Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 101-101)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما ذكر هاتين الصفتين ، تذكر ما وقع له بهما من الأسباب ، فغلب عليه مقام الشهود وازدادت نفسه عن الدنيا عزوفاً ، فقال مخاطباً : { رب قد آتيتني } وافتتح بـ " قد " لأن الحال حال توقع السامع لشرح مآل الرؤيا { من الملك } أي بعضه بعد بعدي منه جداً ، وهو معنى روحه تمام القدرة { وعلمتني } وقصر دعواه تواضعاً بالإتيان بالجار فقال : { من تأويل الأحاديث } طبق ما بشرني به أبي وأخبرت به أنت من التمكين والتعليم قبل قولك ، والله غالب على أمره ؛ ثم ناداه بوصف جامع للعلم والحكمة فقال : { فاطر السماوات والأرض } ثم أعلمه بما هو أعلم به منه من أنه لا يعول على غيره في شيء من الأشياء فقال : { أنت وليِّي } أي الأقرب إليّ باطناً وظاهراً { في الدنيا والآخرة } أي لا ولي لي غيرك ، والولي يفعل لمولاه الأصلح والأحسن ، فأحسن بي في الآخرة أعظم ما أحسنت بي في الدنيا . ولما كان توليه لله لا يتم إلا بتولي الله له ، أتبعه بما يفيده فقال : { توفني } أي اقبض روحي وافياً تاماً في جميع أمري حساً ومعنى حال كوني { مسلماً } ولما كان المسلم حقيقة من كان عريقاً في الإخلاص ، حققه بقوله : { وألحقني بالصالحين * } فتوفاه الله كما سأل ؛ قالوا : وتخاصم أهل مصر فيه ، كلهم يرجو أن يدفن في محلته يرجو بركته ، ثم اصطلحوا على أن عملوا له صندوقاً من رخام ودفنوه في وسط النيل ، ليفترق الماء على جميع الأرض فتنالها بركته وتخصب كلها على حد سواء ، ويكونوا كلهم في الماء سواء . ذكر ما بقي من القصة عن التوراة : قال بعدما مضى : فلم يقدر يوسف على الصبر - يعني على ترفق إخوته - فأمر بإخراج جميع من كان عنده ، فلم يبق عنده أحد حيث ظهر يوسف لإخوته ، فرفع صوته فبكى حتى سمع المصريون فأخبروا في آل فرعون ، فقال يوسف لإخوته : أنا أخوكم يوسف ، هل أبي باق ؟ فلم يقدر إخوته على إجابته لأنهم رهبوه ، فقال يوسف لإخوته : ادنوا مني فدنوا فقال لهم : أنا يوسف الذي بعتموني لمن ورد إلى مصر ، والآن فلا تحزنوا ، ولا يشقن عليكم ذلك ، ولا يشتدن عليكم بيعكم إياي إلى ما هنا ، لأن الله أرسلني أمامكم لأعد لكم القوت ، لأن للجوع مذ أتى سنتين ، وستأتي خمس سنين أخر لا يكون فيها زرع ولا حصاد ، فأرسلني الرب أمامكم لأصير لكم بقاء في الأرض وأخلصكم وأستنقذكم ، لتحيوا وتستبشروا على الأرض ، والآن فلستم أنتم الذين بعثتموني إلى هاهنا بل الله أرسلني وجعلني أباً لفرعون وسيداً لجميع أهل بيته ، ومسلطاً على جميع أرض مصر ، فاصعدوا الآن عجلين عليّ بأبي وقولوا له : هكذا يقول ابنك يوسف : إن الله جعلني سيداً لجميع أهل مصر ، فاهبط إليّ ولا تتأخر ، وانزل إلى أرض السدير - وفي نسخة : خشان - فكن قريباً مني أنت وبنوك وأهل بيتك وعمتك وبقرك وجميع مالك ، فأموّنكم هناك ، لأنه قد بقي خمس سنين جوعاً ، لئلا تهلك أنت وأهل بيتك وكل مالك ، وهذه أعينكم تبصر وعينا أخي بنيامين ، إني أكلمكم مشافهة ، وأخبروا أبي بجميع كرامتي ووقاري في أرض