Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 31-34)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان نفيهم للفضل شاملاً للأموال وعلم الغيب ، أقرهم على ذلك منبهاً على خطئهم فيه بأنه لم يقل بينهم قط ما يكون سبباً له ، فقال عاطفاً على قوله { لا أسئلكم عليه أجراً } ؛ { ولا أقول لكم } أي في وقت من الأوقات { عندي خزائن الله } أي الملك الأعظم فأتفضل عليكم بها ؛ ولما كان من الجائز أن يمكن الله من يشاء من خزائن الأرزاق ونحوها فيسوغ له أن يطلق ملك ذلك مجازاً ، ولا يجوز أن يمكنه من علم الغيب ، وهو ما غاب عن الخلق كلهم ، لأنه خاصته سبحانه ، قال عاطفاً على { أقول } لا على المقول : { ولا أعلم الغيب } لا حقيقة ولا مجازاً فأعلم وقت ما توعدون به أو ما في قلوب المؤمنين مما قد يتوهم به من السوء ، وأعلمهم أنه لا مانع من إرسال البشر بقوله : { ولا أقول إني ملك } فتكون قوتي أفضل من قوتكم أو خلقي أعظم قدراً من خلقكم ونحو ذلك من الفضل الصوري الذي جعلتموه هو الفضل ، فلا تكون الآية دليلاً على أفضلية الملائكة ، وتقدم في الأنعام سر إسقاطه { لكم } . ولما كان تعريضهم بنفي الملكية عنه من باب الإزراء ، أتبعه تأكيد قبوله لمن آمن كائناً من كان وإن ازدروه بقوله : { ولا أقول للذين } أي لأجل الذين { تزدري } أي تحتقر { أعينكم } أي تقصرون به عن الفضل عند نظركم له وتعيبونه { لن يؤتيهم الله } أي الذي له الكمال كله { خيراً } ولما كان كأنه قيل : ما لك لا تقول ذلك ؟ أجاب بما تقديره : لأني أعلم ضمائرهم ولا أحكم إلا على الظاهر : { الله } أي المحيط بكل شيء { أعلم } أي حتى منهم { بما في أنفسهم } ومن المعلوم أنه لا يظلم أحداً ، فمن كان في نفسه خير جازاه عليه ، ويجوز أن يكون هذا راجعاً إلى { بادي الرأي } بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم ؛ ثم علل كفه عن ذلك بقوله مؤكداً لإنكارهم ظلمه على ذلك التقدير : { إني إذاً } أي إذا قلت لهم ذلك { لمن الظالمين } اي العريقين في وضع الشيء في غير موضعه ؛ والخزائن : أخبية المتاع الفاخرة ، وخزائن الله مقدوراته لأنه يوجد منها ما يشاء ، وفي وصفها بذلك بلاغة ؛ والغيب : ذهاب الشيء عن الإدراك ، ومنه الشاهد خلاف الغائب ، وإذا قيل : علم غيب ، كان معناه : علم من غير تعليم ؛ والازدراء : الاحتقار ، وهو افتعال من الزراية ، زريت عليه - إذا عبته ، وأزريت عليه - إذا قصرت به ؛ والملك أصله مألك من الألوكة وهي الرسالة . فلما استوفى نقض ما أبرموه في زعمهم من جوابهم على غاية الإنصاف واللين والاستعطاف ، استأنف الحكاية عنهم بقوله : { قالوا } أي قول من لم يجد في رده شبهة يبديها ولا مدفعاً يغير به : { يا نوح قد جادلتنا } أي اردت فتلنا وصرفنا عن آرائنا بالحجاج وأردنا صرفك عن رأيك بمثل ذلك { فأكثرت } أي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أنك أكثرت { جدالنا } أي كلامنا على صورة الجدال { فأتنا } أي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أن نقول لك : لم يصح عندنا دعواك ، ائتنا { بما تعدنا } من العذاب { إن كنت } أي كوناً هو جبلة لك { من الصادقين * } أي العريقين في الصدق في