Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 21-28)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كانوا عند هذا البيان جديرين بأن يبادروا إلى التوحيد فلم يفعلوا ، كانوا حقيقين بعد الإعراض عنهم - بالتوبيخ والتهكم والتعنيف فقال تعالى : { أم اتخذوا } أي أعلموا أن كل شيء تحت قهره نافذ فيه أمره فرجعوا عن ضلالهم ، أم لم يعلموه ، أو عملوا ما ينافيه فاتخذوا { ءالهة } . ولما كانت معبوداتهم أصناماً أرضية من حجارة ونحوها قال : { من الأرض } أي التي هم مشاهدون لأنها وكل ما فيها طوع مشيئته { هم } أي خاصة { ينشرون * } أي يحيون شيئاً مما فيها من الأجسام النامية حتى يستحقوا بذلك صفة الإلهية ، وإفادة السياق الحصر تفيد أنه لو وقع الإنشاء لأحد على وجه يجوّز مشاركة غيره له لم يستحق العبادة ، وفي هذا الاستفهام تهكم بهم بالإشارة إلى أنهم عبدوا ما هو من أدنى ما في الأرض مع أنه ليس في الأرض ما يستحق أن يعبد ، لأن الإنسان أشرف ما فيها ، ولا يخفى ما له من الحاجة المبعدة من تلك الرتبة الشماء . ولما كان الجواب قطعاً : لم يتخذوا آلهة بهذا الوصف ، ولا شيء غيره سبحانه يستحق وصف الإلهية ، أقام البرهان القطعي على صحة نفي إله غيره ببرهان التمانع ، وهو أشد برهان لأهل الكلام فقال : { لو كان فيهما } أي السماوات والأرض ، أي في تدبيرهما . ولما كان الأصل فيما بعد كل من " إلا " و " غير " أن يكون من جنس ما قبلهما وإن كان مغايراً له في العين ، صح وضع كل منهما موضع الآخر ، واختير هنا التعبير بأداة الاستثناء والمعنى للصفة إذ هي تابعة لجميع منكور غير محصور الإفادة إثبات الإلهية له سبحانه مع النفي عما عداه ، لأن { لولا } - لما فيها من الامتناع - مفيدة للنفي ، فالكلام في قوة أن يقال " ما فيهما " { ءالهة إلا الله } أي مدبرون غير من تفرد بصفات الكمال ، ولو كان فيهما آلهة غيره { لفسدتا } لقضاء العادة بالخلاف بين المتكافئين المؤدي إلى ذلك ، ولقضاء العقل بإمكان الاختلاف اللازم منه إمكان التمانع اللازم منه إمكان عجز أحدهما اللازم منه أن لا يكون إلهاً لحاجته ، وإذا انتفى الجمع ، انتفى الاثنان من باب الأولى ، لأن الجمع كلما زاد حارب بعضهم بعضاً فقل الفساد كما نشاهد . ولما أفاد هذا الدليل أنه لا يجوز أن يكون المدبر لها إلا واحداً ، وأن ذلك الواحد لا يكون إلا الله قال : { فسبحان الله } أي فتسبب عن ذلك تنزه المتصف بصفات الكمال { رب العرش } أي الذي هو نهاية المعلومات من الأجسام ، ورب ما دونه من السماوات والأراضي وما فيهما المتفرد بالتدبير ، كما يتفرد الملك الجالس على السرير { عما يصفون * } مما يوهم نقصاً ما ، ثم علل ذلك بقوله : { لا يسأل } أي من سائل ما { عما يفعل } أي لا يعترض عليه لأنه لا كفوء له في علم ولا حكمة ولا قدرة ولا عظمة ولا غير ذلك ، فليس في شيء من أفعاله لإتقانها موضع سؤال ، فمهما أراد كان ومهما قال فالحسن الجميل ، فلو شاء لعذب أهل سماواته وأهل أرضه ، وكان ذلك منه عدلاً حسناً ، وهذا مما يتمادح به أولو الهمم العوال ، كما قال عامر الخصفي في هاشم بن حرملة بن الأشعر : @ أحيا أباه هاشم بن حرملة يوم الهباءات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربلة يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له @@ قال ابن هشام في مقدمة السيرة قبل " أمر البسل " بقليل : أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات وحدثني أن هاشم قال لعامر : قل فيّ بيتاً جيداً أثبك عليه ، فقال عامر البيت الأول فلم يعجب هاشماً ، ثم قال البيت الثاني فلم يعجبه ، ثم قال الثالث فلم يعجبه ، فلما قال الرابع " ويقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له " أعجبه فأثابه عليه ، ومن أعجب ما رأيت في حكم الأقدمين أن الشهر ستاني قال في الملل : وقد سأل بعض الدهرية أرسطاطاليس فقال : إذا كان لم يزل ولا شيء غيره ثم أحدث العالم فلم أحدثه ؟ فقال : " لِمَ " غير جائز عليه ، لأن لم تقتضي علة والعلة محمولة فيما هي علة له من معلّ فوقه ولا علة فوقه ، وليس بمركب فتحمل ذاته العلل ، فلم عنه منفية . { وهم يسألون * } من كل سائل لما في أفعالهم من الاختلال بل يمنعون عن أكثر ما يريدون . ولما قام الدليل ، ووضح السبيل ، واضمحل كل قال وقيل ، فانمحقت الأباطيل ، قال منبهاً لهم على ذلك : { أم } أي أرجعوا عن ضلالهم لما بان لهم غيهم فيه فوحدوا الله أم { اتخذوا } ونبه على أن كل شيء دونه وأثبت أن آلهتهم بعض من ذلك بإثبات الجار فقال منبهاً لهم مكرراً لما مضى على وجه أعم ، طالباً البرهان تلويحاً إلى التهديد : { من دونه ءالهة } من السماء أو الأرض وغيرهما . ولما كان جوابهم : اتخذنا ، ولا يرجع أمره بجوابهم فقال : { قل هاتوا برهانكم } على ما ادعيتموه من عقل أو نقل كما أثبت أنا ببرهان النقل المؤد بالعقل . ولما كان الكريم سبحانه لا يؤاخذ بمخالفة العقل ما لم ينضم إليه دليل النقل ، أتبعه قوله مشيراً إلى ما بعث الله به الرسل من الكتب : { هذا ذكر } أي موعظة وشرف { من معي } ممن آمن بي وقد ثبت أنه كلام الله بعجزكم عن معارضته فانظروا هل تجدون فيه شيئاً يؤيد أمركم { وذكر } أي وهذا ذكر { من قبلي } فاسألوا أهل الكتابين هل في الكتاب منهما برهان لكم . ولما كانوا لا يجدون شبهة لذلك فضلاً عن حجة اقتضى الحال الإعراض عنهم غضباً ، فكان كأنه قيل : لا يجدون لشيء من ذلك برهاناً { بل أكثرهم } أي هؤلاء المدعوين { لا يعلمون الحق } بل هم جهلة والجهل أصل الشر والفساد ، فهم يكفرون تقليداًُ { فهم } أي فتسبب عن جهلهم ما افتتحنا به السورة من أنهم { معرضون * } عن ذكرك وذكر من قبلك غفلة منهم عما يراد بهم وفعلاً باللعب فعلَ القاصر عن درجة العقل ، وبعضهم معاند مع علمه الحق ، وبعضهم يعلم فيفهم - كما أفهمه التقييد بالأكثر . ولما كان التقدير بياناً لما في الذكرين : ولو أقبلوا على الذكر لعلموا أنا أوحينا إليك في هذا الذكر أنه لا إله ألا أنا ، ما أرسلناك إلا لنوحي إليك ذلك ، عطف عليه قوله : { وما أرسلنا } أي بعظمتنا . ولما كان الإرسال بالفعل غير مستغرق للزمان المتقدم لأنه كما أن الرسالة لا يقوم بها كل أحد ، فكذلك الإرسال لا يصلح له كل زمن ، أثبت الجار فقال : { من قبلك } وأعرق في النفي فقال : { من رسول } في شيع الأولين { إلا نوحي إليه } من عندنا { أنه لا إله إلا أنا } ولم يقل : نحن ، لئلا يجعلوها وسيلة إلى شبهة ، ولذا قال : { فاعبدون * } بالإفراد ، وترك التصريح بالأمر بالتخصيص بالعبادة لفهمه من المقام والحال ، فإنهم كانوا قبل ذلك يعبدونه ولكنهم يشركون تنبيهاً على أن كل عبادة فيها شوب شرك عدم . ولما دل على نفي مطلق الشريك عقلاً ونقلاً ، فانتفى بذلك كل فرد يطلق عليه هذا الاسم ، عجب من ادعائهم الشركة المقيدة بالولد ، فقال عاطفاً على قوله { وأسروا النجوى } [ طه : 62 ] : { وقالوا } قيل : الضمير لخزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، وقيل : لليهود حيث قالوا : إنه سبحانه صاهر الجن فكانت منهم الملائكة : { اتخذ } أي تكلف كما يتكلف من يكون له ولد { الرحمن } أي الذي كل موجود من فيض نعمته { ولداً } . ولما كان ذلك أعظم الذنب ، نزه نفسه سبحانه عنه بمجمع التنزيه فقال : { سبحانه } أي تنزه عن أن يكون له ولد ، فإن ذلك يقتضي المجانسة بينه وبين الولد ، ولا يصح مجانسة النعمة للمنعم الحقيقي { بل } الذي جعلوهم له ولداً وهم الملائكة { عباد } من عباده ، أنعم الله عليهم بالإيجاد كما أنعم على غيرهم لا أولاد ، فإن العبودية تنافي الولدية { مكرمون * } بالعصمة من الزلل ، ولذلك فسر الإكرام بقوله : { لا يسبقونه } أي لا يسبقون إذنه { بالقول } أي بقولهم ، لأنهم لا يقولون شيئاً لم يأذن لهم فيه ويطلقه لهم . ولما كان الواقف عما لم يؤذن له فيه قد لا يفعل ما أمر به قال : { وهم بأمره } أي خاصة إذا أمرهم { يعملون * } لا بغيره لأنهم في غاية المراقبة له فجمعوا في الطاعة بين القول والفعل وذلك غاية الطاعة ؛ ثم علل إخباره بذلك بعلمه بما هذا المخبر به مندرج فيه فقال : { يعلم ما بين أيديهم } أي مما لم يعملوه { وما خلقهم } مما عملوه ، أو يكون الأول لما عملوه والثاني لما لم يعلموه ، لأنك تطلع على ما قدامك ويخفى عليك ما خلفك ، أي أن علمه محيط بأحوالهم ماضياً وحالاً ومآلاً ، لا يخفى عليه خافية ؛ ثم صرح بلازم الجملة الأولى فقال : { ولا يشفعون } أي في الدنيا ولا في الآخرة { إلا لمن ارتضى } فلا تطمعوا في شفاعتهم لكم بغير رضاه ، وبلازم الجملة الثانية فقال : { وهم من خشيته } أي لا من غيرها { مشفقون * } أي دائماً .