Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 30-33)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أخبر عن حال المشركين ، تشوفت النفس إلى الاطلاع على حال غيرهم فقال مستأنفاً مخبراً عن كِلا الفريقين : { هنالك } أي في ذلك الموقف من المكان والزمان العظيم الأهوال المتوالي الزلزال { تبلوا } أي تخبر وتخالط مخالطة مميلة محلية { كل نفس } طائعة وعاصية { مآ أسلفت } أي قدمت من العمل فيعرف هل كان خيراً أو شراً وهل كان يؤدي إلى سعادة أو شقاوة . ولما كان مطلق الرد - وهو صرف الشيء إلى الموضع الذي ابتدأ منه - كافياً في الرهبة لمن له اب ، بُني للمفعول قوله : { وردوآ } أي بالبعث بالإحياء كما كانوا أولاً { إلى الله } أي الملك الأعظم { مولاهم الحق } فلم يكن لهم قدرة على قصدِ غيره ولا الالتفات إلى سواه من تلك الأباطيل ، بل انقطع رجاءهم من كل ما كانوا يدعونه في الدنيا ، وهو المراد بقوله : { وضَلَّ عنهم } أي بطل وذهب وضاع { ما كانوا } أي كوناً هو جبلة لهم { يفترون } أي يتعمدون كذبه من أن معبوداتهم شركاء ، وتيقنوا في ذلك المقام أن توليهم لغير الله كان باطلاً غير حق ؛ والتزييل : تفريق يزول به كل واحد عن مكانه ، وهو من تفريق الجثث ، وليس من الواوي ، بل من اليائي ، يقال : زلته عن الشيء أزيله - إذا فرقت بينه وبينه ؛ والكفاية : بلوغ مقدار الحاجة في دفع الأذية أو حصول المنفعة ؛ والإسلاف : تقديم أمر لما بعده ؛ والرد : الذهاب إلى الشيء بعد الذهاب عنه كالرجع ؛ والمولى : من يملك تولى أمر مولاه . ولما قدم سبحانه أن شركاءهم مربوبون مقهورون ، لا قدرة لهم إلاّ على ما يقدرهم الله عليه ، وأنه وحده المولى الحق ، وبانت بذلك فضائحهم ، أتبعه ذكر الدلائل على فساد مذهبهم ، فوبخهم بأن وجه السؤال إليهم عما هم معترفون بأنه مختص به ويدل قطعاً على تفرده بجميع الأمر الموجب من غير وقفة لاعتقاد تفرده بالإلهية فقال : { قل } أي يا أكرم خلقنا وأرفقهم بالعباد { من يرزقكم } أي يجلب لكم الخيرات أيها المنكرون للبعث المدعون للشركة { من السمآء } أي بالمطر وغيره من المنافع { والأرض } بالنبات وغيره لتعيشوا { أمّن يملك السمع } أي الذي تسمعون به الآيات ، ووحده للتساوي فيه في الغالب { والأبصار } التي تبصرون بها ما أنعم عليكم به في خلقها ثم حفظها في المدد الطوال على كثرة الآفات فيفيضها عليكم لتكمل حياتكم الحسية ببقاء الروح ، والمعنوية بوجود العلم ؛ روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : سبحان من بصر بشحم ، وأسمع بعظم ، وأنطق بلحم . فلما سألهم عن أوضح ما هم فيه وأقربه ، نبههم على ما قبله من بدء الخلق فقال : { ومن يخرج الحي } من الحيوان والنبات { من الميت } أي من النطفة ونحوها { ويخرج الميت } أي من النطفة ونحوها مما لا ينمو { من الحي } أي فينقل من النقص إلى الكمال ؛ ثم عم فقال : { ومن يدبر الأمر } أي كله التدبير العام . ولما كانوا مقرين بالرزق وما معه من الخلق