مصر ، وبجميع ما رأيتم ، وأسرعوا واهبطوا بأبي إلى ما هاهنا ، فاعتنق أخاه بنيامين أيضاً وبكى ، وقبل جميع إخوته وبكى ، ومن بعد ذلك كلمه إخوته ، فبلغ ذلك فرعون وقيل له : إن إخوة يوسف قد أتوه ، فسر ذلك فرعون ، عبده - وفي نسخة : وجميع قواده - فقال فرعون ليوسف : قل لإخوتك فليفعلوا هكذا ، أوقروا دوابكم ميرة ، وانطلقوا بها إلى أرض كنعان ، وأقبلوا بأبيكم وأهل بيوتاتكم وائتوني فأنحلكم خيرات أرض مصر وخصبها ، وكلوا خصب الأرض ، وهذا أنت المسلط ، فأمر إخوتك أن يفعلوا هذا الفعل ، احملوا من أرض مصر عجلاً لنسائكم وحشمكم ، وأظعنوا بأبيكم فأقبلوا ، ولا تشفقن على أمتعتكم ، لأن جميع خيرات مصر وأرضها وخصبها هو لكم ، ففعل بنو إسرائيل كما أمر فرعون ، ودفع إليهم يوسف عجلاً عن أمر فرعون ، وزودهم جميع أزودة الطريق ، وخلع على كل أمرىء منهم خلعة ، فأما بنيامين فأجازه بثلاثمائة درهم - وفي نسخة : مثقال فضة - وخلع عليه خمس خلع ، وبعث إلى أبيه بمثل ذلك أيضاً وعشرة حمير موقرة من البر والطعام وأزودة لأبيه للطريق وأرسلهم ، فانطلقوا ، وتقدم إليهم وقال لهم : لا تقع المشاجرة فيما بينكم في الطريق ، فظعنوا من مصر فأتوا أرض كنعان إلى يعقوب أبيهم ، فأخبروه وقالوا له : إن يوسف بعد في الحياة ، وهو المسلط على جميع أرض مصر ، ورأى يعقوب العجل الذي بعث يوسف لحمله فاطمأنت نفسه وقال : إن هذا لعظيم عندي ، إذ كان ابني يوسف بعد الحياة ، أنطلق الآن فأنظر إليه قبل الموت . فظعن إسرائيل وجميع ما له ، فأتى بئر السبع ، وقرب قرباناً لإله إسحاق أبيه ، فكلم الله إسرائيل في الرؤيا وقال له : يا يعقوب ! فقال : هاأنذا ! فقال : إني أنا إيل إله أبيك ، لا تخف من الحدور إلى مصر ، لأني أجعلك هناك إلى شعب عظيم - وفي نسخة : لأني أصير منك أمة عظيمة - أنا أهبط معك ، وأنا أصعدك ، ويوسف يضع يده على عينيك ، فنهض يعقوب من بئر السبع وظعن بنو إسرائيل بيعقوب أبيهم وبحشمهم ونسائهم على العجل الذي بعث فرعون لحمله ، وساقوا دوابهم ومواشيهم التي استفادوها بأرض كنعان ، فأتوا بها مصر يعقوب وجميع نسله وبنوه معه وبنو بنيه وبناته وبنات بناته ، وأدخل إلى مصر كل نسله ، ثم سماهم واحداً واحداً ، ثم قال : فجميع بني يعقوب الذين ادخلوا مصر سبعون إنساناً ، ثم بعث يعقوب يهوذا بين يديه إلى يوسف عليه الصلاة والسلام ليدله على السدير - وفي نسخة : خشان - فألجم يوسف مراكبه ، وصعد للقاء أسرائيل أبيه إلى خشان - وفي نسخة : السدير - فتلقاه واعتنقه وبكى إذ اعتنقه ، فقال إسرائيل ليوسف : أتوفى الآن بعد نظري إليك يا بني ، فأنت في الحياة بعد ، فقال يوسف لإخوته وآل أبيه : أصعد فأخبر فرعون وأقول : إن إخوتي وآل أبي الذين كانوا بأرض كنعان قد أتوني والقوم رعاء غنم ، لأنهم أصحاب مواش وقد أتوا بغنمهم وبقرهم وبكل شيء لهم ، فإذا دعاكم فقولوا له : إنا عبيدك أصحاب ماشية منذ صبانا ، وحتى الآن نحن وآباؤنا من قبل أيضاً ، لكي تنزلوا أرض خشان - وفي نسخة : السدير - لأن رعاة الغنم هم مرذولون عند المصريين . فأتى يوسف فأخبر فرعون وقال له : إن أبي وإخوتي أتوني وغنمهم وبقرهم وجميع ما لهم في أرض كنعان ، وهو ذا هم حلول بأرض السدير ، وحمل من إخوته خمسة رهط ، فأدخلهم على فرعون فوقفوا بين يديه ، فقال فرعون لإخوة يوسف : ما صنعتكم ؟ فقالوا : إن عبيدك رعاء غنم نحن منذ صبانا ، وآباؤنا أيضاً من قبل . وقالوا لفرعون : إنا أتينا لنسكن هذه الأرض لأنه فقد الحشيش والعشب والكلأ من مرابع غنم عبيدك ، وذلك لأن الجوع اشتد في أرض كنعان ، فأمر عبيدك أن ينزلوا بأرض السدير ، فقال فرعون ليوسف : إن أباك وإخوتك قد أتوا ، وهذه أرض مصر بين يديك ، فأسكن أباك وإخوتك في أحسن الأرض وأخصبها لينزلوا أرض السدير ، وإن كنت تعلم أن فيهم قوماً ذوي قوة وبطش ونفاذ فولهم جميع مالي ، فأدخل يوسف عليه السلام أباه يعقوب عليهم الصلاة والسلام على فرعون فأقامه بين يديه ، فقال فرعون ليعقوب عليه الصلاة والسلام : كم عدد سني حياتك ؟ فقال يعقوب عليه السلام لفرعون : مبلغ حياتي مائة وثلاثون سنة ، وإن أيام حياتي لناقصة ، ولم أبلغ سني حياة آبائي في أيام حياتهم ، فبارك يعقوب فرعون ودعا له ، وخرج من بين يديه ، فأسكن يوسف عليه السلام أباه يعقوب عليه السلام وإخوته وأعطاهم وراثة في أرض مصر في أخصب الأرض وأحسنها في أرض رعمسيس - وفي نسخة : أرض عين شمس - كما أمر فرعون ، فقات يوسف أباه وإخوته وجميع أهل بيته بالميرة على قدر الحشم ، ولم تكن ميرة في جميع الأرض كلها لأن الجوع اشتد جداً ، فخرجت جميع أرض مصر وأرض كنعان ، فصار إلى يوسف عليه الصلاة والسلام كل ورق ألفي في أرض مصر وأرض كنعان ، وذلك ثمن البر الذي كانوا يبتاعونه ، فأورد يوسف الورق بيت مال فرعون ، ونفد الورق من أرض مصر وأرض كنعان ، فأتى جميع المصريين إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فقالوا له : أعطنا من القمح حاجتنا فنحيى ولا نموت ، لأن ورقنا قد نفذ ، فقال لهم يوسف : ادفعوا إليَّ مواشيكم إن كانت الأوراق قد نفدت ، فأقوتكم بمواشيكم ، فأتوه بمواشيهم فأعطاهم يوسف من الميرة بخيلهم وبمواشي الغنم وماشية البقر والحمير ، وقاتهم سنتهم تيك بجميع مواشيهم ، فأتوه في السنة الأخرى وقالوا له : لسنا نكتم سيدنا أمرنا ، لأنن أوراقنا وماشيتنا ودوابنا قد نفدت وصارت عند سيدنا ، ولم يبق بين يدي سيدنا غير أنفسنا وأرضنا ، فلم نهلك بين يديك ؟ فابتعنا وأراضينا بإطعامك إيانا الخبز ، فنصير نحن عبيداً لفرعون وأرضنا ملكاً له ، وأعطنا البذر فنحيا ولا نموت ، ولا تخلو الأرض وتخرب لفقد سكانها ، فابتاع يوسف لفرعون جميع أرض مصر ، فصارت الأرض لفرعون ، فنقل الشعب من قرية إلى قرية وحولهم من أقاصي الأرض نحو مصر إلى أقطارها ما خلا أرض الأجناد - وفي نسخة : أئمتهم - فإنه لم يبتعها ، لأنه كان يجري على الأجناد - وفي رواية : أئمتهم - وظيفة ونزلا من عند فرعون ، وكانوا يأكلون برهم الموظف لهم من قبل فرعون ، ولذلك لم يبيعوا أرضهم ، فقال يوسف للشعب : إني قد اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون ، وهاأنذا معطيكم البذر لتزرعوا في الأرض ، فإذا دخلت الغلة فأعطوا فرعون الخمس منها ، وتكون لكم لزراعة الحقل أربعة أخماس ، ولمأكل أهل بيوتاتكم وإطعام حشمكم ، فقالوا له : لقد أحييتنا ، فلنظفر من سيدنا برحمة ورأفة ، ونكون عبيداً لفرعون ، فسن يوسف هذه السنة على أرض مصر إلى يوم الناس هذا ، فصار الخمس لفرعون ما خلا أرض أئمتهم - وفي رواية : الأجناد - فإنها لم تكن لفرعون . فسكن إسرائيل أرض مصر وأرض السدير ، فعظموا واعتزوا فيها واستيسروا وتماجدوا ، وعاش يعقوب في أرض مصر سبع عشرة سنة ، وكانت جميع أيام حياة يعقوب مائة وسبعاً وأربعين سنة ، ودنت أيام وفاة إسرائيل عليه السلام ، فدعا يوسف ابنه عليه السلام وقال له : إن ظفرت منك برحمة ورأفة ، فضع يدك تحت ظهري حتى أستحلفك بالله وأقسم عليك به ، وأنعم عليّ بالنعمة والقسط ، لا تدفني بمصر ، بل أضطجع مع آبائي ، احملني من مصر فادفني في مقبرتهم ، فقال يوسف : أنا فاعل ذلك كقولك وأمرك ، فقال له : أقسم لي ، فأقسم له فتوكأ إسرائيل على عصاه وسجد شكراً . فلما كان بعد هذه الأقاويل بلغ يوسف عليه السلام أن أباه قد مرض ، فانطلق بابنيه معه : منشا وإفرايم ، فبلغ يعقوب وقيل له : إن ابنك يوسف قد أتاك ، فتقوى إسرائيل وجلس على أريكته ، فقال إسرائيل ليوسف : إن إله المواعيد اعتلن لي بلوز في أرض كنعان ، فباركني وقال لي : هاأنذا مباركك ومكثرك ، وأجعلك أباً لجميع الشعوب ، وأعطي نسلك من بعدك هذه الأرض ميراثاً إلى الأبد ، وأنا إذ كنت مقبلاً من فدانة أرام توفيت عني راحيل أمك في أرض كنعان في الطريق ، وكان بيني وبين الدخول إلى إفراث قدر مسيرة ميل - وفي نسخة : - فرسخ - فدفنتها هناك في طريق إفراث - وهي بيت لحم - ونظر إسرائيل إلى ابني يوسف فقال له : من هذان ؟ فقال : ابناي اللذان رزقني الله هاهنا ، فقال أدنهما مني ، فقبلهما واعتنقهما وقال : ما كنت أرجو النظر إلى وجهك فقد أراني الله نسلك أيضاً ، وقال إسرائيل ليوسف عليهما الصلاة والسلام : هاأنذا متوف ، ويكون الله بنصره وعونه معكم ، ويردكم إلى أرض آبائكم ، وهأنذا قد فضلتك على إخوتك بسهم من الأرض التي غلبت عليها الأمورانيون بسيفي وقوسي ، ثم إن يعقوب دعا بنيه وقال ؛ اجتمعوا إليّ فأبين لكم ما هو كائن من أمركم في آخر الأيام ، فذكر ذلك ثم قال : وهذا ما أخبرهم به يعقوب أبوهم ، نبأهم بذلك وبارك عليهم كل امرىء منهم على قدره ، ثم أوصاهم وقال لهم : إنني أنتقل إلى شعبي فادفنوني إلى جانب آبائي في المغارة التي في حقل عفرون الحيثاني ، في المغارة التي في الروضة المضاعفة إلى جانب ممري بأرض كنعان التي ابتاعها إبراهيم : روضة من عفرون الحيثاني وراثة المقبرة ، هنالك دفن إبراهيم وسارة حليلته ، وفيها دفن إسحاق ورفقا حليلته ، وهنالك دفنت ليا في الروضة المبتاعة والمغارة التي فيها من بني حاث . فلما فرغ يعقوب من وصيته لبنيه بسط رجليه على أريكته فمات ونقل إلى شعبه . فوقع يوسف عليه فقبله وبكى عليه ، فأمر عبيده الأطباء بتحنيطه ، فحنط الأطباء إسرائيل وتمت له أربعون ليلة ، لأنه هكذا تكمل أيام المحنطين ، وناح المصريون عليه سبعين يوماً ، فقال يوسف لآل فرعون : إن ظفرت منكم برحمة ورأفة