Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 38-40)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما حسمت الأطماع عن إجابتهم رجاء الاتباع أو خشية الامتناع ، وكان بعضهم قد قال : لو كان نبياً شغلته نبوته عن كثرة التزوج ، كان موضع توقع الخبر عما كان للرسل في نحو ذلك ، فقال تعالى : { ولقد أرسلنا } أي بما لنا من العظمة { رسلاً } ولما كانت أزمان الرسل غير عامة لزمان القبل ، أدخل الجار فقال : { من قبلك } أي ولم نجعلهم ملائكة بل جعلناهم بشراً ، { و } أثقلنا ظهورهم بما يدعو إلى المداراة والمسالمة بإرضاء الأمم في بعض أهوائهم ، أو فصل الأمر عند تحقق المصارمة بإنجاز الوعيد بأن { جعلنا } أي بعظمتنا { لهم أزواجاً } أي نساء ينكحونهن ؛ والزوج : القرين من الذكر والأثى ، وهو هنا الأنثى { وذرية } وهي الجماعة المتفرقة بالولادة عن أب واحد في الجملة ، وفعل بهم أممهم ما يفعل بك من الاستهزاء ، فما اتبع أحد منهم شيئاً من أهواء أمته { و } لم نجعل إليهم الإتيان بما يقترح المتعنتون من الآيات تالفاً لهم ، بل { ما كان لرسول } أي رسول كان { أن يأتي بآية } مقترحة أو آية ناسخة لحكم من أحكام شريعته أو شريعة من قبله أو غير ذلك { إلا بإذن الله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة ، فإن الأمور عنده ليست على غير نظام ولا مفرطاً فيها ولا ضائعاً شيء منها بل { لكل أجل } أي غاية أمر قدره وحده لأن يكون عنده أمر من الأمور { كتاب * } قد أثبت فيه أن أمر كذا يكون في وقت كذا من الثواب والعقاب والأحكام والإيتان بالآيات وغيرها ، إثباتاً ونسخاً على ما تقتضيه الحكمة ، والحكمة اقتضت أن النبوة يكفي في إثباتها معجزة واحدة ، وما زاد على ذلك فهو إلى المشيئة ؛ ثم علل ذلك بقوله : { يمحوا الله } أي الملك الأعظم { ما يشاء } أي محوه من الشرائع والأحكام وغيرها بالنسخ فيرفعه { ويثبت } ما يشاء إثباته من ذلك بأن يقره ويمضي حكمه كما قال تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننساها } [ البقرة : 106 ] إلى قوله تعالى : { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } [ البقرة : 106 ] كل ذلك بحسب المصالح التابعة لكل زمن ، فإنه العالم بكل شيء ، وهو الفعال لما يريد لا اعتراض عليه ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى في الرسالة : يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء . وإثبات واو " يمحوا " في جميع المصاحف مشير - بما ذكر أهل الله من أن الواو معناه العلو والرفعة - إلى أن بعض الممحوات تبقى آثارها عالية ، فإنه قد يمحو عمر شخص بعد أن كانت له آثار جميلة ، فيبقيها سبحانه وينشرها ويعليها ، وقد يمحو شريعة ينسخها ويبقى منها آثاراً صالحة تدل على ما أثبت من الشريعة الناسخة لها ، وأما حذفها باتفاق المصاحف أيضاً في { يمح الله الباطل } في الشورى مع أنه مرفوع أيضاً ، فللبشارة بإزهاق الباطل إزهاقاً هو النهاية - كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وذلك لمشابهة الفعل بالأمر المقتضي لتحتم الإيقاع بغاية الاتقان والدفاع ، وقال : { وعنده } مع ذلك { أم } أي أصل { الكتاب * } لمن وهمه مقيد بأن الحفظ بالكتابة ، وهو اللوح المحفوظ الذي هو أصل كل كتاب ، وقد تقدم غير مرة أنه الكتاب المبين الذي هو بحيث يبين كل ما طلب علمه منه كلما طلب ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء - انتهى . والمراد - والله أعلم - أنه يكون في أم الكتاب أنا نفعل كذا - وإن كان في الفرع على غير ذلك ، فإنه بالنسبة إلى شريعة دون أخرى ، فإذا نقضت الشريعة الأولى فإنا نمحوه في أجل كذا ، أو يكون المعنى : يمحو ما يشاء من ذلك الكتاب بأن يعدم مضمونه بعد الإيجاد ، ويثبت ما يشاء بأن يوجده من العدم وعنده أم الكتاب ؛ قال الرازي في اللوامع : وقد أكثروا القول فيها ، وعلى الجملة فكل ما يتعلق به المشيئة من الكائنات فهو بين محو وإثبات ، محو بالنسبة إلى الصورة التي ارتفعت ، إثبات بالنسبة إلى الصورة الثانية ، والقضاء الأزلي ، والمشيئة الربانية مصدر هذا المحو والإثبات ، فلذلك هو القضاء وهذا هو القدر ، فالقضاء مصدر القدر ، والقدر مظهر القضاء ، والله تعالى وصفاته منزه عن التغير . ولما تم ما أراد مما يتعلق بتألفهم ، وختم بأنه سبحانه يفعل ما يشاء من تقديم وتأخير ومحو وإثبات ، وكان من مقترحاتهم وطلباتهم استهزاء استعجال السيئة مما توعدوا به ، وكانت النفس ربما تمنت وقوع ذلك للبعض وإثباته ليؤمن غيره تقريباً لفصل النزاع ، قال سبحانه وتعالى : { وإن ما نرينك } أكده لتأكيد الإعلام بأنه لا حرج عليه في ضلالة من ضل بعد إبلاغه ، نفياً لما يحمله عليه صلى الله عليه وسلم شدة رحمته لهم وشفقته عليهم من ظن أنه عليه أن يردهم إلى الحق حتماً { بعض الذي نعدهم } وأنت حي مما تريد أو يريد أصحابك ، فصل الأمر به فثبت وقوعه إقراراً لأعينكم قبل وفاتك ؛ والوعد : الخبر عن خير مضمون ، والوعيد : الخبر عن شر مضمون ، والمعنى هاهنا عليه ، وسماه وعداً لتنزيلهم إياه في طلب نزوله منزلة الوعد { أو نتوفينك } قبل أن نريك ذلك ، وهو ممحو الأثر لم يتحقق ، فالذي عليك والذي إلينا مستو بالنسبة إلى كلتا الحالتين { فإنما عليك البلاغ } وهو إمرار الشيء إلى منتهاه ، وهو هنا الرسالة ؛ وليس عليك أن تحاربهم ولا أن تأتيهم بالمقترحات { وعلينا الحساب * } وهو جزاء كل عامل بما عمل في الدنيا والآخرة ، ولنا القوة التامة عليه ؛ والآية من الاحتباك - كما مضى بيان ذلك في مثلها من سورة يونس عليه السلام .