Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 12-13)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان ربما قال بعض الضلال : إن هذه الأشياء مستندة إلى تأثير الأفلاك ، نبه على أنها لا تصلح لذلك بكونها متغيرة فلا بد لها من قاهر أثر فيها التغير ، ولا يزال الأمر كذلك إلى أن ينتهي إلى واحد قديم فاعل بالاختيار ، لما تقرر من بطلان التسلسل ، فقال تعالى : { وسخر لكم } أي أيها الناس لإصلاح أحوالكم { الَّيل } للسكنى { والنهار } للابتغاء ؛ ثم ذكر آية النهار فقال تعالى : { والشمس } أي لمنافع اختصها بها ، ثم ذكر آية الليل فقال : { والقمر } لأمور علقها به { والنجوم } أي لآيات نصبها لها ، ثم نبه على تغيرها بقوله : { مسخرات } أي بأنواع التغير لما خلقها له على أوضاع دبرها { بأمره } سبباً لصلاحكم وصلاح ما به قوامكم ، دلالة على وحدانيته وفعله بالاختيار ، ولو شاء لأقام أسباباً غيرها أو أغنى عن الأسباب . ولما كان أمرها مع كونه محسوساً - ليس فيه من المنافع القريبة الأمر السهلة الملابسة ما يشغل عن الفكر فيه ، لم يحل أمره إلى غير مطلق العقل ، إشارة إلى وضوحه وإن كان لا بد فيه من استعمال القوة المفكرة ، ولأن الآثار العلوية أدل على القدرة الباهرة ، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة ، فقال : { إن في ذلك } أي التسخير العظيم { لآيات } أي كثيرة متعددة عظيمة { لقوم يعقلون } وجمع الآيات لظهور تعدادها بالتحديث عنها مفصلة . ولما كان ما مضى موضعاً للتفكر المنتج للعلم بوحدة الصانع واختياره ، وكان التفكر في ذلك مذكراً بما بعده من سر التفاوت في اللون الذي لا يمكن ضبط أصنافه على التحرير ، وكان في ذلك تمام إبطال القول بتأثير الأفلاك والطبائع ، لأن نسبتها إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة ، قال تعالى عطفاً على الليل : { وما ذرأ } أي خلق وبث وفرق التراب والماء { لكم } أي خاصة ، فاشكروه واعلموا أنه ما خصكم بهذا التدبير العظيم إلا لحكم كبيرة أجلَّها إظهار جلاله يوم الفصل { في الأرض } أي مما ذكر ومن غيره حال كونه { مختلفاً ألوانه } حتى في الورقة ، الواحدة ، فترى أحد وجهيها - بل بعضه - في غاية الحمرة ، والآخر في غاية السواد أو الصفرة ونحو ذلك ، فلو كان المؤثر موجباً بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار ، فعلم قطعاً أنه إنما هو قادر مختار ، ولم يذكر اختلاف الصور لأن دلالتها - لأجل اختلاف أشكال النجوم من السماء وصور الجبال والروابي والوهاد من الأرض - ليست على إبطال الطبيعة كدلالة اختلاف اللون . ولما كان ذلك - وإن كان خارجاً عن الحد في الانتشار - واحداً من جهة كونه لوناً ، وحد الآية فقال : { إن في ذلك } الذي ذرأه في هذه الحال على هذا الوجه العظيم { لآية } ولما نبه في التي قبلها على أن الأمر وصل في الوضوح إلى حد لا يحتاج معه إلى غير بديهة العقل ، نبه هنا على أن ذلك معلوم طرأ عليه النسيان والغفلة ، حثاً على بذل الجهد في تأمل ذلك ، وإشارة إلى أن دلالته على المقصود في غاية الوضوح فقال : { لقوم يذكرون * } ولو لم يمنعوا - بما أفاده الإدغام ؛ والتذكر : طلب المعنى بالتفكر في متعلقه ، فلا بد من حضور معنى يطلب به غيره ، وقد رتب سبحانه ذلك أبدع ترتيب ، فذكر الأجسام المركبة عموماً ، ثم خص الحيوان ، ثم مطلق الجسم النامي وهو النبات ، ثم البسائط من الماء ونحوه ، ثم الأعراض من الألوان .