Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 79-83)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما لبسوا بوصفه بما هم به متصفون ، أرادوا الزيادة في التلبيس بما يوهم أن ما أتى به سحر تمكن معارضته إيقافاً للناس عن تباعه ، فقال تعالى حكاية عطفاً على قوله : { قالوا أجئتنا } : { وقال فرعون } إرادة المناظرة لما أتى به موسى عليه السلام { ائتوني بكل ساحر عليم * } أي بالغ في علم السحر لئلا يفوت شيء من السحر بتأخر البعض ، وقراءة حمزة والكسائي بصيغة فعال دالة على زيادة لزعمه أقل من سياق الشعراء كما مضى في الأعراف . ولما كان التقدير : فامتثلوا أمره وجمعوهم ، دل على قرب اجتماعهم بالفاء في قوله : { فلما جاء السحرة } أي كل من في أرض مصر منهم { قال لهم موسى } مزيلاً لهذا الإيهام { ألقوا } جميع { ما أنتم ملقون * } أي راسخون في صنعة إلقائه ، إشارة إلى أن ما جاؤوا به ليس أهلاً لأن يلقى إليه بال { فلما ألقوا } أي وقع منهم الإلقاء بحبالهم وعصيهم على إثر مقالاته وخيلوا بسحرهم لعيون الناس ما زلزل عقولهم { قال موسى } منكراً عليهم { ما جئتم به } ثم بين أنه ما استفهم عنه جهلاً بل احتقاراً وإنكاراً ، وزاد في بيان كل من الأمرين بقوله : { السحر } لأنه استفهام أيضاً سواء قطعت الهمزة ومدت كما في قراءة أبي عمرو وأبي جعفر أوجعلت همزة وصل كما في قراءة الباقين ، فإن همزة الاستفهام مقدرة ، والتعريف إما للعهد وإما للحقيقة وهو أقرب ، ويجوز في قراءة الجماعة أن يكون خبراً لما يقصد به الحصر ، أي هو السحر لا ما نسبتموه إليّ ؛ ثم استأنف بيان ما حقره به فقال : { إن الله } أي الذي له إحاطة العلم والقدرة { سيبطله } أي عن قريب بوعد لا خلف فيه ؛ ثم علل ذلك بما بين أنه فساد فقال : { إن الله } أي الذي له الكمال كله { لا يصلح } أي وفي وقت من الأوقات { عمل المفسدين * } أي العريقين في الفساد بأن لا ينفع بعملهم ولا يديمه ؛ ثم عطف عليه بيان إصلاحه عمل المصلحين فقال : { ويحق } أي يثبت إثباتاً عظيماً { الله } أي الملك الأعظم { الحق } أي الشيء الذي له الثبات صفة لازمة ؛ ولما كان في مقام تحقيرهم ، دل على ذلك بتكرير الاسم الجامع الأعظم . وأشار إلى ما له من الصفات العلى بقوله : { بكلماته } أي الأزلية التي لها ثبات الأعظم ، وزاد في العظمة بقوله : { ولو كره المجرمون } أي العريقون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ، فكان كما قال عليه السلام بطل سحرهم ، واضمحل مكرهم ، وحق الحق - كما بين في سورة الأعراف . ولما حكى سبحانه أن موسى عليه السلام أبان ما أبان من بطلان السحر وكونه إفساداً ، فثبت ما أتى به لمخالفته له ، أخبر تعالى - تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وفطماً عن طلب الإجابة للمقترحات - أنه ما تسبب عن ذلك في أول الأمر عقب إبطال سحرهم من غير مهلة إلا إيمان ناس ضعفاء غير كثير ، فقال تعالى : { فما آمن } أي متبعاً { لموسى } أي بسبب ما فعل ، ليعلم أن الآيات ليست سبباً للهداية إلا لمن أردنا ذلك منه ؛ وبين أن الصغار أسرع إلى القبول بقوله : { إلا ذرية } أي شبانهم هم أهل لأن تذر فيهم البركة { من قومه } أي قوم موسى الذين لهم القدرة على القيام في المحاولة لما يريدونه ، والظاهر أنهم كانوا أيتاماً وأكثرهم - كما قاله مجاهد { على خوف } أي عظيم { من فرعون وملئهم } أي أشراف قوم الذرية ؛ ولما كان إنكار الملأ إنما هو بسبب فرعون أن يسلبهم رئاستهم ، انحصر الخوف فيه فأشار إلى ذلك بوحدة الضمير فقال : { أن يفتنهم } وأتبعه ما يوضح عذرهم بقوله مؤكداً تنزيلاً لقريش منزلة من يكذب بعلو فرعون لتكذيبهم لأن ينصر عليهم الضعفاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لعلوهم : { وإن فرعون لعال } أي غالب قاهر متمكن بما فتناه به من طاعة الناس له { في الأرض } أي أرض مصر التي هي بكثرة ما فيها من المرافق كأنها جميع الأرض { وإنه لمن المسرفين * } أي العريقين في مجاوزة الحدود بظاهره وباطنه ، وإذا ضممت هذه الآية إلى قوله تعالى : { وإن المسرفين هم أصحاب النار } [ غافر : 43 ] كان قياساً بديهياً منتجاً إنتاجاً صريحاً قطعياً أن فرعون من أصحاب النار ، تكذبياً لأهل الوحدة في قولهم : إنه آمن ، ليهونوا المعاصي عند الناس فيحلوا بذلك عقائد أهل الدين .