Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 4-5)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما تم ما أراد تعالى من تعليل الوصف بالمبين أبدل من قوله " أحسن القصص " قوله : { إذ } أي نقص عليك خبر إذ ، أي خبر يوسف إذ { قال يوسف } أي ابن يعقوب إسرائيل الله عليهما الصلاة والسلام { لأبيه } وبين أدبه بقوله - مشيراً بأداة البعد إلى أن أباه عالي المنزلة جداً ، وإلى أن الكلام الآتي مما له وقع عظيم ، فينبغي أن يهتم بسماعه والجواب عليه ، وغير ذلك من أمره : { يأبت } تاءه للتأنيث لأنه يوقف عليها عند بعض القراء بالهاء ، وكسرتها عند من كسر دالة على ياء الإضافة التي عوض عنها تاء التأنيث ، واجتماع الكسرة معها كاجتماعها مع الياء ، وفتحها عند من فتح عوض عن الألف القائمة مقام ياء الإضافة . ولما كان صغيراً ، وكان المنام عظيماً خطيراً ، اقتضى المقام التأكيد فقال : { إني رأيت } أي في منامي ، فهو من الرؤيا التي هي رؤية في المنام ، فرق بين حال النوم واليقظة في ذلك بألف التأنيث { أحد عشر كوكباً } أي نجماً كبيراً ظاهراً جداً مضيئاً براقاً ، وفي عدم تكرار هذه القصة في القرآن رد على من قال : كررت قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تمكيناً لفصاحتها بترادف السياق ، وفي تكرير قصصهم رد على من قال : إن هذه لم تكرر لئلا تفتر فصاحتها ، فكأن عدم تكريرها لأن مقاصد السور لم تقتض ذلك - والله أعلم . ولما كان للنيرين اسمان يخصانهما هما في غاية الشهرة ، قال معظماً لهما : { والشمس والقمر } ولما تشوفت النفس إلى الحال التي رآهم عليها ، فكان كأنه قيل : على أيّ حال ؟ وكانت الرؤيا باطن البصر الذي هو باطن النظر ، فكان التعبير بها للإشارة إلى غرابة هذا الأمر ، زاد في الإشارة إلى ذلك بإعادة الفعل ، وألحقه ضمير العقلاء لتكون دلالته على كل من عجيب أمر الرؤيا ومن فعل المرتى الذي لا يعقل فعل العقلاء من وجهين فقيل : { رأيتهم لي } أي خاصة { ساجدين * } أجراهم مجرى العقلاء لفعل العقلاء . فكأنه قيل : ماذا قال له أبوه ؟ فقيل : { قال } عالماً بأن إخوته سيحسدونه على ما تدل عليه هذه الرؤيا إن سمعوها { يابني } فبين شفقته عليه ، وأكد النهي بإظهار الإدغام فقال : { لا تقصص رؤياك } أي هذه { على إخوتك } ثم سبب عن النهي قوله : { فيكيدوا } أي فيوقعوا { لك كيداً } أي يخصك ، فاللام للاختصاص . وفي الآية دليل على أنه لا نهي عن الغيبة للنصيحة ، بل هي مما يندب إليه ؛ قال الرماني : والرؤيا : تصور المعنى في المنام على توهم الإبصار ، وذلك أن العقل مغمور بالنوم ، فإذا تصور الإنسان المعنى توهم أنه يراه ؛ وقال الإمام الرازي في اللوامع : هي ركود الحواس الظاهرة عن الإدراك والإحساس ، وحركة المشاعر الباطنة إلى المدارك ، فإن للنفس الإنسانية حواسَّ ظاهرة ومشاعر باطنة ، فإذا سكنت الحواس الظاهرة استعملت الحواس الباطنة في إدراك الأمور الغائبة ، فربما تدركها على الصورة التي هي عليها ، فلا يحتاج إلى تعبير ، وربما تراها في صورة محاكية مناسبة لها فيحتاج إلى التعبير ، مثال الأول رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المسجد الحرام ، والثاني كرؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام هذه . وقال الرماني : والرؤيا الصادقة لها تأويل ، والرؤيا الكاذبة لا تأويل لها - انتهى . وهذا لمن ينام قلبه وهم من عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ولما كانت العادة جارية بأن شفقة الإخوة تمنع من مثل ذلك ، علله تقريباً له بقوله : { إن الشيطان } أي المحترق المبعد { للإنسان } أي عامة ولا سيما الأكابر منهم { عدو مبين * } أي واضح العداوة وموضحها لكل واع فيوقع العداوة بما يخيله من فوت الحظوظ بتركها ، وفي الآية دليل على أن أمر الرؤيا مشكل ، فلا ينبغي أن تقص إلا على شفيق ناصح .