Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 36-38)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما قدم سبحانه الحث على التقرب بالأنعام كلها ، وكانت الإبل أعظمها خلقاً ، وأجلها في أنفسهم أمراً ، خصها بالذكر في سياق تكون فيه مذكورة مرتين معبراً بالاسم الدال على عظمها ، أو أنه خصها لأنه خص العرب بها دون الأمم الماضية ، فقال عاطفاً على قوله { جعلنا منسكاً } أو يكون التقدير والله أعلم : فأشركناكم مع الأمم الماضية في البقر والغنم { والبدن } أي الإبل أي المعروفة بعظم الأبدان - { جعلناها } أي بعظمتنا ، وزاد في التذكير بالعظمة بذكر الاسم العلم فقال : { لكم من شعائر الله } أي أعلام دين الملك الأعظم ومناسكه التي شرعها لكم وشرع فيها الإشعار ، وهو أن يطعن بحديدة في سنامها ، تمييزاً لما يكون منها هدياً عن غيره . ولما نبه على ما فيها من النفع الديني ، نبه على ما هو أعم منه فقال : { لكم فيها خير } بالتسخير الذي هو من منافع الدنيا ، والتقريب الذي هو من منافع الآخرة ؛ روى الترميذي وحسنه وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله علية وسلم قال : " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة الدم ، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً " والدارقطني في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد " ولما ذكر ما فيها ، سبب عنه الشكر فقال : { فاذكروا اسم الله } أي الذي لا سمي له { عليها } أي على ذبحها بالتكبير ، حال كونها { صواف } قياماً معقلة الأيدي اليسرى ، فلولا تعظيمه بامتثال شرائعه ، ما شرع لكم ذبحها وسلطكم عليها مع أنها أعظم منكم جرماً وأقوى { فإذا وجبت جنوبها } أي سقطت سقوطاً بردت به بزوال أرواحها فلا حركة لها أصلاً ، قال ابن كثير وقد جاء في حديث مرفوع " ولا تعجلوا النفس أن تزهق " وقد وراه الثوري في جامعه عن أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن فرافصة الحنفي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ذلك . ولما كان ربما ظن أنه يحرم الأكل ممنها للأمر بتقريبها لله تعالى ، قال نافياً لذلك : { فكلوا منها } إذا كانت تطوعاً إن شئتم الأكل ، فإن ذلك لا يخرجها عن كونها قرباناً { وأطعموا القانع } أي المتعرض للسؤال بخضوع وانكسار { والمعتر } أي السائل ، وقيل : بالعكس ، وهو قول الشافعي رحمه الله ، قال في كتاب اختلاف الحديث : والقانع هو السائل ، والمعتر هو الزائر والمار ، قال الرازي في اللوامع : وأصله في اللغة أن القاف والنون والعين تدل على الإقبال على الشيء ، ثم تختلف معانيه مع اتفاق القياس ، فالقانع : السائل ، لإقباله على من يساله ، والقانع : الراضي الذي لا يسأل ، كأنه مقبل على الشيء الذي هو راض به . ولما كان تسخيرها لمثل هذا القتل على هذه الكيفية مع قوتها وكبرها أمراً باهراً للعقل عند التأمل ، نبه عليه بالتحريك للسؤال عما هو أعظم منه فقال : { كذلك } أي مثل هذا التسخير العظيم المقدار { سخرناها } بعظمتنا التي لولاها ما كان ذلك { لكم } وذللناها ليلاً ونهاراً مع عظمها وقوتها ، ولو شئنا جعلناها وحشية { لعلكم تشكرون * } أي لتتأملوا ذلك فتعرفوا أنه ما قادها لكم إلا الله فيكون حالكم حال من يرجى شكره ، فتوقعوا الشكر بأن لا تحرموا منها إلا ما حرم ، ولا تحلوا إلا ما أحل ، وتشهدوا منها ما حث على إهدائه ، وتتصرفوا فيها بحسب ما أمركم . ولما حث على التقرب بها مذكوراً اسمه عليها ، وكان من مكارم الأخلاق ، وكان أكثرهم يفعله ، وكانوا ينضحون البيت ونحوه بدماء قرابينهم ، ويشرحون اللحم ، ويضعونه حوله ، زاعمين أن ذلك قربة ، وقد كان بعض ذلك شرعاً قديماً ، نبه سبحانه على نسخ ذلك بأن نبه على أن المقصود منه روحه لا صورته فقال : { لن