أنه يأتينا فصرحوا بالعناد المبعد من الإنصاف والاتصاف بالسداد وسموه باسمه ولم يسمحوا بأن يقولوا له : يا ابن عمنا ، مرة واحدة كما كرر لهم : يا قوم ، فكان المعنى أنا غير قابلين لشيء مما تقول وإن أكثرت وأطلت - بغير حجة منهم بل عناداً وكبراً فلا تتعب ، بل قصر الأمر مما تتوعدنا به ، وسموه وعداً سخرية به ، أي أن هذا الذي جعلته وعيداً هو عندنا وعد حسن سار باعتبار أنا نحب حلوله ، المعنى أنك لست قادراً على ذلك ولا أنت صادق فيه ، فإن كان حقاً فائتنا به ، فكأنه قيل : ماذا قال لهم ؟ فقيل : { قال } جرياً على سنن قوله { ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } : { إنما يأتيكم به الله } أي الذي له الإحاطة بكل شيء فتبرأ من الحول والقوة ورد ذلك إلى من هو له ، وأشار بقوله : { إن شاء } إلى أنه مخير في إيقاعه وإن كان قد تقدم قوله به إرشاداً إلى أنه سبحانه لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء ، بل ولا يسأل عما يفعل وإن كان لا يقع إلا ما أخبر به ؛ ثم بين لهم عجزهم وخطأهم في تعرضهم للهلاك فقال : { وما أنتم بمعجزين * } أي في شيء من الأوقات لشيء مما يريده بكم سبحانه ؛ والإكثار : الزيادة على مقدار الكفاية ؛ والمجادلة : المقابلة بما يفتل الخصم عن مذهبه بحجة أو شبهة ، وهو من الجدل وهو شدة الفتل والمطلوب به الرجوع عن المذهب ، والمطلوب بالحجاج ظهور الحجة ، فهو قد يكون مذموماً كالمراء ، وذلك حيث يكون للتشكيك في الحق بعد ظهوره ، وحيث قيد الجدال بـ { التي هي أحسن } [ العنكبوت : 46 ] فالمراد به إظهار الحق . ولما بين أنهم إنما هم في قبضته سبحانه ، زاد في بيان عظمته وأن إرادته تضمحل معها كل إرادة في سياق دال على أنه بذلك ناصح لهم وأن نصحه خاص بهم ، فقال جواباً لما وهموا من أن جداله لهم كلام بلا طائل : { ولا ينفعكم نصحي } وذكر إرادته لما يريد أن يذكره من إرادة الله فقال : { إن أردت } أي جمعت إلى فعل النصح إرادة { أن أنصح لكم } بإعلام موضع الغي ليتقى والرشد ليتبع ، وجزاءه محذوف تقديره : لا ينفعكم نصحي { إن كان الله } أي الذي له الأمر كله { يريد أن يغويكم } أي يضلكم ويركبكم غير الصواب فإنه إرادته سبحانه تغلب إرادتي وفعلي معاً لا ينفعكم شيء إشارة إلى أنكم لا تقدرون على دفع العذاب بقوة فتكونوا غالبين ، ولا بطاعة فتكونوا محبوبين مقربين إن كان الله يريد إهلاككم بالإغواء ، وأن أردت أنا نجاتكم ، ولم يقل : ولا ينفعكم نصحي إن نصحت لكم ، إشارة إلى أني لا أملك إلا إرادتي لنصحكم ، فإذا أردته فغاية ما يترتب عليه من فعلي وقوع النصح وإخلاصه لكم ، وأما النفع به فلا شيء منه إليّ ، بل هو تابع لمراد الله ، فإن أراد غوايتكم حصلت لا محالة ، ولم يقع ما قد يترتب على النصح من عمل المنصوح بمقتضاه المستجلب لنفع المستدفع للضر ؛ ثم رغبهم في إحسانه ورهبهم من انتقامه معللاً لعدم ما لا يريده : { هو ربكم } أي الموجد لكم المدبر لأموركم فهو يتصرف وحده لما يريد . ولما كان التقدير : فمنه مبدؤكم ، عطف عليه قوله : { وإليه } أي لا إلى غيره { ترجعون * } أي بأيسر أمر وأهونه بالموت ثم البعث فيجازيكم على أعمالكم كما هي عادة الملوك مع عمالهم .