، والفَرْج وما طواه ، واليدان وما بطشتاه ، والرجلان وما احتملتاه ، ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالم الأصغر ؛ إذ كل ما في المخلوقات أجمع فيه . قوله : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } . يجوز في " أسْفلَ سافِلينَ " وجهان : أحدهما : أنه حال من المفعول . والثاني : أنه صفة لمكان محذوف ، أي : مكاناً أسفل سافلين . وقرأ عبد الله : " السَّافلين " معرفاً . فصل قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد إلى أرذل العمر ، وهوالهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة . [ وقال ابن قتيبة السافلون هم الضعفاء الزمناء ، ومن لم يستطع حيلة يقال : سفل يسفل فهو سافل ، وهم سافلون كما تقول : علا يعلو فهو عال وهم عالون ] . وعن مجاهد وأبي العالية : " أسفل سافلين " إلى النار ، يعني الكافر . قال علي رضي الله عنه : أبواب جهنَّم بعضها أسفل من بعض ، فيبدأ بالأسفل فيملأ وهو أسفل السافلين . وعلى هذا التقدير : ثم رددناه إلى أسفل ، وفي أسفل السافلين . قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فيه وجهان : أحدهما : متصل على أن المعنى : رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً ، يعني أقبح من قبح خلقه ، وأشوههم صورة ، وهم أهل النار ، فالاتصال على هذا واضح . والثاني : أنه منقطع على أن المعنى : ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في الحسن والصورة والشكل ، حيث نكسناه في خلقه ، فقوس ظهره ، وضعف بصره وسمعه والمعنى : ولكن والذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم على طاعتهم ، وصبرهم على الابتداء بالشيخوخة ، ومشاق العبادة ، قاله الزمخشري ملخصاً ، وقال : أسفل سافلين على الجمع ؛ لأن الإنسان في معنى الجمع . قال الفرَّاء : ولو قال : أسفل سافل جاز ، لأن لفظ الإنسان واحد كما تقول : هذا أفضل ، ولا تقول : أفضل قائمين ، لأنك تضمر الواحد ، فإن كان الواحد غير مضمور له ، رجع اسمه بالتوحيد ، والجمع ، كقوله تعالى : { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ الزمر : 33 ] ، وقوله تعالى : { إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } [ الشورى : 48 ] . قوله تعالى : { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } . قال الضحاكُ : أجر بغير عمل . وقيل : غير مقطوع أي : لا يمن به عليهم . قوله تعالى : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } . " مَا " استفهامية في محل فع بالابتداء والخبر الفعل بعدها والمخاطب : الإنسان على طريق الالتفات ، توبيخاً ، وإلزاماً للحُجَّة ، والمعنى : فما يجعلك كاذباً بسبب الدين ، وإنكاره ، وقد خلقك في أحسن تقويمٍ ، وأنه يردك إلى أرذلِ العمر ، وينقلك من حال إلى حال فما الذي يحملك بعد هذا الدليل إلى أن تكون كاذباً بسبب الجزاءِ [ لأن كل مكذب بالحق ، فهو كاذب فأي شيء يضطرك إلى أن تكون كاذباً يعني : أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء ؛ لأن كل مكذّب كاذب بسبب الجزاء ] ، والباء مثلها في قوله : { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [ النحل : 100 ] . وقيل : المخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا يكون المعنى : فما الذي يكذبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث وهو الدين ، بعد هذه العبر التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت ، قاله الفرَّاء والأخفش . قوله تعالى : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } أي : أتقن الحاكمين صنعاً في كل ما خلق ، وإذا ثبتت القدرة ، والحكمة بهذه الدلالة صح القولُ بإمكان الحشرِ ، ووقوعه ، أمّا الإمكان فبالنظر إلى القدرة ، وأما الوقوع فبالنظر إلى الحكمة لأن عدم ذلك يقدح في الحكمة كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ ص : 27 ] . وقيل : أحكم الحاكمين : قضاء بالحق ، وعدلاً بين الخلق ، وألف الاستفهام إذا دخلت على النفي في الكلام صار إيجاباً ، كقوله : [ الوافر ] @ 5252 - ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطَايَا … @@ [ قيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف . وقيل : هي ثابتة لأنه لا تنافي بينهما ] . وكان ابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - إذا قرءا : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } ، قالا : بلى ، وإنَّا على ذلك من الشاهدين . قال القاضي : هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يخلق أفعال العباد مع ما فيها من السفه والظلم ، لأنه تعالى أحكم الحاكمين ، فلا يفعل فعل السفهاء . وأجيب : بالمعارضة بالعلم ، والداعي ، ثم نقول : السَّفيهُ من قامت السفاهة به ، لا من خلق السفاهة ، كما أن المتحرك من قامت الحركة به بدلاً لا من خلقها . والله أعلم .