Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 85-88)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فلما رأوا أنه قد فاتهم ما ظنوا أنه يكون بعد ذهاب يوسف من صلاح الحال مع أبيهم بقصر الإقبال عليهم ، ووقع لأبيهم هذا الفادح العظيم ، تشوف السامع إلى قولهم له ، فاستأنف الإخبار عنه بقوله : { قالوا } أي حنقاً من ذلك { تالله } أي الملك الأعظم ، يميناً فيها تعجب { تفتئوا } أي ما تزال { تذكر يوسف } حريصاً على ذكره قوياً عليه حرص الفتى الشاب الجلد الصبور على مراده { حتى } أي إلى أن { تكون حرضاً } أي حاضر الهلاك مشرفاً عليه متهيئاً له بدنف الجسم وخبل العقل - كما مضى بيانه في الأنفال عند { حرض المؤمنين على القتال } { أو تكون } أي كوناً لازماً هو كالجبلة { من الهالكين * } . ولما تشوفت النفس إلى ما كان عنه بعد ما رأى من غلطة بنيه ، شفى عيّها بقوله : { قال إنما } أي نعم لا أزال كذلك لأنه من صفات الكمال للإنسان ، لدلالته على الرقة والوفاء ، وإنما يكون مذموماً إذا كان على وجه الشكاية إلى الخلق وأنا لا أشكو إلى مخلوق ، إنما { أشكوا بثي } والبث أشد الحزن ، سمي بذلك لأنه من صعوبته لا يطاق حمله فيباح به وينشر { وحزني } مطلقاً وإن كان سببه خفيفاً يقدر الخلق على إزالته { إلى الله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة تعرضاً لنفحات كرمه ، لا إلى أحد غيره ، وهذا - الذي سمعتوه مني فقلقتم له - قليل من كثير . ولما كان يجوز أن يكونوا صادقين في أنهم لم يجدوا إلا قميص يوسف ملطخاً دماً ، وأن يكون قطعهم بأكل الذئب له مستنداً إلى ذلك ، وكان يعقوب عليه السلام يغلب على ظنه أن يوسف عليه السلام حي ويظن في الله أن يجمع شمله به ، قال : { وأعلم من الله } أي الملك الأعلى من اللطف بنا أهل هذا البيت ومن التفريج عن المكروبين والتفريح للمغمومين { ما لا تعلمون * } ومادة " فتا " يائية وواوية مهموزة وغير ومهموزة بكل ترتيب وهي فتأ ، وفأت وتفأ وأفت ، وفتى وفوت وتوف وتفو تدور على الشباب ، وتلزمه القوة وشدة العزيمة وسلامة الانقياد : ما فتأ يفعل كذا - مثلثة العين : ما زال كما أفتا ، أي إنه ما زال فاعلاً في ذلك فعل الشاب الجلد الماضي العزم ، وما فتىء أن فعل ، ما برح أي أنه بادر إلى ذلك بسهولة انقياد وشدة عزيمة ، وحقيقته : ما فتىء عن فعل كذا ، أي ما تجاوزه إلى غيره وما نسيه بل قصر فتاءه وهمته وجلده عليه ، وعن ابن مالك في جمع اللغات المشكلة وعزاه للفراء - وصححه في القاموس : فتأ - كمنع : كسر وأطفأ ، وهو واضح في القوة ، وفتىء عنه - كسمع : نسيه وانقذع عنه ، أي انكف أو خاص بالجحد ، أي بأن يكون قبله حرف نفي ، ومعناه أن قوته تجاوزته فلم تخالطه ؛ ومن يائيه : الفتاء - كسماء : الشباب ، وكأنه أصل المادة ، والفتي - بالقصر ؛ السخي والكريم ، أي الجواد الشريف النفس ، والفتى : السيد الشجاع - لأن ذلك يلزم الشباب ، والفتى : المملوك وإن كان بخيلاً أو شيخاً - لأنه غالباً لا يشتري إلا الشباب ، والفتى : التلميذ ، والتابع كذلك ، والفتى - كغنى : الشاب أيضاً ، والفتوة : الكرم ، وقد تفتى وتفاتى ، وفتوتهم : غلبتهم فيها ، وأفتاه في الأمر : أبانه له ، والفتيا - بالضم والفتوى - ويفتح : ما أفتى به الفقيه ، وهو يرجع إلى الجود وحسن الخلق ، والفتيان : الليل والنهار ، ولذلك يسميان الجديدين ، وفتيت البنت تفتية : منعت اللعب مع الصبيان ، فهو من سلب الشباب ، أي فعله ومن مقلوبه مهموزاً : افتأت عليّ الباطل : اختلقه ، وبرأيه : استبد ، وكلاهما يدل على جرأة وطيش ، وهو بالشاب الذي لم يحنكه الدهر أجدر ، وافتئت - على البناء للمفعول : مات فجأة - كأن ذلك أشد الموت ؛ ومن واوية : فات الشيء فوتاً وفواتاً : ذهب فسبق فلم يدرك ، وفاته وافتاته : ذهب عنه فسبقه ، وذلك يدل على قوة السابق ، وبينهما فوت ، أي بون - كأن كلاً منهما سابق للآخر ، وتفاوت الشيئان وتفوتا : تباعد ما بينهما ، ويلزم ذلك الاختلاف والاضطراب ، ويلزمه العيب { فما ترى في خلق الرحمن من تفوت } : من عيب ، يقول الناظر : لو كان كذا كان أحسن ، وموت الفوات : الفجأة ، وهو فوت رمحه ويده ، أي حيث يراه ولا يصل إليه ، والفوت : الفرجة بين إصبعين ، وافتأت عليه برأيه : سبقه به ، وفاته به وعليه : غلبه ، ولا يفتات عليه أي لا يعمل دون أمره ، أي لا أحد أشد منه فيسبقه ، وافتات الكلام : ابتدعه - كما تقدم في المهموز ، وافتات عليه : حكم - لقوته ، والفويت - كزبير : المنفرد برأيه - للمذكر والمؤنث ، وذلك لعدة نفسه شديداً ، وتفوت عليه في ماله : فاته به ؛ ومن مقلوبه مهموزاً : تفىء كفرح : احتد وغضب - وذلك لشدته ، وتفيئة الشيء : حينه وزمانه ، وذلك أحسن أحواله ، ودخل على تفيئته أي أثره أي لم يسبقه بكثير ، وذلك أشد له ؛ ومن واوية : التفة كقفة : عناق الأرض وهي تصيد ، وفيها خلاف يبين إن شاء الله تعالى في قوله : { جزاء موفوراً } من سورة سبحان ؛ ومن مقلوبه واوياً : تاف بصره يتوف : تاه - كأنه لسلب الشدة أو المعنى أنه وقع في توقة ، أي شدة ، وما فيه توفة - بالضم - ولا تافة : عيب أو مزيد أو حاجة وأبطأ وكل ذلك يدل على شدته ، وطلب علي توفة بالفتح ، : عثرة وذنباً - من ذلك لأن العثرة والذنب لا يصيبان شيئاً إلا عن شدتهما وضعفه ؛ ومن مقلوبه مهموزاً : الأفت - بالفتح : النافة التي عندها من الصبر والبقاء ما ليس عند غيرها ، والسريع الذي يغلب الإبل على السير ، والكريم من الإبل - ويكسر - والداهية والعجب ، وكل ذلك واضح في القوة ، والإفت - بالكسر : الأول - لأنه أصل كل معدود ، وأفته عن كذا : صرفه . ولما أخبرهم عليه السلام أن علمه فوق علمهم ، أتبعه استئنافاً ما يدل عليه فقال : { يابني اذهبوا } ثم سبب عن هذا الذهاب وعقب به قوله : { فتحسسوا } أي بجميع جهدكم { من يوسف وأخيه } أي اطلبوا من أخبارهما بحواسكم لعلكم تظفرون بهما ، وهذا يؤكد ما تقدم من احتمال ظنه أن فاعل ذلك يوسف - عليهم الصلاة والسلام . ولما لم يكن عندهم من العلم ما عنده ، قال : { ولا تيأسوا } أي تقنطوا { من روح الله } أي الذي له الكمال كله ؛ والروح - قال الرماني - يقع بريح تلذ ، وكأن هذا أصله فالمراد : من رحمته وفرجه وتيسيره ولطفه في جمع الشتات وتيسير المراد ؛ ثم علل هذا النهي بقوله : { إنه لا يبأس } أي لا يقنط { من روح الله } أي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام { إلا القوم } أي الذين لهم قوة المحاولة { الكافرون * } أي العريقون في الكفر ، فأجابوه إلى ما أراد ، قتوجهوا إلى مصر لذلك ولقصد الميرة لما كان اشتد بهم من القحط ، وقصدوا العزيز ؛ وقوله : { فلما دخلوا عليه } بالفاء يدل على أنهم أسرعوا الكرة في هذه المرة { قالوا } منادين بالأداة التي تنبه على أن ما بعدها له وقع عظيم { يا أيها العزيز } . ولما تلطفوا بتعظيمه ، ترققوا بقولهم : { مسنا } أي أيتها العصابة التي تراها { وأهلنا } أي الذين تركناهم في بلادنا { الضر } أي لابسنا ملابسة نحسها { وجئنا ببضاعة مزجاة } أي تافهة غير مرغوب فيها بوجه ، ثم سببوا عن هذا الاعتراف - لأنه أقرب إلى رحمة أهل الكرم - قولهم : { فأوف لنا } أي شفقة علينا بسبب ضعفنا { الكيل وتصدق } أي تفضيل { علينا } زيادة على الوفاء كما عودتنا بفضل ترجو ثوابه . ولما رأوا أفعاله تدل على تمسكه بدين الله ، عللوا ذلك بقولهم : { إن الله } أي الذي له الكمال كله { يجزي المتصدقين * } أي مطلقاً وإن أظهرت - بما أفاد الإظهار - وإن كانت على غني قوي ، فكيف إذا كانت على أهل الحاجة والضعف .