Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-63)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تقدم أنهم استبعدوا الإعادة من أجل صيرورتهم بعد الموت رفاتاً ، وأخبر تعالى بقدرته على ذلك ولو صاروا إلى ما هو أعسر عندهم في الإعادة من الرفات بأن يكونوا حجارة أو حديداً ، وأشار إلى قدرته على التصرف بخرق العادة في الحديد بإلانته لعبد من عبيده ، ثم في الحجارة على سبيل الترقي في النشر المشوش بما هو أعجب من ذلك ، وهو إفاضة الحياة عليها لعبد آخر من عبيده ، أشار إلى تصرفه في التراب الذي هو نهاية الرفات الذي حملهم على الاستبعاد بما هو أعجب من كل ما تقدمه ، وذلك بإفاضة الحياة الكاملة بالنطق عليه من غير أن تسبق له حالة حياة أصلاً ، وذلك بخلق آدم عليه السلام الذي هو أصلهم ، مع ما في ذلك من حفظ السياق في التسلية بأن الآيات لا تنفع المحكوم بشقاوته وبأن آدم عليه السلام قد سلط عليه الحاسد واشتد أذاه له مع أنه صفي الله وأول أنبيائه ، مع البيان لأن أغلب أسباب الطغيان الحسد الذي حمل إبليس على ما فعل فقال تعالى : { إذ } أي واذكر أيضاً ما وقع من الطغيان مع رؤية الآيات في أول هذا الكون من إبليس الذي هو من أعلم الخلق بآيات الله وعظمته ، ثم ممن اتبعه من ذرية آدم عليه السلام بعد تحقق عداوته في مخالفة ربهم المحسن إليهم مع ادعاء ولايته إذ { قلنا } أي بما لنا من العظمة التي لا يعصي مرادها شيء { للملائكة } حين خلقنا أباكم آدم وفضلناه : { اسجدوا لآدم } امتثالاً لأمري { فسجدوا إلا إبليس } أبى أن يسجد لكونه ممن حقت عليه الكلمة ولم ينفعه ما يعلمه من قدرة الله وعظمته ، وذلك معنى قوله : { قال } أي لنا منكراً متكبراً : { ءأسجد } أي خضوعاً { لمن خلقت } حال كون أصله { طيناً * } فكفر بنسبته لنا إلى الجور وعدم الحكمة ، متخيلاً أنه أكرم من آدم عليه السلام من حيث إن الفروع ترجع إلى الأصول ، وأن النار التي هي أصله أكرم من الطين ، وذهب عليه إن الطين أنفع من النار فهو أكرم ، وعلى تقدير التنزل فإن الجواهر كلها من جنس واحد ، والله تعالى الذي أوجدها من العدم يفضل بعضها على بعض بما يحدث فيها من الأعراض ، كما تقدمت الإشارة إليه في { ولقد فضلنا بعض النبيّن على بعض } [ الإسراء : 55 ] . ولما أخبر تعالى بتكبره ، كان كأنه قيل : إن هذه لوقاحة عظيمة واجتراء على الجناب الأعلى ، فهل كان غير هذا ؟ فقيل : نعم ! { قال أرءيتك } أي أخبرني { هذا الذي كرمت عليّ } بم كرمته عليّ مع ضعفه وقوتي ؟ فكأنه قيل : لقد أتى بالغاية في إساءة الأدب ، فما كان بعد هذا ؟ فقيل : قال مقسماً لأجل استبعاد أن يجترىء أحد هذه الجراءة على الملك الأعلى : { لئن أخرتن } أي أيها الملك الأعلى تأخيراً ممتداً { إلى يوم القيامة } حياً متمكناً { لأحتنكن } أي بالإغواء { ذريته } أي لأستولين عليهم بشدة احتيالي كما يستولي الآكل على ما أخذه في حنكه ، بتسليطك لي عليهم { إلا قليلاً * } وهم أولياؤك الذين حفظتهم مني ، فكأنه قيل : لقد أطال في الاجتراء فما قال له ربه بعد الثالثة ؟ فقيل : { قال } مهدداً له : { اذهب } أي امض لثباتك الذي ذكرته بإرادتي لا بأمري ، فإنك لن تعدو أمرنا فيك وقد حكمنا بشقاوتك وشقاوة من أردنا طاعته لك ، ولذلك سبب عنه قوله تعالى : { فمن تبعك } أي أدنى اتباع { منهم } أي أولاد آدم عليه السلام ، ويجوز أن يراد بتجريد الفعل أن من تبعه بغير معالجة من فطرته الأولى لا يكون إلا عريقاً في الشر . ولما كان التقدير : أذقته من خزيك ، عبر عنه بقوله تعالى : { فإن جهنم } أي الطبقة النارية التي تتجهم داخلها { جزاؤكم } أي جزاءك وجزاءهم ، تجزون ذلك { جزاء موفوراً * } مكملاً وافياً بما تستحقون على أعمالكم الخبيثة . ومادة " وفر " بجميع تراكيبها - وهي خمسة عشر ، في الواوي ستة : وفر ، ورف ، فور ، فرو ، رفو ، روف ، وفي اليائي ثلاثة : فري ، رفي ، ريف ، وفي المهموز ستة : رفأ ، رأف ، فرأ ، فأر ، أفر ، أرف - تدور على السعة ، والمجاوزة للحد ، والعلو على المقدار ، والفضل عن الكفاية ؛ فالوفر : المكان الكبير ، وسقاء وفر : لم ينقص من أديمه شيء ، وإداوة وفراء ، والوفرة : ما بلغ الأذنين من الشعر ، والوافر : ضرب من العروض وزنه مفاعلتن ست مرات ، والوفر : الغنى ، ومن المال : الكثير الواسع ، والعام من كل شيء ، ووفره توفيراً : أكثره ، ووفر له عرضه : لم يشتمه ، ووفر عطاءه : رده عليه وهو راضٍ ، ووفره توفيراً : أكمله وجعله وافراً - لأن الكمال لا يكاد يتحقق إلا مع زيادة ، والثوب : قطعه وافراً ، والوافرة : ألية الكبش إذا عظمت ، والدنيا ، والحياة ، وكل شحمة مستطيلة ، وهم متوافرون : فيهم كثرة ، واستوفر عليه حقه : استوفاه . وورف النبت يرف إذا رأيت له بهجة من ريه ، ولا يكون ذلك إلا من نضارته واتساعه وكونه ملء العين ، وورف الظل يرف ورفاً ووريفاً ووروفاً : اتسع وطال وامتد كأورف وورّف والورف : ما رق من نواحي الكبد - لزيادته واسترخائه ، والرفة - كعدة : الناضر من النبت ، وورفته توريفاً : مصصته ، والأرض : قسمتها - كأنه من الإزالة . وفارت القدر - إذا غلت حتة يعلو ما فيها فتفيض ، وكل حارّ يفور فوراً ، وفار العرق - إذا انتفخ ، زاد في القاموس : وضرب ، والمسكُ ، انتشر ، وفارة الإبل : فوح جلودها إذا نديت بعد الورد ، والفائر : المنتشر العصب من الدواب وغيرها ، وأتوا من فورهم : من وجههم أو قبل أن يسكنوا - لأن حركتهم توسع وانتشار فسميت فوراً والفار : عضل الإنسان - لأنه أثخن مما دونه ، والفور - بالضم : الظباء ، جمع فائر - لأنه من أسرع الحيوان نفاراً ، وأشدها وثباً ، وأوسعها عدواً ، وقال القزاز : والفارة والفورة : ريح تكون في رسغ الفرس تنفش إذا مسحت وتجتمع إذا تركت ، وقال في فأر : فإذا مشى انفشت ، وأعاده في القاموس في المهموز فقال : والفأرة له - أي للذكر من الحيوان المعروف - وللأنثى ، وريح في رسغ الدابة تنفش إذا محست وتجتمع إذا تركت كالفورة بالضم ، والفور : ولد الحمار - لخفته وسرعة حركته ووثبه ، وفوارتا الكرش : غدتان في جوف لحمتين ، وقيل : الفوارة : اللحمة - التي في داخلها الغدة ، وقيل : تكونان لكل ذي لحم ، وذلك لوجوب الزيادة سواء قلنا : إنها لحمة أو غدة ، وقال القزاز : وقالوا : ماء الرجل إنما يقع في الكلية ثم في الفوارة ثم في الخصية ، فعلى هذا سمي لأنه يقذف ما فيه إلى الخصية ، والفياران - بالكسر : حديدتان تكتنفان لسان الميزان لاتساعهما عن اللسان ، والفيرة - بالكسر بالهمز وبغيره : تمر يغلى ويمرس ويطبخ بحلبة تشربها النفساء قاله القزاز ، وفي مختصر العين : حلبة تطبخ ؛ فإذا فارت فوارتها ألقيت في معصرة ثم صفيت وتحسيها النفساء ، وأعاده في القاموس في المهموز وقال : والفئرة - بالكسر - والفؤارة كثمامة والفئيرة والفئرة كعنبة ويترك همزها : حلبة تطبخ للنفساء - سميت إما لغليانها وإما للاتساع بجمع التمر والحلبة . والفرو والفروة : لبس معروف - لخروج صوفها وزيادة الرفق به ، كأنها أصل المادة كلها ، وفروة الرأس : جلدته بشعرها ، والفروة : الأرض البيضاء ليس لها نبات - لأنه أوسع لها من حيث هي ، والفروة : الغنى والثروة وقطعة نبات مجتمعة يابسة ، وجبة شمر كماها - لأنه لولا زيادتهما ما شمرا ، ونصف كساء يتخذ من أوبار الإبل - كأنه شبه بالفروة لطول وبره ، وخريطة يجعل السائل فيها صدقته ، والتاج - لاتساعه وعلوه وكماله ولغنى صاحبه ، وخمار المرأة - لزيادته على كفايتها ولسبوغه وفضله عن رأسها . ورفا الثوب يرفوه : أصلحه ولأم خرقه : وقال في القاموس : في المهموز : وضم بعضه إلى بعض ، قال القزاز : والهمز أكثر ؛ والرفاء - ككساء : الالتحام والاجتماع والاتفاق ، ومنه ما يدعى به للمتزوج : بالرفاء والبنين ، وأعادوه في المهموز . وقال في القاموس : أي بالالتئام وجمع الشمل ، قال القزاز : ومعنى رفا : تزوج ، والأرفى : العظيم الأذنين في استرخاء ، قال القزاز : والأذن الرفواء هي التي تقبل على الأخرى حتى تكاد تماس أطرافهما ؛ ورفوت الرجل : إذا سكنته من رعب ، وأعاده في القاموس في المهموز - لأن ذلك أوسع لفكره لأنه أقر لعينه . والروف : السكون - وهو أوسع من الاضطراب لأنه لا يكون إلا عن قرار العين ، قال في القاموس : وليس من الرأفة ، والروفة : الرحمة ، وراف يراف لغة في رأف يرأف - وستأتي بقيتها قريباً إن شاء الله تعالى .