Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 77-79)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تم ذلك ، كان كأنه قيل : إن انتزاع أخيهم منهم - بعد تلك المواثيق التي أكدوها لأبيهم - لداهية تطيش لها الحلوم ، فماذا كان فعلهم عندها ؟ فقيل : { قالوا } تسلية لأنفسهم ودفعاً للعار عن خاصتهم { إن يسرق } فلم يجزموا بسرقته ، لعلمهم بأمانته ، وظنهم هذا الصواع دس في رحله وهو لا يشعر ، كما دست بضاعتهم في رحالهم وإنما أوهى ظنهم هذا سكوت أخيهم عن الاعتذار به ، على أنه قد ورد أنهم لاموه فقال لهم : وضعه في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالهم { فقد سرق أخ } أي شقيق { له } ولما كان ما ظنوه كذلك في زمن يسير ، أدخلوا الجار فقالوا : { من قبل } يعنون يوسف عليه الصلاة والسلام ، وذلك أنه قيل : إن عمته كانت لا تصبر عنه ، وكان أبوه لا يسمح بمكثه عندها ، لأنه لا يصبرعنه ، فحزمته من تحت ثيابه بمنطقة أبيها إسحاق عليه السلام وكانت عندها ، ثم قالت : فقدت منطقة أبي ، فاكشفوا أهل البيت ، فوجدوها مع يوسف عليه الصلاة والسلام ، فسمح يعقوب عليه الصلاة والسلام حينئذ لها ببقائه عندها { فأسرها } أي إجابتهم عن هذه القولة القبيحة { يوسف في نفسه } على تمكنه مما يريد بهم من الانتقام . ولما كان ربما ظن ظان أنه بكتهم بها بعد ذلك ، نفى هذا الظن بقوله تعالى : { ولم يبدها } أي أصلاً { لهم } فكأنه قيل : فما قولته التي أسرها في نفسه ؟ فقيل : { قال أنتم شر مكاناً } أي من يوسف وأخيه ، لأن ما نسب إليهما من الشر إنما هو ظاهراً لأمر خير اقتضاه ، وأما أنتم ففعلتكم بيوسف شر مقصود منكم ظاهراً وباطناً ، ونسبة الشر إلى مكانهم أعظم من نسبته إليهم ، وإنما قدم الإخبار بالإسرار مع اقترانه بالإضمار قبل الذكر ، لئلا يظن بادىء بدء أنهم سمعوا ما وصفهم به من الشر { والله } أي الذي له الإحاطة الكاملة { أعلم بما تصفون * } منكم ، وأنه ليس كما قلتم ؛ والوصف : كلمة مشتقة من أصل من الأصول لتجري على مذكور فتفرق بينه وبين غيره بطريق النقيض كالفرق بين العالم والجاهل ونحوهما ، فكأنه قيل : إن ذلك القول على فحشه ليس مغنياً عنهم ولا عن أبيهم شيئاً ، فهل اقتصروا عليه ؟ فقيل : لا ، بل { قالوا } التماساً لما يغنيهم : { ياأيها العزيز } فخاطبوه بما يليق بالأكابر ليرق لهم { إن له } أي هذا الذي وجد الصواع في رحله { أباً شيخاً كبيراً } أي في سنه وقدره وهو مغرم به ، لا يقدر على فراقه ولا يصبر عنه { فخذ أحدنا مكانه } وأحسن إلى أبيه بإرساله إليه { إنا نراك } أي نعلمك علماً هو كالرؤية أو بحسب ما رأيناه { من المحسنين * } أي العريقين في صفة الإحسان ، فأجر في أمرنا على عادة إحسانك ، فكأنه قيل : فما أجابهم ؟ قيل : { قال معاذ الله } أي نعوذ بالذي لا مثل معاذاً عظيماً { أن نأخذ } أي لأجل هذا الأمر { إلا من } أي الشخص الذي { وجدنا متاعنا عنده } ولم يقل : سرق متاعنا ، لأنه - كما أنه لم يفعل في الصواع فعل السارق - لم يقع منه قبل ذلك ما يصحح إطلاق الوصف عليه ؛ علل ذلك بقوله : { إنا إذاً } أي إذا أخذنا أحداً مكانه { لظالمون * } أي عريقون في الظلم في دينكم ، فلم تطلبون ما هو ظلم عندكم . ذكر ما بعد ما سلف من هذه القصة من التوراة قال : وكان القهم - وفي نسخة : الجوع - والإرجاف على جميع وجه الأرض ، ففتح يوسف الأهراء ، وأقبل يبيع المصريين ، واشتد الجوع بأرض مصر ، وأقبل جميع أهل الأرض يأتون للامتيار من يوسف . فبلغ يعقوب عليه الصلاة والسلام أن بمصر طعام ميرة ، فقال يعقوب عليه السلام لبنيه : لا خوف عليكم ، لأنه قد بلغني أن بمصر ميرة فاهبطوا إلى هناك ، فامتاروا لنا فنحيى ولا نموت . فهبط بنو يعقوب عليه الصلاة والسلام العشرة ليمتاروا ميرة من مصر ، فأما بنيامين أخو يوسف فلم يرسله يعقوب مع إخوته ، لأنه قال : لعله أن يعرض له عارض ، فأتى بنو إسرائيل ليمتاروا مع الذين كانوا ينطلقون ، لأن الجوع اشتد في أرض كنعان ، وكان يوسف هو المسلط على الأرض ، وكان يميز جميع شعب الأرض ، فأتى إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام فخروا له سجداً على الأرض ، فرأى يوسف إخوته فأثبتهم وتناكر عليهم وكلمهم بفظاظة وقساوة ، وقال لهم : من أين أنتم ؟ فقالوا : أتينا من أرض كنعان لنمتار ميرة ، فذكر يوسف عليه الصلاة والسلام الرؤيا التي قصها عليهم وقال لهم : إنكم جواسيس ، وإنما أتيتم لتفحصوا وتطلعوا الأرض . فقالوا : كلا يا سيدنا ! إن عبيدك إنما أتوا ليمتاروا ، نحن أجمعون بنو رجل واحد ، ونحن أبرياء ، وليس عبيدك بطلائع ، فقال لهم يوسف : ليس الأمر كما تقولون ، بل إنما أتيتم لتجسسوا أرضنا . فقالوا له : نحن اثنا عشر رجلاً إخوة عبيدك بنو رجل واحد بأرض كنعان ، والآخر هو عند أبينا يومنا هذا ، والآخر فقدناه ، فقال لهم يوسف : إني إنما قلت لكم : إنكم جواسيس ، من أجل هذا بهذه تمتحنون ، وحق فرعون ! لا أخرجنكم من هاهنا حتى يأتي أخوكم الأصغر إلى هاهنا . فنفحص عن أقاويلكم إن كنتم نطقتم بالحق والقسط ، وإلا وحق فرعون ! إنكم طلائع ، فقذفهم في الحبس ثلاثة أيام ، ودعا بهم يوسف عليه الصلاة والسلام في اليوم الثالث ، وقال لهم : افعلوا ما آمركم به فتحيوا ، فإني أراقب الله فيكم ، إن كنتم أبرياء فليحبس أحدكم في محبسكم وانطلقوا أنتم بالميرة للجوع الذي في بيوتكم ، فأتوني بأخيكم الأصغر فأصدق قولكم ولا تموتوا ، ففعلوا كما أمرهم ، فقال كل امرىء منهم لصاحبه : حقاً إنا قد استوجبنا السجن على أخينا إذ رأينا كرب نفسه إذا كان يتضرع إلينا فلم نرحمه ولم نتراءف عليه ، فمن أجل ذلك نزلت بنا هذه البلية والشر ، فأجاب روبيل وقال لهم : ألم أقل لكم : لا تأثموا بالغلام ، فلم تقبلوا ، وهو ذا الآن نحن مطالبون بدمه . ولم يعلموا أن يوسف يفهم كلامهم ، لأنه أوقف ترجماناً بينه وبينهم ، فتنحى عنهم فبكى ، ثم رجع إليهم يكلمهم ، ثم أخذ منهم شمعون فأوثقه تجاههم . وأمر يوسف بملء أوعيتهم ميرة ، وأمر برد ورق كل امرىء منهم في وعائه ، وأن يزودوا زاداً للطريق ، ففعل ذلك بهم كما أمر يوسف عليه السلام ، فحملوا ميرتهم على حميرهم وانطلقوا ، ففتح بعضهم وعاءه ليلقي قضيماً لحماره في مبيتهم . فرأى ورقه موضوعاً على طرف حمولته . فقال لإخوته : ورقي رد إليّ وهو ذا على طرف حمولتي ، فارتجفت قلوبهم وفزعت نفوسهم ، وتعجب كل امرىء منهم ، فقالوا : يا ليت شعري ما هذا الذي صنعه الله بنا ! فأتوا يعقوب أباهم إلى أرض كنعان ، فأخبروه بجميع ما عرض لهم وقالوا : إن الرجل سيد الأرض كلمنا بفظاظة وقساوة . وحسبنا بمنزلة الجواسيس أتينا لنطالع الأرض ، فقلنا : إنا أبرياء عدول ، فلسنا بطلائع ، فنحن اثنا عشر أخاً بنو أب واحد ، فقد واحد منا والآخر عند أبينا يومنا هذا بأرض كنعان ، فقال لنا الرجل سيد الأرض ورئيسها : بهذا أعلم بأنكم أبرار عدول ، خلفوا عندي أحد إخوتكم ، واحملوا ميرة للجوع الذي في بيوتكم . وانصرفوا فأتوني بأخيكم الأصغر معكم ، فأعلم حينئذ أنكم لستم بطلائع ، بل أنتم أبرياء عدول ، وآمر بدفع أخيكم إليكم ، وتتجرون في الأرض ، فبينما هم يفرغون أوعيتهم فإذا هم بصرة كل امرىء منهم على طرف وعائه فرأوا ورقهم مصروراً ففزعوا هم وأبوهم . فقال لهم أبوهم : إنكم قد أثكلتموني ولدي وأفقدتموني إياهما ، لأن يوسف فقدته . وشمعان محبوس ، وتنطلقون ببنيامين أيضاً وقد كملت علي المصائب كلها ، فقال روبيل لأبيه : ثكلتُ ابني جميعاً إن لم آتك به ! ادفعه إليّ وأنا أرده إليك ، فقال : لا يهبط ابني معكم ، لأن أخاه يوسف توفي وهو وحده الباقي لأمه ، فتعرض له آفة في الطريق الذي تسلكونه فتنزلون شيبتي إلى الجدث بالشقاء والشحب . فاشتد الجوع على الأرض ، فلما أكلوا الذي أتوا به من مصر وأفنوه قال لهم يعقوب أبوهم عليه السلام : اهبطوا فامتاروا لنا شيئاً من قمح ، فقال له يهوذا : إن الرجل أنذرنا وتقدم إلينا وقال : لا تعاينوا وجهي إلا وأخوكم معكم ، فإن أنت أرسلت أخانا معنا فإنا نهبط فنمتار ، وإن لم تبعثه لم ننطلق ، فقال لهم أبوهم : ولم أسأتم إلي فأخبرتم الرجل أن لكم أخاً ؟ فقالوا : الرجل سأل عنا وعن رهطنا وقال : إن أباكم في الحياة بعد ؟ وهل لكم أخ ؟ فأخبرناه من أجل هذا الكلام ، أكنا نعلم أنه يقول : اهبطوا معكم بأخيكم ؟ وقال يهوذا لإسرائيل أبيه : سرح الغلام فننطلق فنحيى ولا نموت نحن وأنت أيضاً وحشمنا ، أنا أكفل به . فإن لم آتك به فأقيمه بين يديك فأنا مخطىء بين يدي أبي جميع الأيام . فقال أبوهم إسرائيل : إذا كان الأمر هكذا فافعلوا ما آمركم به : احملوا في أوعيتكم من ثمار هذه الأرض شيئاً من صنوبر وعسل وعلك البطم وخروب وحب السرو وبطم ولوز ، وخذوا من الورق ضعف الذي في أوعيتكم ، لعل ذلك أن يكون