Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 55-61)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما لم تكن عادته مواجهة أحد بما يكره ، استأنف الإخبار عنهم بما يدل عليه فقال : { قالوا } ظناً منهم أنه لم يقل ذلك على ظاهره : { أجئتنا } في هذا الكلام { بالحق } الذي يطابقه الواقع { أم أنت من اللاعبين * } فظاهر كلامك غير حق { قال } بانياً على ما تقديره : ليس كلامي لعباً ، بل هو جد ، وهذه التماثيل ليست أرباباً { بل ربكم } الذي يستحق منكم اختصاصه بالعبادة { رب السماوات والأرض } أي مدبرهن القائم بمصالحهن { الذي فطرهن * } أي أوجدهما وشق بهما ظلمة العدم ، وأنتم وتماثيلكم مما فيهما من مصنوعاته أنتم تشهدون بذلك إذا رجعتم إلى عقولكم مجردة عن الهوى { وأنا على ذلكم } الأمر البين من أنه ربكم وحده فلا تجوز عبادة غيره { من الشاهدين * } أي الذين يقدرون على إقامة الدليل على ما يشهدون به لأنهم لم يشهدوا إلا على ما هو عندهم مثل الشمس ، لا كما فعلتم أنتم حين اضطركم السؤال إلى الضلال . ولما أقام البرهان على إثبات الإله الحق ، أتبعه البرهان على إبطال الباطل فقال : { وتالله } وهو القسم ، والأصل في القسم الباء الموحدة ، والواو بدل منها ، والتاء بدل من الواو ، وفيها - مع كونها بدلاً - زيادة على التأكيد بالتعجب : قال الأصبهاني : كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده - انتهى . وفيها أيضاً أنها تدل على رجوع التسبب باطناً ، فكأنها إشارة إلى أنه بعد أن تسبب في ردهم عن عبادتها ظاهراً بما خاطبهم به ، تسبب من ذلك ثانياً باطناً بإفسادها { لأكيدن } أكد لأنه مما ينكر لشدة عسره ؛ والكيد : الاحتيال في الضرر { أصنامكم } أي هذه التي عكفتم عليها ناسين الذي خلقكم وإياها ، أي لأفعلن بها ما يسوءكم بضرب من الحيلة . ولما كان عزمه على إيقاع الكيد في جميع الزمان الذي يقع فيه توليهم في أيّ جزء تيسر له منه ، أسقط الجارّ فقال : { بعد أن تولوا } أي توقعوا التولي عنها ، وحقق مراده بقوله : { مدبرين * } لأنزلكم من الدليل العقلي على تحقيق الحق إذ لم تكونوا من أهله إلى الدليل الحسي على إبطال الباطل . ولما كانوا في غاية التعظيم لأصنامهم لرسوخ أقدامهم في الجهل ، لم يقع في أوهامهم قط أن إبراهيم عليه السلام يقدم على ما قال ، وعلى تقدير إقدامه الذي هو عندهم من قبيل المحال لا يقدر على ذلك ، فتولوا إلى عيدهم ، وقصد هو ما كان عزم عليه فشمر في إنجازه تشميراً يليق بتعليقه اليمين بالاسم الأعظم { فجعلهم } أي عقب توليهم { جذاذاً } قطعاً مهشمة مكسرة مفتتة ، من الجذ وهو القطع { إلا كبيراً } واحداً { لهم } أي للأصنام أو لعبادها فإنه لم يكسر وجعل الفأس معه { لعلهم } أي أهل الضلال { إليه } وحده { يرجعون * } عند إلزامه لهم بالسؤال فتقوم عليهم الحجة ، إذ لو ترك غيره معه لربما زعموا أن كلاًّ يكل الكلام إلى الآخر عند السؤال لغرض من الأغراض ، فلما عادوا إلى أصنامهم فوجدوها على تلك الحال علم أنه لا بد لهم عند ذلك من أمر هائل ، فاستؤنف الإخبار عنه بقوله : { قالوا } أي أهل الضلال : { من فعل هذا } الفعل الفاحش { بآلهتنا } ثم استأنفوا الخبر عن الفاعل فقالوا مؤكدين لعلمهم أن ما أقامه الخليل عليه السلام على بطلانها يميل القلوب إلى اعتقاد أن هذا الفعل حق : { إنه من الظالمين * } حيث وضع الإهانة في غير موضعها ، فإن الآلهة حقها الإكرام ، لا الإهانة والانتقام { قالوا } أي بعضهم لبعض : { سمعنا } ولم يريدوا تعظيمه مع شهرته وشهرة أبيه وعظمتهما فيهم ليجترىء عليه من لا يعرفه فنكروه بقولهم : { فتى } أي شاباً من الشبان { يذكرهم } أي بالنقص والعيب { يقال له إبراهيم * } يعنون : فهو الذي يظن أنه فعله { قالوا } مسببين عن هذا كارهين لأن يأخذوه سراً فيقال : أخذ بغير بينة ، وهم كفرة وهو قد خالفهم في دينهم فإلى الله المشتكى من قوم يأخذون أكابر أهل دينهم بغير بينة بل ولا ظنة { فأتوا به } إلى هنا أي إلى بيت الأصنام { على أعين الناس } أي جهرة ، والناس ينظرون إليه نظراً لا خفاء معه حتى كأنه ماشٍ على أبصارهم ، متمكناً منها تمكن الراكب على المركوب ، وعبر بالعين عن البصر ليفهم الأكابر ، ويجمع القلة لإفادة السياق الكثرة ، فيفيد الأمران قلة ما ، لئلا يتوهم من جمع الكثرة جميع الناس مطلقاً { لعلهم } إذا رأوه { يشهدون * } أي أنه فعل بالآلهة هذا الفعل ، أو أنه ذكرها بسوء ، فيكون ذلك مسوغاً لأخذه بذلك ، أو يشهد بفعله بعضهم ، لأن الشيء إذا حضر كانت أحواله بالذكر أولى منها إذا كان غائباً ، وكان هذا عين ما قصده الخليل عليه السلام أن يبين - في هذا المحفل الذي لا يوجد مثله - ما هم عليه من واضح الجهل المتضمن قلة العقل .