Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 93-98)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أقر أعينهم بعد اجتماع شملهم بإزالة ما يخشونه دنيا وأخرى ، بقي ما يخص أباهم من ذلك ، فكأنه وقع السؤال عنه فأجيب بقوله : { اذهبوا بقميصي } ولما كان قوله هذا ربما أوقع في أفهامهم قميصه الذي سلبوه إياه ، احترز عن ذلك بقوله : { هذا فألقوه } أي عقب وصولكم { على وجه أبي يأت } أي يرجع إلى ما كان { بصيراً } أو يأت إلى حالة كونه بصيراً ، فإنه إذا رد إليه بصره وعلم مكاني لم يصبر عن القصد إليّ لما عنده من وفور المحبة وعظيم الشوق ، وكونه قميصاً من ملابس يوسف المعتادة أدخل في الغرابة وأدل على الكرامة ؛ والقميص ألصق الثياب بالجسم ، فإظهار الكرامة به أدل على كمال دين صاحبه وعراقته في أمور الإيمان ، وهو يؤول في المنام بالدين ، وذلك أدخل في كمال السرور ليعقوب عليه الصلاة والسلام { وأتوني } أي بأبي وأنتم { بأهلكم } أي مصاحبين لهم { أجمعين * } لا يتخلف منهم أحد ، فرجعوا بالقميص لهذا القصد ، قيل : كان يهوذا هو الذي حمل قميصه لما لطخوه بالدم ، فقال : لا يحمل هذا غيري لأفرحه كما أحزنته ، فحمله وهو حافٍ حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما ثمانون فرسخاً { ولما فصلت العير } من العريش آخر بلاد مصر إلى بلاد الشام { قال أبوهم } لولد ولده ومن حوله من أهله ، مؤكداً لعلمه أنهم ينكرون قوله : { إني لأجد } أي لأقول : إني لأجد { ريح يوسف } وصدهم عن مواجهته بالإنكار بقوله : { لولا أن تفندون * } أي لقلت غير مستح ولا متوقف ، لأن التفنيد لا يمنع الوجدان ، وهو كما تقول لصاحبك : لولا أن تنسبني إلى الخفة لقلت كذا ، أي إني قائل به مع علمي بأنك لا توافقني عليه ، " وفصل " هنا لازم يقال : فصل من البلد يفصل فصولاً ، والفصل : القطع بين الشيئين بحاجز ، والوجدان : ظهور من جهة إدراك يستحيل معه انتفاء الشيء ، والريح : عرض يدرك بحاسة الأنف أي الشم ، والتفنيد : تضعيف الرأي بالنسبة إلى الفند ، وهو الخوف وإنكار العقل من هرم ، يقال : شيخ مفند ، ولا يقال : عجوز مفندة ، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فيفندها كبرها ؛ ثم استأنف حكاية جوابهم فقال : { قالوا } أي السامعون له ما ظنه بهم ، مقسمين بما دل على تعجبهم ، وهو { تالله } أي الملك الأعظم ، وأكدوا لمعرفتهم أنه ينكر كلامهم وكذا كل من يعرف كماله { إنك لفي ضلالك } أي بحيث صار ظرفاً لك { القديم * } أي خطئك في ظن حياة يوسف ؛ قال الرماني : والضلال : الذهاب عن جهة الصواب . فصحح الله قوله وحقق وجدانه ، وعجلوا إليه بشيراً فأسرع بعد الفصول ، ولذلك عبر بالفاء في { فلما } وزيدت { أن } لتأكيد مجيئه على تلك الحال وزيادتها قياس مطرد { جاء البشير } وهو يهوذا بذلك ، معه القميص { ألقاه } أي القميص حين وصل إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام من غير فاصل ما بين أول المجيء وبينه كما أفادته زيادة " أن " لتأكيد ما تفيده " لما " من وقوع الفصل الثاني وهو هنا الإلقاء عقب الأول وترتبه عليه وهو هنا المجيء { على وجهه } أي يعقوب عليه الصلاة والسلام { فارتد } من حينه { بصيراً } والارتداد : انقلاب الشيء إلى حال كان عليها ، فالتفت الخاطر إلى حاله مع فنده ، فأخبر تعالى عن ذلك بقوله مستأنفاً : { قال } أي يعقوب عليه الصلاة والسلام { ألم أقل لكم } : إني أجد ريحه ؛ ثم علل هذا التقرير بقوله مؤكداً لأن قولهم قول من ينكر : { إني أعلم من الله } أي المختص بصفات الكمال { ما لا تعلمون * } لما خصني به تعالى من أنواع المواهب ، وهو عام لأخبار يوسف عليه الصلاة والسلام وغيرها ، وهو من التحديث بنعمة الله . ولما كان ذلك تشوفت النفس إلى علم ما يقع بينه وبين أولاده في ذلك ، فدفع عنها هذا العناء بقوله : { قالوا ياأبانا } منادين بالأداة التي تدل على الاهتمام العظيم بما بعدها لما له من عظيم الوقع : { استغفر } أي اطلب من الله أن يغفر { لنا ذنوبنا } ورد كل ضمير من هذه الضمائر إلى صاحبه في غاية الوضوح ، فلذلك لم يصرح بصاحبه . ولما سألوه الاستغفار لذنوبهم ، عللوه بالاعتراف بالذنب ، لأن الاعتراف شرط التوبة - كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه " فقالوا مؤكدين تحقيقاً للإخلاص في التوبة : { إنا كنا خاطئين * } أي متعمدين للإثم بما ارتكبنا في أمر يوسف علية الصلاة والسلام ؛ ثم حكى جوابه بقوله مستأنفاً : { قال } أي أبوهم عليه السلام مؤكداً لكلامه : { سوف أستغفر } أي أطلب أن يغفر { لكم ربي } أي الذي لم يزل يحسن إليّ ويربيني أحسن تربية ، فهو الجدير بأن يغفر لبني حتى لا يفرق بيني وبينهم في دار البقاء ؛ والربوبية : ملك هو أتم الملك على الإطلاق ، وهو ملك الله تعالى لإنشاء الأنفس باختراعها وتصريفها أتم التصريف من الإيجاد والإعدام والتقليب من حال إلى حال في جميع الأمور من غير تعب ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إنه هو } أي وحده { الغفور الرحيم * } كل ذلك تسكيناً لقلوبهم وتصحيحاً لرجائهم ليقوى أملهم ، فيكون تعالى عند ظنهم بتحقيق الإجابة وتنجيزاً لطلبه ؛ ولعله عبر بـ " سوف " لتقديم هاتين الجملتين على المسألة لما ذكرته من الأغراض ، وقيل : لأنه أخر الدعاء إلى صلاة الليل ، وقيل : إلى ليلة الجمعة ؛ وقيل : يؤخذ منها أن طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منه إلى الشيوخ .