وهماً منهم ، وانطلقوا بأخيكم إلى الرجل ، وارجعوا إليّ كلكم ، وإله المواعيد يظفركم من الرجل برحمة ورأفة ، فيرسل بأخيكم الآخر معكم وبنيامين أيضاً ، فأخذ القوم هذه الهدية وضعفاً من الفضة ، وانطلقوا معهم ببنيامين وأتوا يوسف فوقفوا بين يديه . فرأى يوسف بنيامين معهم فقال لحاجبه : أدخل القوم إلى المنزل ، واذبح ذبيحاً ، وهيىء الغداء ، لأن القوم يتغدون معي ظهراً ، ففعل العبد كما أمره يوسف عليه السلام ، وأدخل القوم إلى منزل يوسف عليه السلام وقالوا : إنهم إنما يدخلوننا لسبب الورق الذي وجدنا في أعدالنا من قبل ، فيريدون أن يتطاولوا علينا ويمكروا بنا ، فيجعلونا عبيداً ودوابنا ملكاً ، فدنوا من الرجل حاجب - وفي نسخة : خازن - يوسف عليه السلام . فكلموه على باب المنزل ، وقالوا له : إنا نطلب إليك يا سيدنا أنا هبطنا أولاً إلى هاهنا فامترنا قمحاً ، فلما طلعنا وصرنا في البيت إذا نحن بورق كل واحد منا في عدله ، فقد رددنا أوراقنا بوزنها معنا وأتينا معها بأوراق أخر لنمتار بها ، ولا نعلم من الذي صيّر أوراقنا في أوعيتنا ؟ فقال لهم : السلام لكم ، لا تخافوا ولا تستوفضوا ، إلهكم إله المواعيد إله أبيكم ذخر لكم هذه الذخيرة في أوعيتكم ، لأن ورقكم قد صار في قبضتي ، وأخرج إليهم شمعون ، فأدخل العبد القوم إلى منزل يوسف عليه السلام ، وأتاهم بماء فغسلوا أيديهم وأقدامهم ، وألقى قضمياً لدوابهم ، فأعد القوم هديتهم قبل دخول يوسف عليه السلام وقت القائلة لأنه بلغهم أن غداءهم يكون هناك ، فدخل يوسف إلى منزله ، فأدخلوا هديتهم فوضعوها بين يديه في منزله ، وخروا له سجداً على الأرض ، فسألهم عن سلامتهم وقال : أسالم هو ؟ أبوكم الذي أخبرتموني عنه أنه الحياة هو بعد ؟ فقالوا : إن أبانا عبدك سالم ، ثم جثوا فسجدوا فرفع بصره فأبصر بنيامين أخاه ابن أمه فقال لهم : هذا أخوكم الذي أخبرتموني عنه ؟ فقالوا : نعم ؟ فقال له : الله يترأف عليكم يا بني ، فاستعجل يوسف عليه السلام لأنه رق له وتحنن عليه فأراد البكاء ، فدخل إلى مكانه فبكى هناك ، ثم غسل وجهه وخرج فصبر نفسه ، فأمر أن يأتوهم بالغداء ، فوضعوا بين يديه وحده ، وقربوا إليهم وحدهم ، لأنه لا يستطيع أهل مصر أن يأكلوا مع العبرانيين ، لأن هذه نجاسة عند المصريين ، فأمر فاتكأ الأكبر على قدر سنه والأصغر على قدر سنه ، فتعجب القوم ومكثوا محيرين مشدوهين ، فأعطى كل واحد منهم من بين يديه جزءاً ، وأعطى بنيامين أكثر منهم : خمسة أنصبة ، فشربوا . فأمر خازنه وقال له : أوقر أوعية القوم من البر ما أمكنهم حمله ، وصير ورق كل امرىء منهم على طرف وعائه ، وخذ طاسي طاس الفضة وصيره في وعاء الأصغر مع ورق ميرته ، ففعل العبد كما أمر يوسف عليه السلام ، فلما كان من الغد سرح القوم لينطلقوا هم وحميرهم ، فخرجوا من القرية ، وقبل أن يخرجوا منها قال يوسف لخازنه : قم فامض في طلب القوم وألحقهم وقل لهم : لم كافيتم