Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 1-2)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كتاب } أي عظيم في درجات من العظمة . لا تحتمل عقولكم الإخبار عنها بغير هذا الوصف ، ودل تعليل وصفه بالمبين بأنه عربي على أن التقدير : { أنزلناه } أي بما لنا من العظمة { إليك } بلسان قومك لتبين لهم . ولما استجمع التعريف بالأوصاف الموجبة للفلاح المذكورة أول السورة المستدل عليها بكل برهان منير وسلطان مبين ، فصار بحيث لا يتوقف عن اجتناء ثمرته من وقف على حقائق تلك النعوت ، شوق إلى تلك الثمرة بعد تفصيل ما في أول البقرة في التي قبلها كما مضى بما يحث عليه ويقبل بقلب كل عاقل إليه فقال : { لتخرج الناس } أي عامة قومك وغيرهم بدعائك إياهم به وإن كانوا ذوي اضطراب { من الظلمات } التي هي أنواع كثيرة من الضلالات التي أدت إليها الجهالات { إلى النور } الذي هو واحد ، وهو سبيل الله المدعو بالهداية إليه في الفاتحة ، أو لتبين للعرب قومك لأنه بلسانهم بياناً شافياً ، فتجعلهم - بما تقيم عليهم من الحجج الساطعة ، وتوضح لهم من البراهين القاطعة ، وتنصب لهم من الأعلام الظاهرة ، وتحكم لهم من الأدلة الباهرة - في مثل ضوء النهار بما فتح من مقفل أبصارهم ، وكشف عن أغطية قوبهم ، فيكونوا متمكنين من أن يخرجوا من ظلمات الكفر التي هي طرق الشيطان إلى نور الإيمان الذي هو سبيله { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] وشبه الإيمان وما أرشد إليه بالنور ، لأنه عصمة العقل من الخطأ في الطريق إلى الله كما أن النور عصمة البصر من الضلال عن الطريق الحسي ، وإذا خرجوا إلى النور كانوا جديرين بأن يخرجوا جميع الناس { بإذن ربهم } أي المحسن إليهم ؛ والإذن : الإطلاق في الفعل بقول يسمع بالأذن ، هذا أصله - قاله الرماني . ولما كان النور مجملاً ، بينه على سبيل الاستئناف أو البدل بتكرير العامل فقال : { إلى صراط العزيز } الذي تعالى عن صفات النقص فعز عن أن يدخل أحد صراطه الذي هو ربه ، أو يتعرض أحد إلى سالكه بغير إذنه { الحميد } المحيط بجميع الكمال ، فهو المستحق لجميع المحامد لذاته وبما يفيض على عباده من النعم التي يربيهم ويتحمد إليهم بها على كل حال ، فكيف إذا سلكوا سبيله الواضح الواسع السهل ! . ولما أضاف طريق النجاة إلى وصفين يجوز إطلاق كل منهما على الخلق ، بينهما باسمه الشريف العَلم على الاستئناف في قراءة نافع وابن عامر بالرفع . وعلى أنه عطف بيان في قراءة الباقين بالجر لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لاختصاصه بالمعبود بحق ووصفه بما اقتضى توحيده ، فقال : { الله } أي المحيط علماً وقدرة { الذي له ما في السماوات } أي الأجسام العالية من الأراضي وغيرها . ولما كان في سياق الدلالة على الخالق وإثبات توحيده ، أكد بإعادة الموصول مع صلته فقال : { وما في الأرض } أي فويل لمن أشرك به شيئاً منهما أو فيهما ، فإنه لا أبين من أن ما كان مملوكاً لا يصلح لأن يكون شريكاً . ويجوز أن يكون التقدير : فوأل ونجاة وسلامة لمن اهتدى به فخرج من ظلمات الكفر { وويل } مصدر بمعنى الهلاك ، ينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة أن معنى الهلاك - وهو ضد الوأل الذي هو النجاة - ثابت { للكافرين } الذين ستروا أدلة عقولهم { من عذاب شديد } تتضاعف آلامه وقوته ؛ والشدة : تجمع يصعب معه التفكيك .