فأخبروا فرعون أن أبي أحلفني وأقسم عليّ وقال لي : هاأنا متوف ، فاقبرني في القبر الذي ابتعته في أرض كنعان ، فيأذن لي فأصعد فأدفن أبي ثم أرجع ، فقال له فرعون : اصعد فادفن أباك كما أقسم عليك ، فصعد يوسف ليدفن أباه ، وصعد معه جميع عبيد فرعون وأشياخ بيته وجميع أشياخ مصر وجميع أهل بيت يوسف ، وصعد معه إخوته وآل أبيه ، وأما حشمهم وبقرهم وغنمهم فخلفوها بأرض خشان - وفي نسخة : السدير - وأصعد المراكب والفرسان أيضاً ، فصار في عسكرعظيم منيع ، فأتوا إلى بيادر أطرا - وفي نسخة : أندر العوسج - التي في مجاز الأردن ، فرنوا هناك وناحوا نوحاً عظيماً مراً ، فنظر سكان أرض كنعان إلى التأبل والنواح في أجران العوسج ، فقالوا : إن هذا التأبل عظيم للمصريين ، ولذلك دعي ذلك الموضع " تأبل مصر " ، الذي في مجاز الأردن ، ففعل بنو إسرائيل كما أمرهم ، وحملوه وانطلقوا به إلى أرض كنعان فدفنوه ثم في المغارة المضاعفة التي في الروضة التي ابتاعها إبراهيم وراثة المقبرة من عفرون الحيثاني وهي إمام ممري . ثم رجع يوسف إلى مصر هو وإخوته وجميع من صعد معه في دفن أبيه ، ومن بعد ما دفن أباه نظر إخوة يوسف إلى أبيهم قد توفى ، ففرقوا وقالوا : لعل يوسف أن يؤذينا وينكأنا ولعله أن يكافئنا على جميع الشر الذي ارتكبنا منه ، فدنوا من يوسف وقالوا له : إن أباك أوصى قبل وفاته وقال : هكذا قولوا ليوسف : نطلب إليك أن تعفو عن جهل إخوتك وعن خطاياهم بارتكابهم الشر منك ، فالآن نطلب إليك أن تعفو عن ذنب عبيد إله أبيك ، فبكى يوسف لما قالوا ذلك ، فدنا إخوته فخروا بين يديه سجداً وقالوا له : هوذا نحن لك عبيد ، فقال لهم : لا تخافوني لأني أخاف الله ، أما أنتم فهممتم بي شراً فصيره الله لي خيراً كما فعل بي يومنا هذا ، فأحيي على يدي خلقاً عظيماً ، والآن فلا خوف عليكم ، أنا أقوتكم وحشمكم ، فعزاهم وملأ قلوبهم خيراً . ثم أقام يوسف بمصر هو وآل بيته ، فعاش يوسف مائة وعشر سنين ورأى يوسف ولد ولده ، فقال يوسف لإخوته : هاأنذا متوف ، والله سيذكركم ويخرجكم من هذه الأرض إلى الأرض التي أقسم بها لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فأقسم يوسف على بني أسرائيل وقال : إن الله سيذكركم ، فأصعدوا عظامي معكم ، فتوفي يوسف وهو ابن مائة وعشر سنين ، فحنطوه ووضعوه في صندوق بأرض مصر - وسيأتي ما بعد ذلك من استعبادهم وما يتبعه في سورة القصص إن شاء الله تعالى . وهذا الذي ذكر من القصة في التوراة مصدق لما في القرآن وشاهد بإعجازه ، غير أنه لم يذكر شرح قوله تعالى : { فلما استيئسوا منه خلصوا نجياً } [ يوسف : 80 ] في أنه بعد أخذ الصواع من رحل أخيه تركهم من غير تعريف لهم بنفسه فمضوا إلى أبيهم فأخبروه بذلك ، ثم عادوا مرة أخرى للميرة والطلب ليوسف وأخيه فعرفهم يوسف عليه السلام بنفسه وجلا لهم الأمر في هذه القدمة الثالثة ، فكأنهم أسقطوا ما في التوراة من ذلك تدليساً وتلبيساً ، وهو لا يضر غيرهم ، فإن ما صار في كتابهم لا يتمشى على قوانين العقل لمن تدبر ، فلم يفدهم ذلك غير التحقق لخيانتهم وجهلهم - والله الهادي إلى الصواب .