Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 107-109)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أخبر الله تعالى عن ارتباكهم في أشراك إشراكهم ، وأنهم يتعامون عن الأدلة في الدنيا ، وكان الأكثر المبهم القطع بعدم إيمانهم من توجيه الأمر والنهي والحث والزجر إلى الجميع وهم في غمارهم ، وكان بعض الناس كالحمار لا ينقاد إلا بالعذاب ، قال سبحانه وتعالى : { أفأمنوا } إنكاراً فيه معنى التوبيخ والتهديد { أن تأتيهم غاشية } أي شيء يغطيهم ويبرك عليهم ويحيط بهم { من عذاب الله } أي الذي له الأمر كله في الدنيا كما أتى من ذكرنا قصصهم من الأمم . ولما كان العاقل ينبغي له الحذر من كل ممكن وإن كان لا يقربه ، قال تعالى : { أو تأتيهم الساعة } وأشار إلى أشد ما يكون من ذلك على القلوب بقوله : { بغتة } أي وهم عنها في غاية الغفلة بعدم توقعها أصلاً ؛ قال الرماني : قال يزيد بن مقسم الثقفي : @ ولكنهم بانوا ولم أدر بغتة وأفظع شيء حين يفجؤك البغت @@ ولما كان هذا المعنى مهولاً ، أكده الله بقوله : { وهم لا يشعرون * } أي نوعاً من الشعور ولو أنه كالشعرة ، إعلاماً بشدة جهلهم في أن حالهم حال من هو في غاية الأمن مما أقل أحواله أنه ممكن ، لأن الشعور إدراك الشيء بما يلطف كدقة الشعر ، وإنما قلت : إنه تأكيد ، لأنه معنى البغتة ؛ قال الإمام أبو بكر الزبيدي في مختصر العين : البغتة : المفاجأة ، وقال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : فاجأت الرجل مفاجأة - إذا جئته على غفلة مغافصة ، ثم قال : وفاجأته مفاجأة - إذا لقيته ولم يشعر بك ، وفي ترتيب المحكم : فجئه الأمر وفجأه وفاجأه مفاجأة : هجم عليه من غير أن يشعر به ، ويلزم ذلك الإسراع وهو مدار هذه المادة ، لأنه يلزم أيضاً التغب - بتقديم المثناة محركاً وهو الهلاك ، لأنه أقرب شيء إلى الإنسان إذ هو الأصل في حال الحدث ، والسلامة فيه هي العجب ، والتغب أيضاً : الوسخ والدرن ، وتغب - بكسر الغين : صار فيه عيب ، ويقال للقحط : تغبة - بالتحريك ، والتغب - ساكناً : القبيح والريبة ، وكل ذلك أسرع إلى الإنسان من أضداده إلا من عصم الله ، وما ذاك إلا لأن هذه الدار مبينة عليه . ولما وصف الله سبحانه له صلى الله عليه وسلم أكثر الناس بما وصف من سوء الطريقة للتقليد الذي منشؤه الإعراض عن الأدلة الموجبة للعلم ، أمر أن يذكر طريق الخلّص فقال : { قل } أي يا أعلى الخلق وأصفاهم وأعظمهم نصحاً وإخلاصاً : { هذه } أي الدعوة إلى الله على ما دعا إليه كتاب الله وسننه صلى الله عليه وسلم { سبيلي } القريبة المأخذ ، الجلية الأمر ، الجليلة الشأن ، الواسعة الواضحة جداً ، فكأنه قيل : ما هي ؟ فقال : { أدعوا } كل من يصح دعاؤه { إلى الله } الحائز لجميع الكمال حال كوني { على بصيرة } أي حجة واضحة من أمري بنظري الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وترك التقليد الدال على الغباوة والجمود ، لأن البصيرة المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل ديناً ودنيا بحيث يكون كأنه يبصر المعنى بالعين . ولما كان الموضع في غاية الشرف ، أكد الضمير المستتر تعييناً وتنبيهاً على التأهل لظهور الإمامة ، فقال : { أنا ومن } أي ويدعو كذلك من { اتبعني } لا كمن هو على عمى جائر عن القصد ، حائر في ضلال التقليد ، فهو لا يزال في غفلة هدفاً للحتوف ؛ والاتباع : طلب الثاني اللحاق بالأول للموافقة في مكانه أو في أمره الذي دعا إليه ، ومما دخل تحت { قل } عطفاً على { أدعوا } قوله : منبهاً على أن شرط كل دعوة إليه سبحانه اقترانها بتنزيهه عن كل شائبة نقص - { وسبحان الله } أي وأسبح الذي اختص بصفات الكمال سبحاناً ، أي أقدره حق قدره فأثبت له من صفات الكمال ما يليق بجلاله ، وأنزهه عما هو متعال عنه تنزيهاً يعلم هم أنه يليق بجلالة ويرضى به ، وفي تخصيص الله بذلك عقب ما أثبت له ولأتباعه تلويح بنسبة النقص إليهم تواضعاً ، اعتذاراً عما يلحقهم من الوهن وطلباً للعفو عنه { وما أنا } وعدل عن " مشركاً " إلى أبلغ منه فقال : { من المشركين * } أي في عداد من يشرك به شيئاً بوجه من الوجوه ، لأني علمت بما آتاني من البصيرة أنه منعوت بنعوت الكمال ، منزه عن سمات النقص ، متعال عنها ، وأن ذلك أول واجب لأنه الواحد الذي جل عن المجانسة ، القهار الذي كل شيء تحت مشيئته ، وفسرت { سبحان } بما تقدم لأن مادة " سبح " بكل ترتيب تدور على القدر والشدة والاتساع ؛ وتارة يقتصر فيه على الكفاية ومنه الحسب : مقدار الشيء . وتارة يقتصر فيه على الكفاية فيلزمه الحصر ومنه : أحسبني الشيء : كفاني ، واحتساب الأجر : الاكتفاء به ، والحساب : معرفة المقدار ، والحسب بمعنى الظن راجع إلى ذلك أيضاً ، والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء وفسدت شعرته ، بمعنى أن ذلك الداء كفاه في الفساد عن كل داء كأنه ما بقي يسع معه داء ، والتحسيب : التكفين بما يسع الميت ، وهو كفاية له لا يحتاج بعده إلى شيء ، ومنه الحبس وهو المنع من مجاوزة الكفاية ؛ وتتجاوز الكفاية فيسبح ويتسع مداه فلا ينحصر ومنه : الحسب - بالتحريك ، وهو الشرف ؛ ومنه السحب وبه سمي السحاب لانسياحه في الهواء ؛ ومنه السبح في الماء ، ومد الفرس يديه في الجري ، والسبحة : صلاة التطوع - لأنه لا حد لها يحصرها ، ولأنها تجاوزت الفرض ، والسبح : الفراغ - للتمكن معه من الانبساط ، والتسبيح : التنزيه - لأنه الإبعاد عن النقص ، قال الرماني : وأصله البراءة من الشيء ، وقال ابن مكتوم في الجمع بين العباب والمحكم : سبحان الله معناه تنزيهاً لله من الصحابة والولد ، وتبرئة من السوء - هذا معناه في اللغة وبذلك جاء الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال سيبويه : زعم أبو الخطاب أن " سبحان الله " كقولك براءة الله من السوء ، كأنه يقول : أبرىء براءة الله من السوء ، وزعم أن مثل ذلك قول الأعشى : @ أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمه الفاخر @@ أي براءة منه ، وبهذا استدل على أن سبحان معرفة إذ لو كان نكرة لانصرف ، قال : وقد جاء في الشعر منوناً نكرة ، قال أمية : @ سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد @@ وقال ابن جني : سبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه بمنزلة عثمان وحمران ، اجتمع في سبحان التعريف والألف والنون ، وكلاهما علة تمنع من الصرف - انتهى . وقال الزجاج : جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قوله " سبحان الله " تبرئة لله من السوء ، وأهل اللغة كذلك يقولون من غير معرفة بما فيه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولكن تفسيره يجمعون عليه ، وقد سبح الرجل : قال سبحان الله ، وفي التنزيل { كل قد علم صلاته وتسبيحه } [ النور : 41 ] وسبح لغة في سبّح ، وحكى ثعلب : سبح تسبيحاً وسبحاناً ، قال ابن سيده : وعندي أنا سبحاناً ليس مصدراً لسبّح ، إنما هو مصدر سبح ، وقال النصر : سبحان الله معناه السرعة إليه والخفة في طاعته ، وسبوحة - بفتح السين : البلد الحرام ، وسباح علم الأرض الملساء عند معدن بني سليم ، وسبحات وجه الله : أنواره ، والسبحة : الدعاء ، وأيضاً صلاة التطوع - انتهى . وكله راجع إلى الإبعاد عن السوء ، والسبحان : النفس ، وكل أحد يبرىء نفسه ويرفعها عن السوء . ولما أوضح أبطال ما تعنتوا به من قولهم " لو أنزل عليه كنز " أتبعه ما يوضح تعنتهم في قولهم { أو جاء معه ملك } بذكر المرسلين ، وأهل السبيل المستقيم ، الداعين إلى الله على بصيرة ، فقال : { وما أرسلنا } أي بما من العظمة . ولما كان الإرسال لشرفه لا يتأتى على ما جرت به الحكمة في كل زمن كما أنه لا يصلح للرسالة كل أحد ، وكان السياق لإنكار التأييد بملك في قوله { أو جاء معه ملك } كالذي في النحل ، لا لإنكار رسالة البشر ، أدخل الجار تنبيهاً على ذلك فقال : { من قبلك } أي إلى المكلفين { إلا رجالاً } أي مثل ما أنك رجل ، لا ملائكة ولا إناثاً - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، والرجل مأخوذ من المشي على الرجل { نوحي إليهم } أي بواسطة الملائكة مثل ما يوحى إليك { من أهل القرى } مثل ما أنك من أهل القرى ، أي الأماكن المبنية بالمدر والحجر ونحوه ، لأنها متهيئة للإقامة والاجتماع وانتياب أهل الفضائل ، وذلك أجدر بغزارة العقل وأصالة الرأي وحدة الذهن وتوليد المعارف من البوادي ، ومكة أم القرى في ذلك لأنها مجمع لجميع الخلائق لما أمروا به من حج البيت ، وكان العرب كلهم يأتونها ؛ قال الرماني : وقال الحسن : لم يبعث الله نبياً من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء - انتهى . وذلك لأن المدن مواضع الحكمة ، والبوادي مواطن لظهور الكلمة ، ولما كانت مكة أو القرى مدينة ، وهي مع ذلك في بلاد البادية ، جمعت الأمرين وفازت بالأثرين ، لأجل أن المرسل إليها جامع لكل ما تفرق في غيره من المرسلين ، وخاتم لجميع النبيين - صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . ومادة " قرى " - يائية وواوية مهموزة وغير مهموزة بتراكيبها الخمسة عشر - تدور على الجمع ، ويلزمه الإمساك ، وربما كان عنه الانتشار ، فالقرية - بالفتح ويكسر : المصر الجامع ، وأقرى : لزم القرية ، والقاري : ساكنها ، والقارية : الحاضرة الجامعة ، وطير أخضر ، إما للزومها ، وإما