Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 85-93)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما بين مآل حال الكافرين في آلهتهم ودليله ، أتبعه بوقته فقال : { يوم } أي يكفرون بعبادتهم يوم { نحشر المتقين } أي العريقين في هذا الوصف ؛ ولما تقدمت سورة النعم العامة النحل ، وأتبعت سورة النعم الخاصة بالمؤمنين وبعض العامة ، مثل { ولقد كرمنا بني آدم } [ الإسراء : 70 ] ، ثم سورتي الخاصة بالصالحين الكهف وهذه ، قال : { إلى الرحمن } فيدخلهم دار الرضوان ، فذكر الاسم الدال على عموم الرحمة ، وكرره في هذه السورة تكريراً دل على ما فهمته ، وربما أيد ذلك افتتاح النحل بنعمة البيان على هذا الإنسان التي عبر عنها بالخصيم ، وختام هذه بالقوم اللد من حيث رد مقطع هذه التي كانت بالنظر إلى النعم شيئاً واحداً على مطلعها { وفداً * } أي القادمين في إسراع ورفعة وعلى ، كما تقدم الوفود على الملوك ، فيكونون في الضيافة والكرامة . ولما ذكر ما يدل على كرامة أوليائه ، أتبعه ما يدل على إهانة أعدائه فقال : { ونسوق المجرمين } أي بالكفر وغيره من المعصية ، كالبهائم سوقاً عنيفاً مزعجاً حثيثاً { إلى جهنم } بسطوة المنتقم الجبار { ورداً * } أي عطاشاً { لا يملكون الشفاعة } أي لا يملك أحد من القسمين أن يَشفَع ولا أن يشفَّع فيه { إلا من اتخذ } أي كلف نفسه واجتهد في أن أخذ { عند الرحمن عهداً * } بما وفقه له من الإيمان والطاعة التي وعده عليها أن يشفع أو أن يشفع فيه ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر الرحمن أولاً دليلاً على المنتقم ثانياً ، وجهنم ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً . ولما أبطل مطلق الشفعاء ، وكان الولد أقرب شفيع ، وكانوا قد ادعوا له ولداً ، أبطل دعواهم فيه لينتفي كل شفيع خاص وعام ، فينتفي كل عز راموه بشفاعة آلهتهم وغيرها . فقال عاطفاً على قوله : { واتخذوا من دون الله آلهة } موجباً منهم : { وقالوا } أي الكفرة { اتخذ الرحمن } أي الذي لا منعم غيره ، فكل أحد محتاج إليه وهو غني عن كل أحد { ولداً * } قالت اليهود : عزير ، والنصارى : المسيح ، والمشركون : الملائكة ، مع قيام الأدلة على استحالته عليه سبحانه ؛ ثم استأنف الالتفات إلى خطابهم بأشد الإنكار ، إيماء إلى تناهي الغضب فقال : { لقد } أي وعزتي ! لقد { جئتم شيئاً إدّاً * } أي عظيماً ثقيلاً منكراً ؛ ثم بين ثقله بقوله : { تكاد السماوات } على إحكامها ، مع بعدها من أصحاب هذا القول { يتفطرن } أي يأخذن في الانشقاق { منه } أي من هذا الشيء الإدّ { وتنشق الأرض } على تحتها شقاً نافذاً واسعاً { وتخر } أي تسقط سريعاً { الجبال } على صلابتها { هداً * } كما ينفسخ السقف تحت ما لا يحتمله من الجسم الثقيل ، لأجل { أن ادعوا } أي سموا { للرحمن } الذي كل ما سواه نعمة منه { ولداً * } هذا المفعول الثاني ، وحذف الأول لإرادة العموم { وما ينبغي } أي ما يصح ولا يتصور { للرحمن أن يتخذ ولداً * } لأنه غير محتاج إلى الولد بوجه ، ومع ذلك فهو محال ، لأن الولد لا يكون إلا مجانساً للوالد ، ولا شيء من النعم بمجانس للمنعم المطلق الموجد لكل ما سواه ، فمن دعا له ولداً قد جعله كبعض خلقه ، وأخرجه عن استحقاق هذا الاسم ، ثم أقام الدليل على غناه عن ذلك واستحالته عليه ، تحقيقاً لوحدانيته ، وبياناً لرحمانيته ، فهدم بذلك الكفر بمطلق الشريك بعد أن هدم الكفر بخصوص الولد فقال : { إن } أي ما { كل من } أي شيء من العقلاء ، فهو نكرة موصوفة لوقوعها بعد كل وقوعها بعد رب { في السماوات والأرض } الذين ادعوا أنهم ولد وغيرهم { إلا } . ولما كان من العبد من يعصي على سيده ، عبر بالإتيان فقال : { ءاتي الرحمن } العام بالإحسان ، أي منقاد له طوعاً أو كرهاً في كل حالة وكل وقت { عبداً * } مسخراً مقهوراً خائفاً راجياً ، فكيف يكون العبد ابناً أو شريكاً ؟ فدلت الآية على التنافي بين العبودية والولدية ، فهي من الدليل على عتق الولد والوالد إذا اشتريا .