Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 45-47)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كانت هذه الأمم السبعة أكثر أهل الأرض ، بل كانت أمة منهم أهل الأرض كما مضى بيانه في الأعراف ، فكيف بمن عداهم ممن كان في أزمانهم وبعدهم ، وأخبر سبحانه وتعالى أن عادته فيهم الإملاء ثم الإهلاك ، تسبب عن ذلك تهويل الإخبارعنهم وتكثيرهم ، فقال تعالى شارحاً للأخذ والإمهال على طريق النشر المشوش : { فكأين من قرية أهلكناها } كهؤلاء المذكورين وغيرهم ، وفي قراءة الجماعة غير أبي عمرو بالنون إظهاراً للعظمة { وهي } أي والحال أنها { ظالمة فهي } أي فتسبب عن إهلاكها أنها { خاوية } أي متهدمة ساقطة أي جدرانها { على عروشها } أي سقوفها ، بأن تقصفت الأخشاب ولا من كثرة الأمطار ، وغير ذلك من الأسرار ، فسقطت ثم سقطت عليها الجدران . أو المعنى : خالية ، قد ذهبت أرواحها بذهاب سكانها على البقاء سقوفها ، ليست محتاجة إلىغير السكان { و } كم من { بئر معطلة } من أهلها مع بقاء بنائها ، وفوران مائها { وقصر مشيد * } أي عال متقن مجصص لأنه لا يشيد - أي يجصص - إلا الذي يقصد رفعه ، فحلت القصور من أربابها ، وأقفرت موحشة من جميع أصاحبها ، بعد كثرة التضام في نواديها ، وعطلت الآبار من ورَّادها بعد الازدحام بين رائحها وغاديها ، دانية ونائية ، حاضرة وبادية ؛ ولما كان خراب المشيد يوهى من أركانه ، ويخلق من جدارنه ، لم يحس التشديد في وصف القصر ، كما حسن في وصف البئر . ولما كان هذا واعظاً لمن له استبصار ، وعاطفاً له إلى العزيز الغفار ، تسبب عنه الإنكار عليهم في عدم الاعتبار ، فعد أسفارهم - التي كانوا يرون فيها هذه القرى على الوجه الذي أخر به سبحانه لما كانت على ذلك الوجه - عدماً ، فقال تعالى : { أفلم يسيروا في الأرض } أي وهم بصراء ينظرون بأعينهم ما يمرون عليه ، من الآيات المرئية من القرى الظالمة المهلكة وغيرها ، وقرينة الحث على السير دل على البصر . ولما كان الجواب منصوباً ، علم أنه منفي لأنه مسبب عن همزة الإنكار التي معناها النفي ، وقد دخلت على النفي السير فنفته ، فأثبتت السير عرياً عما أفاده الجواب ، وهو قوله { فتكون } أي فيتسبب عن سيرهم أن تكون { لهم قلوب } واعية { يعقلون بها } ما رأوه بأبصارهم في الآيات المرئيات من الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته على الإحياء والإماتة متى أراد فيعتبروا به ، فانتفاء القلوب الموصوفة متوقف على نفي السير الذي هو إثبات السير ، وكذا الكلام في الآذان من قوله { أو } أي أو تكون لهم إن كانوا عمي الأبصار كما دل عليه جعل هذا قسيماً { آذان يسمعون بها } الآيات المسموعة المترجمة عن تلك القرى وغيرها سواء ساروا أو لم يسيروا ، إن كانت بصائرهم غير نافذة الفهم بمجرد الرؤية فيتدبروها بقلوبهم ، فإنه لا يضرهم فقد الأبصار عند وجود البصائر . ولما كان الضار للإنسان إنما هو عمى البصائر دون الأبصار ، نفى العمى أصلاً عن الأبصار لعدم ضرورة مع إنارة البصائر ، وخصه بالبصئر لوجود الضرر به ولو وجدت الأبصار ، مسبباً عما مضى مع ما أرشد إليه من التقدير ، فقال : { فإنها لا تعمى الأبصار } أي لعدم الضرر بعماها المستنير البصيرة { ولكن تعمى القلوب } وأكد المعنى بقوله : { التي في الصدور * } لوجود الضرر بعماها المبطل لمنفعة صاحبها وإن كان البصر موجداً ، فاحتيج في تصوير عماها إلى زيادة تعيين لما تعورف من أن العمى إنما هو للبصر ، إعلاماً بأن القلوب ما ذكرت غلطاً ، بل عمداً ، تنبيهاً على أن عمى البصر عدم بالنسبة لى عماها ، والمراد بالقلب لطيفة ربانية روحانية مودعة في اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، لديه تعلق … عقول الأكثر في أنه يضاهي تعلق العرض بالجسم ، أو الصفة بالموصوف ، أو المتمكن بمكان وهذه اللطيفة على حقيقة الإنسان سميت قلباً للمجاورة والتعلق ، وهي كالفارس والبدن كله كالفرس ، وعمى الفارس أضر على الفارس من عمى الفرس ، بل لا نسبة لأحد الضررين بالآخرة ، فلذلك نفى عمى الأبصار أصلاً ورأساً ، فلا شيء ضرره بالنسبة إلى عمى البصائر . ولما قدم سبحانه أن الضال المضل له خزي في الدنيا ، وقدم أنه يدفع عن الذين آمنوا وينصرهم ، وساق الدليل الشهودي على ذلك لمن كان جامد الفهم ، مقيداً بالوهم ، بالقرى الظالمة التي أنجز هلاكها ، وختم بإنكار عماهم عن ظاهر الآيات البينات ، قال عاطفاً على { ومن الناس من يجادل } معجباً منهم وموضحاً لعماهم : { ويستعجلونك } ويجوز وهو أحسن أن تكون هذه الجملة حالاً من فاعل { يسيروا } فيكون مما أنكر عليهم { بالعذاب } الذي تتوعدهم به تكذيباً واستهزاء ، { و } الحال أنه { لن يخلف الله } الذي لا كفوء له { وعده } فلا بد من وقوعه لكن الطويل عندهم من الزمن قصير عنده ، وقد ينجز الوعد وقد يؤخره بعد الوعيد إلى حين يوم أو أقل أو أكثر ، لأن قضاءه سبق أنه لا يكون إلا فيه لحكم يظهرها لمن يشاء من عباده { وإن يوماً } أي واحداً { عند ربك } أي المحسن إليك بتأخير العذاب عنهم إكراماً لك { كألف سنة } ولما كان المقصود هنا التطويل ، فعبر بالسنة تنبيهاً عليه ؛ ولما كانت السنون قد تختلف قال : { مما تعدون * } لأن أيامكم تناسب أوهامكم ، وأزمانكم تناسب شأنكم ، وهو حليم لا يستطيل الزمان ، وقادر لا يخاف الفوت .