Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 73-76)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أخبر تعالى عن أنه لا حجة لعابد غيره ، وهدد من عاند ، أتبعه بأن الحجة قائمة على أن ذلك الغير في غاية الحقارة ، ولا قدرة له على دفع ما هدد به عابدوه ولا على غيره ، فكيف بالصلاحية لتلك الرتبة الشريفة ، والخطة العالية المنيفة ، فقال منادياً أهل العقل منبهاً تنبيهاً عاماً : { يا أيها الناس } . ولما كان المقصود من المثل تعقله لا قائله ، بني للمفعول قوله : { ضرب مثل } حاصله أن من عبدتموه أمثالكم ، بل هم أحقر منكم { فاستمعوا } أي أنصتوا متدبرين { له } ثم فسره بقوله : { إن الذين تدعون } أي في حوائجكم ، وتجعلونهم آلهة { من دون الله } أي الملك الأعلى من هذه الأصنام التي أنتم بها مغترون ، ولما تدعون فيها مفترون ، لأن سلب القدرة عنها يبين أنها في أدنى المراتب { لن يخلقوا ذباباً } أي لا قدرة لهم على ذلك الآن ، ولا يتجدد لهم هذا الوصف أصلاً في شيء من الأزمان ، على حال من الأحوال ، مع صغره ، فكيف بما هو أكبر منه { ولو اجتمعوا } أي الذين زعموهم شركاء { له } أي الخلق ، فهم في هذا أمثالكم { وإن } أي وأبلغ من هذا أنهم عاجزون عن مقاومة الذباب فإنه إن { يسلبهم الذباب } أي الذي تقدم أنه لا قدرة لهم على خلقه وهو في غاية الحقارة { شيئاً } من الأشياء جل أو قل مما تطلونهم به من الطيب أو تضعونه بين أيديهم من الأكل أوغيره { لا يستنقذوه } أي يوجدوا خلاصه أو يطلبوه { منه } فهم في هذا أحقر منكم ، وجهة التمثيل به في الاستلاب الوقاحة ، ولهذا يجوز عند الإبلاغ في الذب ، فلو كانت وقاحته في الأسد لم ينج منه أحد ، ولكن اقتضت الحكمة أن تصحب قوة الأسد النفرة ، ووقاحة الذباب الضعف ، وهو واحد لا جمع ، ففي الجمع بين العباب والمحكم أن ابن عبيدة قال : إنه الصواب ، ثم قال : وفي " كتاب ما تلحن فيه العامة " لأبي عثمان المازني : ويقال : هذا ذباب واحد ، وثلاثة أذّبة ، لأقل العدد ولأكثره ذباب ، وقول الناس : ذبابة - خطأ ، فلا تقله - . ولما كان هذا ربما أفهم قوة الذباب ، عرف أن المقصود غير ذلك بقوله ، فذلكة للكلام من أوله : { ضعف الطالب } أي للاستنقاذ من الذباب ، وهو الأصنام وعابدوها { والمطلوب * } أي الذباب والأصنام ، اجتمعوا في الضعف وإن كان الأصنام أضعف بدرجات . ولما أنتج هذا جهلهم بالله ، عبر عنه بقوله : { ما قدروا الله } أي الذي له الكمال كله { حق قدره } في وصفهم بصفته غيره كائناً من كان ، فكيف وهو أحقر الأشياء . ولما كان كأنه قيل : ما قدره ؟ قال : { إن الله } أي الجامع لصفات الكمال { لقوي } على خلق كل ممكن { عزيز * } لا يغلبه شيء ، وهو يغلب كل شيء بخلاف أصنامهم وغيرها . ولما نصب الدليل على أن ما دعوه لا يصلح أن يكون شيء منه إلهاً بعد أن أخبر أنه لم ينزل إليهم حجة بعبادتهم لهم ، وختم بما له سبحانه من وصفي القوة والعزة بعد أن أثبت أن له الملك كله ، تلا ذلك بدليله الذي تقتضيه سعة الملك وقوة السلطان من إنزال الحجج على ألسنة الرسل بأوامره ونواهيه الموجب لإخلاص العبادة له المقتضي لتعذيب تاركها ، فقال : { الله } أي الملك الأعلى { يصطفي } أي يختار ويخلص { من الملائكة رسلاً } إلى ما ينبغي الإرسال فيه من العذاب والرحمة ، فلا يقدر أحد على صدهم عما أرسلوا له ، ولا شك أن قوة الرسول من قوة المرسل { ومن الناس } أيضاً رسلاً يأتون عن الله بما يشرعونه لعباده ، لتقوم عليهم بذلك حجة النقل ، مضمومة إلى سلطان العقل ، فمن عاداهم خسر وإن طال استدراجه . ولما كان ذلك لا يكون إلا بالعلم ، قال : { إن الله } أي الذي له الجلال والجمال { سميع } أي لما يمكن أن يسمع من الرسول وغيره { بصير * } أي مبصر عالم بكل ما يمكن عقلاً أن يبصر ويعلم ، بخلاف أصنامهم . ولما كان المتصف بذلك قد يكون وصفه مقصوراً على بعض الأشياء ، أخبر أن صفاته محيطة فقال : { يعلم ما بين أيديهم } أي الرسل { وما خلفهم } أي علمه محيط بما هم مطلعون عليه وبما غاب عنهم ، فلا يفعلون شيئاً إلا بإذنه ، فإنه يسلك من بين أيديهم ومن خلفهم رصداً ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وإن ظن الجاهلون غير ذلك ، لاحتجابه سبحانه وتعالى في الأسباب ، فلا يقع في فكر أصلاً أن المحيط علماً بكل شيء الشامل القدرة لكل شيء يكل رسولاً من رسله إلى نفسه ، فيتكلم بشيء لم يرسله به ، ولا أنه يمكن شيطاناً أو غيره أن يتكلم على لسانه بشيء ، بل كل منهم محفوظ في نفسه { لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } [ النجم : 3 ، 4 ] محفوظ عن تلبيس غيره { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [ الحجر : 9 ] { وإلى الله } أي الذي لا كفوء له ، وحده { ترجع } أي بغاية السهولة بوعد فصل لا بد منه { الأمور * } يوم يتجلى لفصل القضاء ، فكيون أمره ظاهراً لاخفاء فيه ، ولا يصدر شيء من الأشياء إلا على وجه العدل الظاهر لكل أحد أنه منه . ولا يكون لأحد التفات إلى غيره ، والذي هو بهذه الصفة له أن يشرع ما يشاء ، وينسخ من الشروع ما يشاء ، ويحكم بما يريد .