Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 89-92)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أخبر سبحانه عن دعائه عليه السلام أخبر بإجابته بقوله مستأنفاً : { قال } ولما كان الموضع محل التوقع للإجابة ، افتتحه بحرفه فقال : { قد أجيبت دعوتكما } والبناء للمفعول أدل على القدرة وأوقع في النفس من جهة الدلالة على الفاعل بالاستدلال ، وثنى للإعلام بأن هارون عليه السلام مع موسى عليه السلام في هذا الدعاء ، لأنه معه كالشيء الواحد لا خلاف منه له أصلاً وإن كان غائباً ، وذلك كما بايع النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان رضي الله عنه في عمرة الحديبية فضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو غائب في حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا ضرب له في غزوة بدر بسهمه وأجره وكان غائباً . ولما كانت الطاعة وانتظار الفرج وإن طال زمنه أعظم أسباب الإجابة ، سبب عن ذلك قوله : { فاستقيما } أي فاثبتا على التعبد والتذلل والخضوع لربكما كما أن نوحاً عليه السلام ثبت على ذلك وطال زمنه جداً واشتد أذاه ولم يضجر ؛ ولما كان الصبر شديداً . أكد قوله : { ولا تتبِّعان } بالاستعجال أو الفترة عن الشكر { سبيل الذين لا يعلمون * } ولما أمر بالتأني الذي هو نتيجة العلم ، عطف على ذلك الإخبار بالاستجابة قوله : { وجاوزنا } أي فعلنا بعظمتنا في إجازتهم فعل المناظر للآخر المباري له ، ودل بإلصاق الباء بهم على مصاحبته سبحانه لهم دلالة على رضاه بفعلهم فقال : { ببني إسراءيل } أي عبدنا المخلص لنا { البحر } إعلاماً بأنه أمرهم بالخروج من مصر وأنجز لهم ما وعد فأهلك فرعون وملأه باتباعهم سبيل من لا يعلم بطيشهم وعدم صبرهم ، ونجى بني إسرائيل بصبرهم وخضوعهم ؛ والالتفات من الغيبة إلى التكلم لما في هذه المجاوزة ومقدماتها ولواحقها من مظاهر العظمة ونفوذ الأوامر ومضاء الأحكام ؛ وبين سبحانه كيفية إظهار استجابة الدعوة بقوله مسبباً عن المجاوزة : { فأتبعهم } أي بني إسرائيل { فرعون وجنوده } أي أوقعوا تبعهم أي حملوا نفوسهم على تبعهم ، وهو السير في أثرهم ، واتبعه - إذا سبقه فلحقه ، ويقال : تبعه في الخير واتبعه في الشر . ولما أفهم ذلك ، صرح به فقال : { بغياً } أي تعدياً للحق واستهانة بهم { وعدواً } أي ظلماً وتجاوزاً للحد . ولما كان فاعل ذلك جديراً بأن يرجع عما سلكه من الوعورة ، عجب منه في تماديه فقال - عاطفاً على ما تقديره : واستمر يتمادى في ذلك - : { حتى } ولما كانت رؤية انفراج البحر عن مواضع سيرهم مظنة تحقق رجوع الماء إلى مواضعه فيغرق ، عبر بأداة التحقق فقال : { إذا أدركه } أي قهره وأحاط به { الغرق } أي الموت بالماء كما سأل موسى في أنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم { قال آمنت } أي أوقعت إيمان الداعي لي من التكذيب ؛ ثم علل إيمانه بقوله مبدلاً من { آمنت } في قراءة حمزة والكسائي بالكسر مؤكداً من شدة الجزع : { أنه } وعلى تقدير الباء تعليلاً في قراءة الجماعة أي معترفاً بأنه { لا إله إلا الذي } ويجوز أن يكون أوقع { آمنت } على { أنه } وما بعدها - أي { آمنت } نفي الإلهية عن كل شيء غير من استثنيه من أن أعبره أو أرجع عنه . ولما كان قد تحقق الهالك وعلم أنه لا نجاة إلا بالصدق ، اراد الإعلام بغاية صدقه فقال : { آمنت } أي أوقعت التصديق معترفة { به بنو إسراءيل } فعينه تعييناً أزال الاحتمال ؛ ثم قال : { وأنا من المسلمين * } فكرر قبول ما كان دعي إليه فأباه استكباراً ، وعبر بما دل على ادعاء الرسوخ فيه بياناً لأنه ذل ذلاً لم يبق معه شيء من ذلك الكبر ولم ينفعه ذلك لفوات شرطه ، فاتصل ذله ذلك بذل الخزي في البرزخ وما بعده ، وقد كانت المرة الواحدة كافية له عند وجود الشرط ، وزاده تعالى ذلاً بالإيئاس من الفلاح بقوله على لسان الحال أو جبريل عليه السلام أو ملك الموت أو غيره من الجنود عليهم السلام : { آلآن } أي أتجيب إلى ما دعيت إليه في هذا الحين الذي لا ينفع فيه الإجابة لفوات الإيمان بالغيب الذي لا