والتدبير ، أخبر عن جوابهم إذا سئلوا عنه بقوله : { فسيقولون الله } أي مسمى هذا الاسم الذي له الكمال كله بالحياة والقيومية بخلاف ما سيأتي من الإعادة والهداية { فقل } أي فتسبب عن ذلك أنا نقول لك : قل لهم مسبباً عن جوابهم هذا الإنكار عليهم في عدم التقوى : { أفلا تتقون } أي تجعلون وقاية بينكم وبين عقابه على اعترافكم بتوحده في ربوبيته وإشراككم غيره في إلهيته ؛ ثم علل إنكار عدم تقواهم بقوله : { فذلكم } أي العظيم الشأن { الله } أي الذي له الجلال والإكرام ، فكانت هذه قدرته وأفعاله { ربكم } أي الموجد لكم المدبر لأموركم الذي لا إحسان عندكم لغيره { الحق } أي الثابته ربوبيته ثباتاً لا ريب فيه لاجتماع الصفات الماضية له لا لغيره لأنه لا تكون الربوبية حقيقة لمن لم تجتمع له تلك الصفات { فما } أي فتسبب عن ذلك أن يقال لكم : ما { ذا بعد الحق } أي الذي له أكمل الثبات { إلاّ الضلال } فإنه لا واسطة بينهما - بما أنبأ عنه إسقاط الجار ، ولا يعدل عاقل عن الحق إلى الضلال فانّى تصرفون أنتم عن الحق إلى الضلال ؛ ولذلك سبب عنه قوله : { فأنى } أي فكيف ومن أيّ جهة { تصرفون } أي أنتم من صارف ما كائناً ما كان ، عن الحق إلى الضلال . ولما كانوا جديرين عند تقريرهم بهذه الآية وإقرارهم بمضمونها بأن يقولوا : سلمنا فأسلمنا ولا نصرف عن الحق أبداً ، فلم يقولوا ، كانوا حقيقين بأن يقال لهم : حقت عليكم كلمة الله لفسقكم وزوغانكم عن الحق . فقيل : هل خصوا بذلك ؟ فقيل : بل { كذلك } أي مثل ذلك الحقوق العظيم { حقت كلمت ربك } أي المحسن إليك بإهلاك أعدائك : الكلمة الواحدة النافذة التي لا تردد فيها ، ومعنى الجمع في قراءة نافع وابن عامر أنه لا شيء من كلماته يناقض الكلمة التي أوجبت عذابهم ، بل كلها توافقها فالمراد واحد ، أو يكون ذلك كناية عن أن عذابهم دائم فإن كلماته لا تنفذ { على } كل { الذين } فعلوا فعلهم لأنهم { فسقوا } أي أوقعوا الترك لأمر الله وأوجدوا عصيانه وفعلوا الخروج عن طريق الحق والخروج عن دائرة الصلاح ، وهو كونهم أمة واحدة إلى دين أبيهم آدم صَفيُ الله عليه السلام ؛ ثم علل ذلك الحقوق بقوله : { أنهم لا يؤمنون * } أي لا يتجدد منهم إيمان أصلاً ، وعبر بالفسق المراد به الكفر لأن السياق للخروج عن دائرة الدين الحق في قوله { وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا } وهذا المعنى أحق بالتعبير للفسق الذي أصله الخروج عن محيط في قولهم : فسقت الرطبة عن قشرها - أي خرجت ، أو يكون المعنى : حقت الربوبية له سبحانه بهذا الليل ، وهو فعل هذه الأمور المختتمة بالتدبير المقتضي للوحدانية له سبحانه قطعاً لأنه لو كان قادر يساويه في مقدوره لأمكن أن يمانعه ، وبطل أن يكون قادراً ، وحق أن من زاغ عن الحق كان في الضلال كما حق هذا { كذلك حقت } أي ثبتت ثباتاً عظيماً { كلمت ربك على } كل { الذين } قضى بفسقهم منهم . و { أنهم لا يؤمنون } تفسير لكلمته التي حقت ؛ والرزق : جعل العطاء الجاري .