لجمع لونه للبصر ، والقريتين - مثنى وأكثر ما يتلفظ به بالياء : مكة والطائف ، وقرية النمل : مجتمع ترابها ، وقريت الماء في الحوض : جمعته ، والمقراة : شبه حوض ، وكل ما اجتمع فيه ماء ، والقريّ : ماء مستجمع ، والمدة تقرى في الجرح - أي تجتمع ، والقواري : الشهود - لجمعهم الأمور ، والقواري : الناس الصالحون - كأنه مخفف من المهموز ، وقريت الضيف قرى بالكسر والقصر ، وبالفتح والمد : أضفته كاقتريته ، والمقراة : الجفنة يقرى فيها الضيف ، والمقاري : القدور ، وقرى البعير وكل ما اجتر : جمع جرته في شدقه ، وقرت الناقة : ورم شدقاها من وجع الأسنان كأنها لا تقدر مع ذلك على جمع الجرة ، فيكون من السلب ، وقرى البلاد : تتبعها يخرج من أرض إلى أرض كاقتراها واستقرها - لجمعه بينها ، وقريّ الماء كغني : مسيله من التلاع ، أو موقعه من الربو إلى الروضة - لأنه مكان اجتماعه ، وقرى الخيل : واد - كأنها اجتمعت فيه ، والقرية - كغنية : العصا لأن الراعي يجمع بها ما يرعاه . وبها يجمع كل ما يراد جمعه ، وأعواد فيها فرض يجعل فيها رأس عمود البيت ، لأنه بها يقام فيجمع من يراد ، وعود الشراع الذي في عرضه من أعلاه ، لأنه يجمع الشراع ملفوفاً ومنشوراً ، وقريت الصحيفة لغة في قرأتها - إذا تلوتها فجمعت علمها وكلامها ، والقارية : أسفل الرمح ، لأنه يجمع زجه ، أو أعلاه ، لأنه يجمع عاليته ، وحد الرمح ، لأنه يجمع مراد صاحبه ، وكذا حد السيف ، والقارية - بالتشديد : طائر أخضر إذا رأوه استبشروا بالمطر - كأنه رسول الغيث أو مقدمة السحاب ، جمعه قواري ، كأنه سمي بذلك لأنه سبب جمع الهم للمطر ؛ والقير والقار : شيء أسود تطلى به السفن ، والإبل ، والحباب ، والزقاق ، أو هما الزفت ، وعلى كل تقدير هو ساد للشقوق والمسام فكان الجامع بين أجزاء السفينة وغيرها ، وهذا أقير من هذا أشد مرارة - تشبيه بالقير الطعم ، والمر أيضاً يجمع الفم نحوه بالقبض ، والقيّور - كتنور : الخامل النسب ، شبه به أيضاً لأن القير لما قل احتياج أكثر الناس إليه في كثير من الأوقات صار قليل الذكر - وهذا معنى الخمول ، والقيار كشداد : صاحب القير ، وبئر لبني عجل قرب واسط ، وكأنها سميت لجمعها إياهم ، وقيار اسم فرس ، كأنه لجودته يجمع لصاحبه ما يريد ، والقارة : الدّبة كذلك ، والقارة : حي من العرب سموا لأن ابن الشداخ أراد أن يفرقهم في كنانة فقال شاعرهم : @ دعونا قارة لا تجفلونا فنجفل مثل إجفال الظليم @@ ذكره مختصر العين هنا وغيره في الواو ، واقتار الحديث اقتياراً : بحث عنه - لأن ذلك سبب لجمعه ، والقيِّر - كهيّن : الأسوار من الرماة الحاذق ، لأنه يجمع بذلك ما يريد ؛ ورقيت الرجل بالفتح رقية : عوذته ، ونفثت في عوذته - لأن الراقي يجمع ريقه وينفث ، ورقيت في الشيء رقياً - إذا صعدت عليه - كأنك جمعت بين درجه ، والمرقاة بالفتح ويكسر : الدرجة ، لأن العلو من آثار الجمع ، ورقى عليه كلاماً ترقية : رفع ، لأنه جمعه عليه ، ومرقيا الأنف : حرفاه لأنهما الجامعان له ؛ والرائق من الماء : الخالص ، لأنه إذا خلص اشتد تلاصق أجزائه لزوال ما كان يتخللها من