Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 72-76)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الخلاص منها بعد ذلك مستبعداً ، قال مشيراً إليه بأداة البعد : { ثم ننجي } أي تنجية عظيمة على قراءة الجماعة ، ومطلق إنجاء على قراءة الكسائي ، وكأن ذلك باختلاف أحوال الناس مع أن المطلق لا ينافي المقيد { الذين اتقوا } أي كانوا متقين منها بأن تكون عليهم حال الورود برداً وسلاماً { ونذر الظالمين } أي نترك على أخبث الأحوال الذين وضعوا الأشياء في غير مواضعها واستمروا على ذلك فكانوا في أفعالهم خابطين كالأعمى { فيها جثياً * } كما كانوا حولها لا يهتدون إلى وجه يخلصون به منها . ولما كان هذا جديراً بالقبول لقيام الأدلة على كمال قدرة قائله ، وتنزهه عن إخلاف القول ، لبراءته من صفات النقص ، قال معجباً من منكره عاطفاً على قوله { ويقول الإنسان } : { وإذا تتلى عليهم } أي الناس ، من أيّ تال كان { ءاياتنا } حال كونها { بينات } لا مرية فيها ، بأن تكون محكمات ، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات ، أو ببيان النبي صلى الله عليه وسلم فهي حال مؤكدة أو كاشفة { قال الذين كفروا } بآيات ربهم البينة ، جهلاً منهم ونظراً إلى ظاهر الحياة الدنيا الذي هو مبلغهم من العلم { للذين ءامنوا } أي لأجلهم أو مواجهة لهم ، إعراضاً عن الاستدلال بالآيات ، ووجوه دلالتها البينات ، بالإقبال على هذه الشبهة الواهية - وهي المفاخرة بالمكاثرة في الدنيا - من قولهم : { أي الفريقين } نحن - بما لنا من الاتساع ، أم أنتم - بما لكم من خشونة العيش ورثاثة الحال { خير مقاماً } أي موضع قيام أو إقامة - على قراءة ابن كثير بضم الميم والجماعة بفتحها : { وأحسن ندياً * } مجمعاً ومتحدثاً باعتبار ما في كل من الرجال ، وما لهم من الزي والأموال ، ويجعلون ذلك الامتحان بالإنغام والإحسان دليلاً على رضى الرحمن ، مع التكذيب والكفران ، ويغفلون عن أن في ذلك - مع التكذيب بالبعث - تكذيباً مما يشاهدونه منا من القدرة على العذاب بإحلال النقم ، وسلب النعم ، ولو شئنا لأهلكناهم وسلبنا جميع ما يفتخرون به { وكم أهلكنا } بما لنا من العظمة . ولما كان المراد استغراق الزمان ، لم يأت بالجار إعلاماً بأن المتقدمين كلهم كانوا أرغد عيشاً وأمكن حالاً فقال : { قبلهم من قرن } أي شاهدوا ديارهم ، ورأوا آثارهم ؛ ثم وصف كم بقوله : { هم } أي أهل تلك القرون { أحسن } من هؤلاء { أثاثاً } أي أمتعة { ورئياً * } أي منظراً ، فكأنه قيل : فما يقال لهم ؟ فقال : { قل } أي لهم رداً عليهم وقطعاً لمعاذيرهم وهتكاً لشبههم : هذا الذي افتخرتم به لا يدل على حسن الحال في الآخرة ، بل على عكس ذلك ، فقد جرت عادته سبحانه أنه { من كان في الضلالة } مثلكم كوناً راسخاً بسط له في الدنيا وطيب عيشه في ظاهر الحال فيها ، ونعم بأنواع الملاذ ، وعبر عن أن ذلك لا يكاد يتخلف عن غير من حكم بإلزامه المسكنة من اليهود بلام الأمر ، إيذاناً بوجوده وجود المأمور به الممتثل في قوله : { فليمدد } وأشار إلى التحلي لهم بصفة الإحسان بقوله : { له الرحمن } أي العام الامتنان { مداً * } في العاجلة بالبسط في الآثار ، والسعة في الديار ، والطول في الأعمار ، وإنفاقها فيما يستلذ من الأوزار الكبار ، فيزيده العزيز الجبار بذلك ضلالة ، فيا له من خسار ، وتباب وتبار ، لمن له استبصار ، ولا نزال نمد هل استدراجاً { حتى } وحقق أخذهم بأداة التحقيق فقال : { إذا رأوا } أي كل من كفر بالله بأعينهم وإن ادعوا أنهم يتعاضدون ويتناصرون ، ولذلك جمع باعتبار المعنى { ما يوعدون } من قبل الله { إما العذاب } في الدنيا بأيدي المؤمنين أو غيرهم ، أو في البرزخ { وإما الساعة } التي هم بها مكذبون ، وعن الاستعداد لها معرضون ، ولا شيء يشبه أهوالها ، وخزيها ونكالها . ولما كان الجواب : علموا أن مكانهم شر الأماكن ، وأن جندهم أضعف الجنود ، عبر عنه بقوله تهديداً : { فسيعلمون } إذا رأوا ذلك { من هو شر مكاناً } أي من جهة المكان الذي قوبل به المقام { وأضعف جنداً * } هم أو المؤمنون ، أي أضعف من جهة الجند الذي أشير به إلى النديّ ، لأن القصد من فيه ، وكأنه عبر بالجند لأن قصدهم المغالبة وما كل من في النديّ يكون مقاتلاً . ولما كان هذا لكونه استدراجاً زيادة في الضلال ، قابله بقوله ، عطفاً على ما تقدم تقديره تسبيباً عن قوله { فليمدد } وهو : فيزيده ضلالاً ، أو على موضع { فليمدد } : { ويزيد الله } وعبر بالاسم العلم إشارة إلى التجلي لهم بجميع الصفات العلى ليعرفوه حق معرفته { الذين اهتدوا هدى } عوض ما زوى عنهم ومنعهم من الدنيا لكرامتهم عنده مما بسطه للضلال لهوانه عليه ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر السعة بالمد للضال أولاً دليلاً على حذف الضيق بالمنع للمهتدي ثانياً ، وزيادة الهداية ثانياً دليلاً على حذف زيادة الضلال أولاً ، وأشار إلى أنه مثل ما خذل أولئك بالنوال ، وفق هؤلاء لمحاسن الأعمال ، بإقلال الأموال فقال : { والباقيات } ثم وصفها احترازاً من أفعال أهل الضلال بقوله : { الصالحات } أي من الطاعات والمعارف التي شرحت لها الصدور ، فأنارت بها القلوب ، وسلمت من إحباط الذنوب ، فأوصلت إلى علام الغيوب { خير عند ربك } مما متع به الكفرة ومدوا به - على تقدير التنزل إلى تسميته خيراً ، وإضافة الرب إليه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه يربيها تربية تبلغ أقصى ما يرضيه في كل تابعيه ؛ ثم بين جهة خيرية هذا بقوله : { ثواباً } أي من جهة الثواب { وخير مرداً * } أي من جهة العاقبة يوم الحسرة وهو كالذي قبله ، أو على قولهم : الصيف أحر من الشتاء بمعنى أنه في حره أبلغ منه في برده . فالكفرة يردون إلى خسارة وفناء ، والمؤمنون إلى ربح وبقاء .