Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-11)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته فقال : { القارعة * } أي الصيحة أو القيامة ، سميت بها لأنها تقرع أسماع الناس وتدقها دقاً شديداً عظيماً مزعجاً بالأفزاع ، والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار ، والأشياء الثابتة بالانتثار . ولما كانت تفوق الوصف في عظم شأنها وجليل سلطانها ، عبر عن ذلك وزاده عظماً بالإلهام والإظهار في موضع الإضمار مشيراً بالاستفهام إلى أنها مما يستحق السؤال عنه على وجه التعجيب والاستعظام فقال : { ما القارعة } وأكد تعظيمها إعلاماً - بأنه مهما خطر ببالك من عظمها فهي أعظم منه فقال : { وما أدراك } أي وأيّ شيء أعلمك وإن بالغت في التعرف ، وأظهر موضع الإضمار لذلك فقال : { ما القارعة * } أي أنك لا تعرفها لأنك لم تعهد مثله . وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال الله سبحانه وتعالى : " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور " كان ذلك مظنة لأن يسأل : متى ذلك ؟ فقيل : يوم القيامة الهائل الأمر ، الفظيع الحال ، الشديد البأس ، والقيامة هي القارعة ، وكررت تعظيماً لأمرها كما ورد في قوله تعالى { الحاقة ما الحاقة } [ الحاقة : 1 - 2 ] وفي قوله سبحانه : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } [ طه : 78 ] ثم زاد عظيم هوله إيضاحاً بقوله تعالى { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } والفراش ما تهافت في النار من البعوض ، والمبثوث : المنتشر { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } والعهن : الصوف المصبوغ ، وخص لإعداده للغزل إذ لا يصبغ لغيره بخلاف الأبيض فإنه - لا يلزم فيه ذلك ، ثم ذكر حال الخلق في وزن الأعمال وصيرورة كل فريق إلى ما كتب له وقدر - انتهى . ولما ألقى السامع جميع فكره إلى تعرف أحوالها ، قال ما تقديره : تكون { يوم يكون } أي كوناً كأنه جبلة { الناس } أي الذين حالهم النوس على كثرتهم واختلاف ذواتهم وأحوالهم ومراتبهم ومقاديرهم وانتشارهم بعد بعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور { كالفراش } أي صغار الجراد لأنها تتفرش وتتهافت على النار ، أو هو طير غير ذلك لا دم له ، يتساقط في النار وليس ببعوض ولا ذباب ، وقال حمزة الكرماني : شبههم بالفراش التي تطير من هنا ومن هنا ولا تجري على سمت واحد وهي همج يجتلبها السراج ، وقال غيره : وجه الشبه الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما تتطاير الفراش ، وكثرة التهافت في النار وركوب بعضهم بعضاً - وموج بعضهم في بعض من شدة الهول كما قال تعالى { كأنهم جراد منتشر } [ القمر : 7 ] { المبثوث * } أي المنتشر المتفرق . ولما كانت الجبال أشد ما تكون ، عظم الرهبة بالإخبار بما يفعل بها فقال تعالى : { وتكون الجبال } على ما هي عليه من الشدة والصلابة وأنها صخور راسخة { كالعهن } أي الصوف المصبغ لأنها ملونة كما قال تعالى : { ومن الجبال جدد بيض وحمر } [ فاطر : 27 ] أي وغير ذلك { المنفوش * } أي المندوف المفرق الأجزاء الذي ليس هو بمتلبد شيء منه على غيره ، فتراها لذلك متطايرة في الجو كالهباء المنثور حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمتاً . ولما كان اليوم إنما يوصف لأجل ما يقع فيه ، سبب عن ذلك قوله مفصلاً لهم : { فأما من ثقلت } أي بالرجحان . ولما كانت الموزونات كثيرة الأنواع جداً ، جمع الميزان باعتبارها فقال : { موازينه * } أي مقادير أنواع حسناته باتباع الحق لأنه ثقيل في الدنيا واجتناب الباطل ، والموزون الأعمال أنفسها تجسداً وصحائفها { فهو } بسبب رجحان حسناته { في عيشة } أي حياة تتقلب فيها ، ولعله ألحقها الهاء الدالة على الوحدة - والمراد العيش - ليفهم أنها على حالة واحدة - في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا { راضية * } أي ذات رضى أو مرضية لأن أمه - جنة عالية { وأما من خفت } أي طاشت { موازينه * } أي بأن غلبت سيئاته أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا { فأمه } أي التي تؤويه وتضمه إليها كما يقال للأرض : أم - لأنها تقصد لذلك ، ويسكن إليها كما يسكن إلى الأم ، وكذا المسكن ، وهو يفهم أنه مخلوق منها غلب عليه طبع الشيطان لكون العنصر الناري أكثر أجزائه ، وعظمها بالتنكير والتعبير بالوصف المعلم بأنه لا قرار لها فقال : { هاوية * } أي نار نازلة سافلة جداً فهو بحيث لا يزال يهوي فيها نازلاً وهو في عيشة ساخطة ، فالآية من الاحتباك ، ذكر العيشة أولاً دليلاً على حذفها ثانياً ، وذكر الأم ثانياً دليلاً على حذفها أولاً . ولما كانت مما يفوت الوصف بعظيم أهوالها وشديد زلزالها ، جمع الأمر فيها فقال منكراً أن يكون مخلوق يعرف وصفها : { وما أدراك } أي وأيّ شيء أعلمك وإن اشتد تكلفك { ما هيه * } أي الهاوية لأنه لم يعهد أحد مثلها ليقيسها عليه ، وهاء السكت إشارة إلى إن ذكرها مما يكرب القلب حتى لا يقدر على الاسترسال في الكلام أو إلى - أنها مما ينبغي للسامع أن يقرع بهذا الاستفهام عنها سمعه فيسكت لسماع الجواب وفهمه غاية السكوت ويصغي غاية الإصغاء . ولما هوّلها بما ذكر ، أتبعها ما يمكن البشر معرفته من وصفها فقال { نار حامية * } أي قد انتهى حرها ، هذا ما تتعارفونه بينكم ، وأما التفاصيل فأمر لا يعلمه إلا الله تعالى ، وهذا نهاية القارعة ، فتلاؤم الأول للآخر واضح جداً وظاهر - والله أعلم .