Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-90)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم ، عقبها بقصة من طاف الأرض لطلب الجهاد ، وقدم الأولى إشارة إلى علو درجة العلم لأنه أساس كل سعادة ، وقوام كل أمر ، فقال عاطفاً على { ويجادل الذين كفروا بالباطل } [ الكهف : 56 ] { ويسألونك عن } الرجل الصالح المجاهد { ذي القرنين } سمي لشجاعته أو لبلوغه قرني مغرب الشمس ومشرقها ، أو لانقراض قرنين من الناس في زمانه ، أو لأنه كان له ضفيرتان من الشعر أو لتاجه قرنان ، وهو الإسكندر الأول - نقل ابن كثير عن الأزرقي أنه كان على زمن الخليل عليه السلام ، وطاف معه بالبيت ، ومن المناسبات الصورية أن في قصة كل منهما ثلاثة أشياء آخرها بناء جدار لا سقف له ، وإنما هو لأجل حفظ ما يهتم به خوف المفسد ، وصدّرها بالإخبار عن سؤالهم إشارة إلى أنهم لم يسألوا عن التي قبلها على ما فيها من العجائب واللطائف ، والأسرار والمعارف ، تبكيتاً لليهود في إغفال الأمر بالسؤال عنها إن كان مقصودهم الحق ، وإن لم يكن مقصوداً لهم كانوا بالتبكيت أجدر ، أو تكون معطوفة على مسألتهم الأولى وهي الروح ، وصدرها بالإخبار بالسؤال تنبيهاً على ذلك لطول الفصل ، إشارة إلى أن ذلك كله مرتبط بجوابهم ارتباط الدر بالسلك . ولما كان من المعلوم أنه يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : فبماذا أجيبهم ؟ قال : { قل } أي لهم : { سأتلوا } أي أقص قصاً متتابعاً في مستقبل الزمان إن أعلمني الله به { عليكم } أيها المشركون وأهل الكتاب المعلمون لهم مقيداً بأن شاء الله كما سلف لك الأمر به { منه ذكراً * } كافياً لكم في تعرف أمره ، جامعاً لمجامع ذكره . ولما كانت قصته من أدل دليل على عظمة الله ، جلاها في ذلك المظهر فقال : { إنا } مؤكداً لأن المخاطبين بصدد التعنت والإنكار { مكنا } أي بما لنا من العظمة ، قيل : بالملك وحده ، وقيل مع النبوة ، لأن ما ينسب إلى الله تعالى على سبيل الامتنان والإحسان جدير بأن يحمل على النهاية لا سيما إذا عبر عنه بمظهر العظمة { له في الأرض } مكنة يصل بها إلى جميع مسلوكها ، ويظهر بها على سائر ملوكها { وءاتيناه } بعظمتنا { من كل شيء } يحتاج إليه في ذلك { سبباً } قال أبو حيان : وأصل السبب الحبل ، ثم توسع فيه حتى صار يطلق على ما يتوصل به إلى المقصود . فأراد بلوغ المغرب ، ولعله بدأ به لأن باب التوبة فيه { فأتبع } أي بغاية جهده - هذا على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو بالتشديد ، والمعنى على قراءة الباقين بقطع الهمزة وإسكان الفوقانية : ألحق بعض الأسباب ببعض ، وذلك تفسير لقراءة التشديد { سبباً * } يوصله إليه ، واستمر متبعاً له { حتى إذا بلغ } في ذلك المسير { مغرب الشمس } أي الحد الذي لا يتجاوزه آدمي في جهة الغرب { وجدها } فيما يحس بحاسة لمسه { تغرب } كما أحسه بحاسة بصره من حيث إنه متصل بما وصل إليه بيده ، لا حائل بينه وبينه { في عين حمئة } أي ذات حمأة أي طين أسود ، وهي مع ذلك حارة كما ينظر من في وسط البحر أنها تغرب فيه وتطلع منه وعنده القطع بأن الأمر ليس كذلك { ووجد عندها } أي على الساحل المتصل بتلك العين { قوماً } كفاراً لهم قوة على ما يحاولونه ومنعة ، فكأنه قيل : ماذا أمر فيهم ؟ فأجيب بقوله : { قلنا } بمظهر العظمة : { يا ذا القرنين } إعلاماً بقربه من الله وأنه لا يفعل إلا ما أمره به ، إما بواسطة الملك إن كان نبياً وهو أظهر الاحتمالات ، أو بواسطة نبي زمانه ، أو باجتهاده في شريعته الاجتهاد المصيب ، { إما أن تعذب } أي هؤلاء القوم ببذل السيف فيهم بكفرهم { وإما أن تتخذ } أي بغاية جهدك { فيهم حسناً * } أمراً له حسن عظيم ، وذلك هو البداءة بالدعاء ، إشارة إلى أن القتل وإن كان جائزاً فالأولى أن لا يفعل إلا بعد اليأس من الرجوع عن موجبه { قال أما من ظلم } باستمراره على الكفر فإنا نرفق به حتى نيأس منه ثم نقتله ، وإلى ذلك أشار بقوله : { فسوف نعذبه } بوعد لا خلف فيه بعد طول الدعاء والترفق { ثم يرد } بعد الحياة بالموت ، أو بعد البرزخ بالبعث ، رداً هو في غاية السهولة { إلى ربه } الذي تفرد بتربيته { فيعذبه عذاباً نكراً * } شديداً جداً لم يعهد مثله لكفره لنعمته ، وبذل خيره في عبادة غيره ، وفي ذلك إشارة بالتهديد الشديد لليهود الغارين لقريش ، وإرشاد لقريش إلى أن يسألوهم عن قوله هذا ، ليكون قائداً لهم إلى الإقرار بالبعث { وأما من ءامن وعمل صالحاً } تصديقاً لما أخبر به من تصديقه { فله } في الدارين { جزاء } طريقته { الحسنى } منا ومن الله بأحسن منها { وسنقول } بوعد لا خلف فيه بعد اختباره بالأعمال الصالحة { له } أي لأجله { من أمرنا } الذي نأمر به فيه { يسراً * } أي قولاً غير شاق من الصلاة والزكاة والخراج والجهاد وغيرها ، وهو ما يطيقه ولا يشق عليه مشقة كبيرة { ثم أتبع } لإرادته بلوغ مشرق الشمس { سبباً * } من جهة الجنوب يوصله إلى المشرق واستمر فيه لا يمل ولا تغلبه أمة مر عليها { حتى إذا بلغ } في مسيره ذلك { مطلع الشمس } أي الموضع الذي تطلع عليه أولاً من المعمور من الأرض { وجدها تطلع على قوم } على ساحل البحر لهم قوة شديدة { لم نجعل لهم } ولما كان المراد التعميم ، أثبت الجار فقال : { من دونها } أي من أدنى الأماكن إليهم أول ما تطلع { ستراً * } يحول بينهم وبين المحل الذي يرى طلوعها منه من البحر من جبل ولا أبنية ولا شجر ولا غيرها .