ينال } أي يصيب ويبلغ ويدرك . ولما كان السياق للحث على التقريب له سبحانه ، كان تقديم اسمه على الفاعل أنسب للإسراع بنفي ما قد يتوهم من لحاق نفع أو ضر ، فقال معبراً بالاسم العلم الذي حمى عن الشركة بكل اعتبار : { الله } أي رضا الملك الذي له صفات الكمال فلا يلحقه نفع ولا ضر { لحومها } المأكوله { ولا دماؤها } المهراقة { ولكن يناله التقوى } أي عمل القلب وهي الصفة المقصود بها أن تقي صاحبها سخط الله ، وهي التي استولت على قلبه حتى حملته على امتثال اموامر التي هي نهايات لذلك ، الكائنة { منكم } الحاملة على التقرب التي بها يكون له روح القبول ، المحصلة للمأمول ؛ قال الرازي في اللوامع : وهذا دليل على أن النية الخالصة خير من الأعمال الموظفة - انتهى . فإذا نالته سبحانه النية قبل العمل فتلقى اللقمة " فرباها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل جبل " " ووقع الدم منه بمكان " فالنفي لصورة لا روح لها والإثبات لذات الروح ، فقد تفيد النية من غير عمل كما قال صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ما معناه . " إن بالمدينة رجالاً ما نزلنا منزلاً ولا قطعنا وادياً إلا كانوا فيه حبسهم العذر " ولا يفيد العمل بغير نية ، والنية هي التي تفيد الجزاء سرمداً والله الموفق ؛ ثم كرر التنبيه على عظيم تسخيرها منبهاً على ما أوجب عليهم به فقال : { كذلك } أي التسخير العظيم { سخرها } أي الله الجامع لصفات الكمال { لكم } بعظمته وغناه عنكم { لتكبروا } . ولما ذكر التكبير ، صوره بالاسم الأعظم فقال : { الله } وضمن التكبير فعل الشكر ، فكان التقدير : شاكرين له { على ما هداكم } أي على هدايتكم له والأمور العظيمة التي هداكم إليها . ولما كان الدين لا يقوم إلا بالنذارة والبشارة ، وكان السياق لأجل ما تقدم من شعائر الحج ، ومعالم العج والثج - بالبشارة أليق ، ذكرها مشيراً إلى النذارة بواو العطف ليؤذن أن التقدير : فأنذر أيها الداعي المسيئين : { وبشر المحسنين * } أي الذين أوجدوا الإحسان لأفعالهم صورة ومعنى . ولما ذكر سبحانه الحج المذكر للمهاجرين بأوطانهم المخاصمة التي أنزلت في غزوة بدر ، وذكر ما يفعل فيه من القربات ، عظم اشتياق النفوس إلى ذلك وتذكرت علو المشركين الذي يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام وظهورهم ومنعهم لمن أراد هذه الأفعال ، على هذه الأوصاف الخالصة ، والأحوال الصالحة ، وفتنتهم له ، فأجابها سبحانه عن هذا السؤال بقوله : { إن الله } أي الذي لا كفوء له { يدافع عن الذين آمنوا } لأنهم بدخولهم في الإيمان لم يكونوا مبالغين في الخيانة ولا في الكفر فهو يحبهم ، فكيف بالمحسنين الذين ختمت بهم الآية السالفة ، أي فيظهرهم على عدوهم - هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بغير ألف ، وفي قراءة الباقين مبالغة بإخراج الفعل على المغالبة ، فكأنه قال : بشرهم بأن الله يدفع عنهم ، ولكنه تعالى أظهر الأوصاف ليفهم أنها مناط الأحكام والتعبير ، فعبر بالفعل الماضي ترغيباً ، أي لكل من أوقع هذا الوصف في الخارج إقياعاً ما دفع عنه ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { لا يحب } أي لا يكرم كما يفعل المحب { كل خوان } في أمانته ، مانع لعباده من بيته الذي هو للناس سواء العاكف فيه والبادي { كفور } لنعمته بالتقرب إلى غيره ، فهو يفعل مكارم الأخلاق صورة ليس فيها معنى أصلاً ، لا يصححها بذكر الله وحده ، ولا يجملها بالإحسان ، وأتى بالصفتين على صيغة المبالغة لأن نقائص الإنسان لا يمكنه أن يفعلها خالية عن المبالغة ، لأنه يخون نفسه بالعزم أولاً ، والفعل ثانياً وغيره من الخلق ثالثاً ، وكذا يخون نفسه ربه سبحانه وهكذا في الكفر وغيره ، ولما كانت الخيانة منبع النقائص ، كانت المبالغة فيها أكثر .