الشر بدل الخير ، فأخذتم الطاس الذي يشرب فيه سيدي ويعتاف فيه اعتيافاً ، فأسأتم فيما جاء منكم ، فلحقهم وقال لهم هذه الأقاويل ، فقالوا له : لا تقولن يا سيدنا هذه الأقاويل ، معاذ الله أن يفعل عبيدك هذه الفعال ! نحن رددنا أوراقنا التي وجدنا في أوعيتنا من أرض كنعان ، فكيف نسرق من بيت سيدك ذهباً أو فضة ، من وجد عنده من عبيدك فليمت ونكن نحن عبيداً لسيدنا ! قال لهم : هو على ما تقولون ، من وجد عنده فهو يكون لي عبداً ، وأنتم تكونون فلحين طاهين ، فاستعجل كل منهم وعاءه ، ففتشوا ابتداء بالأكبر وانتهاء إلى الأصغر ، فوجدوا الطاس في وعاء بنيامين ، فمزقوا ثيابهم وخرقوها . وحمل كل امرىء منهم وعاءه على حماره ، ورجعوا إلى القرية ، فدخل يهوذا وإخوته على يوسف وكان في منزله بعد ، فخرجوا بين يديه على الأرض ، فقال لهم يوسف : ما هذا الفعل الذي جاء منكم ؟ أما تعلمون أن رجلاً مثلي يعتاف - وفي نسخة : يمتحن - بكأس اعتيافاً ؟ لم تتعدون عليه وتأخذونه ؟ فقال يهوذا : بماذا نكلم سيدنا ! وبماذا ننطق ! وبماذا نفلح - وفي نسخة : نحتج - من عند الله نزلت هذه الخطيئة بعبيدك ، هوذا نحن عبيد لسيدنا نحن ومن أصيب الكأس عنده ، فقال : معاذ الله أن أفعل هذا ! بل الرجل الذي وجد الكأس عنده يكون لي عبداً ، وأنتم فاصعدوا بسلام إلى أبيكم . فدنا منه يهوذا فقال : أنا أطلب إليك يا سيدي أن تأذن لعبدك بالكلام بين يديك ، يا سيد ! ولا تشعل غضبك على عبيدك ، لأنك مثل فرعون ، سأل سيدي عبيده فقال لهم : هل لكم أب أو أخ ؟ فقلنا لسيدنا : إن لنا أباً شيخاً وابناً له صغيراً ولد على كبر سنه ، وإن أخاه مات ، وهو الباقي وحده لأمه ، وأبوه يحبه ، وأمرت عبيدك وقلت : اهبطوا به إليّ حتى أعرفه وأعاينه ، فقلنا لسيدنا : لا يقدر الغلام على مفارقة أبيه ، لأنه إن فارقه أبوه توفي ، فقلت لعبيدك : إنه لم يهبط أخوكم الأصغر معكم فلا تعودوا أن تعاينوا وجهي ، فلما صعدنا إلى عبدك أبينا أخبرناه بقول سيدنا فقال لنا عبدك أبونا : ارجعوا فامتاروا شيئاً من بر ، فقلنا لأبينا : لا نقدر على الهبوط إلى أن نهبط بأخينا الأصغر معنا ، لأنا لا نقدر على معاينة وجه الرجل إن لم يكن أخونا معنا ، فقال لنا عبدك أبونا : أنتم تعلمون أن امرأتي ولدت لي ابنين ، فخرج واحد من عندي فقلتم : إنه قتل قتلاً ، فلم أعاينه إلى يوم الناس هذا ، فتحملون أيضاً هذا من عندي فيعرض له صيد فتهبطون بشيخوختي بحزن وشر القبر ، والآن إذا نحن انطلقنا إلى عبدك أبينا وليس الغلام معنا ونفسه حبيبة إليه ، فإذا علم أن الغلام ليس هو معنا يموت فيهبط عبدك شيبة أبينا بالشقاء والتشحيب ، لأن عبدك ضمن الغلام لأبينا ، وقلت : إني إذا لم آتك به أخطىء باقي جميع الأيام ، والآن فليبق عبدك بدل الغلام عبداً لسيدي ، وليصعد الغلام مع إخوته ، لأني أفكر كيف أصعد إلى أبي وليس الغلام معي كيلا أعاين الشر الذي ينزل بأبي .