يصح أن يقع اسم الإيمان إلا عليه { وقد } أي والحال أنك قد { عصيت } أي بالكفر { قبل } أي في جميع زمان الدعوة الذي قبل هذا الوقت ، ومعصية الملك توجب الأخذ والغضب كيف كانت ، فكيف وهي بالكفر ! { وكنت } أي كوناً جبلياً { من المفسدين * } أي العريقين في الفساد والإفساد ؛ ثم أكده - بدل شماتة الأعداء به الذين كانوا عنده أقل شيء وأحقره - بقوله مسبباً عما تضمنه ذلك الإنكار من الإذلال بالإهلاك إشارة إلى أن الماء أحاط به وصار يرتفع قليلاً قليلاً حتى امتد زمن التوبيخ : { فاليوم ننجيك } أي تنجية عظيمة . ولما كان ذلك ساراً وكانت المساءة بما يفهم السرور إنكاء ، قال دالاً على أن ذلك يعد نزع روحه : { ببدنك } أي من غير روح وهو كامل لم ينقص منه شيء حتى لا يدخل في معرفتك لبس { لتكون } أي كوناً هو في غاية الثبات { لمن خلفك } أي يتأخر عنك في الحياة من بني إسرائيل وغيرهم { آية } في أنك عبد ضعيف حقير ، لست برب فضلاً عن أن تكون أعلى ويعرفوا أن من عصى الملك أخذ وأن كان أقوى الناس , وأكثرهم جنوداً ، وقد ادعى بعض الملحدين إيمانه بهذه الآية إرادة لما يعيذ الله منه من حل العقد الواجب من أن فرعون من أكفر الكفرة بإجماع أهل الملل ليهون للناس الاجتراء على المعاصي ، وادعى أنه لا نص في القرآن على أنه من أهل النار وضل عن الصرائح التي في القرآن في ذلك في غير موضع وعن أن قوله تعالى : { وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين } [ يونس : 83 ] مع قوله تعالى : { وأن المسرفين هم أصحاب النار } [ غافر : 43 ] قياس قطعي الدلالة بديهي النص على أنه من أهل النار ، والآية - كما ترى - دليل على قوله : { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً } - الآية ، لو كان فرعون مثل قريش ، فكيف ولا نسبة لهم منه في شدة الاستكبار التابعة لكثرة الجموع ونفوذ الكلمة بضخامة الملك وعز السلطان والقوة بالأموال والأعوان ، وقد وري أن جبريل عليه السلام كان أتاه بفتيا في عبد نشأ في نعمة سيده فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه ، فكتب فرعون جزاء العبد الخارج عن طاعة سيده الكافر نعماءه أن يغرق في البحر ، فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه فعرفه . ولما لم يعمل فرعون وآله بمقتضى ما رأوا من الآيات ، كان حكمهم حكم الغافلين عنها ، فكان التقدير : ولقد غفلوا عما جاءهم من الآيات { وإن كثيراً } أكده لأن مثله ينبغي - لبعده عن الصواب - أن لا يصدق أن أحداً يقع فيه { من الناس } أي وهم من لم يصل إلى حد أول أسنان أهل الإيمان لما عندهم من النوس - وهو الاضطراب - والأنس بأنفسهم { عن آياتنا } أي على ما لها من العظمة { لغافلون } والإصلاح : تقويم العمل على ما ينفع بدلاً مما يضر ؛ وإحقاق الحق : إظهاره وتمكينه بالدلائل الواضحة حتى يرجع الطاعن عنه حسيراً والمناصب له مفلولاً ؛ والإسراف : الإبعاد في مجاوزة الحق ؛ والفتنة : البلية ، وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة ؛ والنجاة : الخلاص مما فيه المخافة ، ونظيرها السلامة ، وعلقوا النجاة بالرحمة لأنها إنعام على المحتاج بما تطلع إليه النفوس العباد ، فهو على أوكد ما يكون من الدعاء إلى الصلاح ؛ والوحي : إلقاء المعنى إلى النفس في خفاء ، والإيحاء والإيماء والإشارة نظائر ، ولا يجوز أن تطلق الصفة بالوحي إلا لنبي ؛ وتبوأ : اتخذ ، وأصله الرجوع ، فالمتبوأ : المنزل ، لأنه يرجع إليه للمقام فيه : والطمس : محو الأثر فهو تغير إلى الدثور والدروس ؛ والإجابة : موافقة الدعوة فيما طلب بها لوقوعها على تلك الصفة ؛ والدعوة : طلب الفعل بصيغة الأمر ، وقد تكون بالماضي ؛ والمجاوزة : الخروج عن الحد من إحدى الجهات ؛ والبحر : مستقر الماء الواسع بحيث لا يدرك طرفيه من كان في وسطه ، وهو مأخوذ من الاتساع ؛ والاتباع : اللحاق بالأول ؛ والبغي : طلب الاستعلاء بغير حق ؛ والآن : فصل الزمانين الماضي والمستقبل ، ومع أنه إشارة إلى الحاضر ، ولهذا بنى كما بنى " ذا " ؛ والبدن : مسكن روح الحيوان على صورته .