Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 12-15)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان هذا موضع أن يقال : لأيّ غرض يكون ذلك ؟ قالوا في جوابه : { أرسله معنا غداً } إلى مرعانا ، إن ترسله معنا { يرتع } أي نأكل ونشرب في الريف ونتسع في الخصب { ويلعب } أي نعمل ما تشتهي الأنفس من المباحات تاركين الجد ، وهو كل ما فيه كلفة ومشقة ، فإن ذلك له سار { وإنا له لحافظون * } أي بليغون في الحفظ ؛ قال أبو حيان : وانتصب { غداً } على الظرف ، وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد ، وأصل غد غدو ، فحذفت لامه - أنتهى . فكأنه قيل : ماذا قال لهم ؟ فقيل : { قال } ما زاد صدورهم توغراً لأن ما قالوه له هو بحيث يسر به لسرور يوسف عليه الصلاة والسلام به { إني ليحزنني } أي حزناً ظاهراً محققاً - بما أشار إليه إظهار النون وإثباته لام الابتداء { أن تذهبوا به } أي يتجدد الذهاب به مطلقاً - لأني لا أطيق فراقه - ولا لحظة ، وفتح لهم باباً يحتجون به عند فعل المراد بقوله جامعاً بين مشقتي الباطن ، والبلاء - كما قالوا - مؤكل بالمنطق : { وأخاف } أي إذا ذهبتم به واشتغلتم بما ذكرتم { أن يأكله الذئب } أي هذا النوع كأنه كان كثيراً بأرضهم { وأنتم عنه } أي خاصة { غافلين * } أي عريقون في الغفلة لإقبالكم على ما يهمكم من مصالح الرعي ؛ والحزن : ألم القلب مما كان من فراق المحبوب ، ويعظم إذا مان فراقه إلى ما يبغض ؛ والأكل : تقطيع الطعام بالمضغ الذي بعده البلع ؛ فكأنه قيل : إن تلقيهم لمثل هذا لعجب ، فماذا قالوا ؟ فقيل : { قالوا } مجيبين عن الثاني بما يلين الأب لإرساله ، مؤكدين ليطيب خاطره ، دالين على القسم بلامه : { لئن أكله الذئب ونحن } أي والحال أنا { عصبة } أي أشداء تعصب بعضنا لبعض ؛ وأجابوا القسم بما أغنى عن جواب الشرط : { إنا إذاً } أي إذا كان هذا { لخاسرون * } أي كاملون في الخسارة لأنا إذا ضيعنا أخانا فنحن لما سواه من أموالنا أشد تضييعاً ؛ وأعرضوا عن جواب الأول لأنه لا يكون إلا بما يوغر صدره ويعرف منه أنهم من تقديمه في الحب على غاية من الحسد لا توصف ، وأقله أن يقولوا : ما وجه الشح بفراقه يوماً والسماح بفراقنا كل يوم ، وذلك مما يحول بينهم وبين المراد ، فكأنه قيل : إن هذا الكيد عظيم وخطب جسيم ، فما فعل أبوهم ؟ فقيل : أجابهم إلى سؤلهم فأرسله معهم { فلما ذهبوا } ملصقين ذهابهم { به وأجمعوا } أي كلهم ، وأجمع كل واحد منهم بأن عزم عزماً صادقاً ؛ والإجماع على الفعل : العزم عليه باجتماع الدواعي كلها { أن يجعلوه } والجعل : إيجاد ما به يصير الشيء على خلاف ما كان عليه ، ونظيره التصيير والعمل { في غيابت الجب } فعلوا ذلك من غير مانع ، ولكن لما كان هذا الجواب في غاية الوضوح لدلالة الحال عليه ترك لأنهم إذا أجمعوا عليه علم أنهم لا مانع لهم منه ؛ ثم عطف على هذا الجواب المحذوف لكونه في قوة الملفوظ قوله : { وأوحينا } أي بما لنا من العظمة { إليه } أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام . ولما كان في حال النجاة منها بعيدة جداً ، أكد له قوله : { لتنبئنهم } أي لتخبرنهم إخباراً عظيماً على وجه يقل وجود مثله في الجلالة { بأمرهم هذا } أي الذي فعلوه بك { وهم لا يشعرون } - لعلو شأنك وكبر سلطانك وبعد حالك عن أوهامهم ، ولطول العهد المبدل للهيئات المغير للصور والأشكال - أنك يوسف - قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن وابن جريج على ما نقله الرماني ؛ والشعور : إدراك الشيء مثل الشعرة في الدقة ، ومنه المشاعر في البدن ، وكان يوسف عليه الصلاة والسلام حين ألقوه في الجب ابن اثنتي عشرة سنة - قاله الحسن ، قالوا : وتصديق هذا أنهم لما دخلوا عليه ممتارين دعا بالصواع فرضعه على يديه ثم نقره فطن ، فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، وكان أبوكم يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم : أكله الذئب .