الغبر ، وراق الماء يريق - إذا انصب ، إما لأنه اجتمع إلى المحل الذي انصب إليه ، أو يكون من السلب كأراقه بمعنى صبه ، وراق السراب يريق وتريق يتريق - إذا تضحضح فوق الأرض أي تردد ، إما من السلب ، وإما تشبيه بالمجتمع ، والريق : تردد الماء على وجه الأرض من الضحضاح أي ليسير ونحوه ، لأنه لا يتردد إلا وهو مجتمع ، والريق : أول كل شيء وأفضله من الرائق بمعنى الخالص ، ولأن الأول يجتمع إليه غيره ، والأفضل يجمع ما يراد ، والريق أيضاً : الباطل ، كالريوق كتنور - تشبيهاً بالسراب ، وريق الفم معروف ، لاجتماعه ، والريق : القوة ، لجمعها المراد ، والريق الرائق : الخالص وكل ما أكل أو شرب على الريق ، ومن ليس في يده شيء ، كأنه خلص عن العلائق فاجتمع همه ، ومن هو على الريق كريقي ككيس ، وهو يريق بنفسه : يجود بها عند الموت ، من راق الماء : انصب ، والمريق - كمعظم : من لا يزال يعجبه شيء ، ولعله من راقه يروقه - إذا أعجبه ، فجمع همه إليه ؛ واليارق : ضرب من الأسورة ، لأنه يجمع المعصم ، واليرقان - ويسكن : الاستقامة والطريقة وآفة للزرع . ومرض معروف ، وسيذكر في " أرق " في أول سورة الحجر إن شاء الله تعالى . ولما كان الاعتبار بأحوال من سلف للنجاة مما حل بهم أهم المهم ، اعترض بالحث عليه بين الغاية ومتعلقها ، فقال : { أفلم يسيروا } أي يوقع السير هؤلاء المكذبون { في الأرض } أي في هذا الجنس الصادق بالقليل والكثير . ولما كان المراد سير الاعتبار سبب عنه قوله { فينظروا } أي عقب سيرهم وبسببه ، ونبه على أن ذلك أمر عظيم ينبغي الاهتمام بالسؤال عنه بذكر أداة الاستفهام فقال { كيف كان عاقبة } أي آخر أمر { الذين } ولما كان الذين يعتبر بحالهم - لما حل بهم من الأمور العظام - في بعض الأزمنة الماضية ، وكان المخاطبون بهذا القرآن لا يمكنهم الإحاطة بأهل الأرض وإن كان في حال كل منهم عظه ، أتى بالجار فقال : { من قبلهم } في الرضى بأهوائهم في تقليد آبائهم ، وهذا كما تقدم في سورة يونس من أن الآيات لا تغني عمن ختم على قلبه ، والتذكير بأحوال الماضين من هلاك العاصين ونجاة الطائعين ، والاعتراض بين ذلك بقوله { قل انتظروا إني معكم من المنتظرين } وهو يدل على أنه تعالى يغضب ممن أعرض عن تدبر آياته ؛ والسير : المرور الممتد في جهة ، ومنه أخذ السير ، وأخذ السيور من الجلد ؛ والنظر : طلب إدراك المعنى بالعين أو القلب ، وأصله مقابلة الشيء بالبصر لإدراكه . ولما كان من الممكن أن يدعي مطموس البصيرة أنه كان لهم نوع خير ، قال على طريقة إرخاء العنان : { ولدار } أي الساعة أو الحالة { الآخرة } أي التي وقع التنبيه عليها بأمور تفوت الحصر منها دار الدنيا فإنه لا تكون دنيا إلا بقصيا { خير للذين اتقوا } أي حملهم الخوف على جعل الائتمار والانزجار وقاية من حياة أهون مآلها الموت ، وإن فرض فيها من المحال أنها امتدت ألف عام ، وكان عيشها كله رغداً من غير آلام . ولما كان تسليم هذا لا يحتاج فيه إلى أكثر من العقل ، قال مسبباً عنه منكراً عليهم مبكتاً لهم : { أفلا تعقلون * } أي فيتبعوا الداعي إلى هذا السبيل الأقوم .