Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 17-19)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما بين لهم أن فكرهم فيهم يكفيهم ، ولاعتقاد البعث يعنيهم ، أتبعه دليلاً آخر بالتذكير بخلق ما هو أكبر منهم ، وبتدبيرهم بخلقه وخلق ما فيه من المنافع لاستبقائهم ، فقال : { ولقد خلقنا قوقكم } في جميع جهة الفوق في ارتفاع لا تدركونه حق الإدراك { سبع } ولإرادة التعظيم أضاف إلى جمع كثرة فقال : { طرائق } أي سماوات لا تتغير عن حالتها التي دبرناها عليها إلى أن نريد ، وبعضها فوق بعض متطابقة ، وكل واحدة منها على طريقة تخصها ، وفيها طرق لكواكبها ؛ قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي : سميت طرائق لأنها مطارقة بعضها في أثر بعض - انتهى . وهذا من قولهم : فلان على طريقة - أي حالة - واحدة ، وهذا مطراق هذا ، أي تلوه ونظيره ، وريش طراق - إذا كان بعضه فوق بعض . وقال ابن القطاع : وأطرق جناح الطائر - أي مبنياً للمجهول : ألبس الريش الأعلى الأسفل . وقال أبو عبيد الهروي : وأطرق جناح الطير - إذا وقعت ريشة على التي تحتها فألبستها ، وفي ريشه طرق - إذا ركب بعضه بعضاً . وقال الصغاني في مجمع البحرين : والطرق أيضاً بالتحريك في الريش أن يكون بعضها فوق بعض ، وقال ابن الأثير في النهاية : طارق النعل - إذا صيرها طاقاً فوق طاق وركب بعضها على بعض ، وفي القاموس : والطراق - ككتاب : كل خصفة يخصف بها النعل وتكون حذوها سواء وأن يقور جلد على مقدار الترس فيلزق بالترس ، وقال القزاز : يقال : ترس مُطرَق - إذا جعل له ذلك ، وقال الصغاني في المجمع : والمجان المطرقة التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة - أي المخصوفة بعضها على بعض ، ويقال : أطرقت بالجلد والعصب ، أي ألبست ، وقال أبو عبيد : طارق النعل - إذا صير خصفاً فوق خصف ، وقال في الخصف : هو إطباق طاق على طاق ، وأصل الخصف : الضم والجمع ، وقال القزاز : وطارقت بين النعلين والثوبين : جعلت أحدهما فوق الآخر - انتهى . وأصل الطرق الضرب ، ومع كون السماوات مطارقة بعضها فوق بعض فهي طرق للملائكة يتنزلون فيها بأوامره سبحانه وتعالى . ولما كان إهمال الشيء بعد إيجاده غفلة عنه ، وكان البعث إحداث تدبير لم يكن كما أن الموت كذلك ، بين أن مثل تلك الأفعال الشريفة عادته سبحانه إظهاراً للقدرة وتنزهاً عن العجز والغفلة فقال : { وما كنا } أي على ما لنا من العظمة { عن الخلق } أي الذي خلقناه وفرغنا من إيجاده وعن إحداث ما لم يكن ، بقدرتنا التامة وعلمنا الشامل { غافلين * } بل دبرناه تدبيراً محكماً ربطناه بأسباب تنشأ عنها مسببات يكون بها صلاحه ، وجعلنا في كل سماء ما ينبغي أن يكون فيها من المنافع ، وفي كل أرض كذلك ، وحفظناه من الفساد إلى الوقت الذي نريد فيه طيّ هذا العالم وإبراز غيره ، ونحن مع ذلك كل يوم في شأن ، وإظهار برهان ، نعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، إذا شئنا أنفذنا السبب فنشأ عنه المسبب ، وإذا شئنا منعناه مما هيىء له ، فلا يكون شيء من ذلك إلا بخلق جديد ، فكيف يظن بنا أنا نترك الخلق بعد موتهم سدى ، مع أن فيهم المطيع الذي لم نوفه ثوابه ، والعاصي الذي لم ننزل به عقابه ، أم كيف لا نقدر على إعادتهم إلى ما كانوا عليه بعد ما قدرنا على إبداعهم ولم يكونوا شيئاً . ولما ساق سبحانه هذين الدليلين على القدرة على البعث ، أتبعهما بما هو من جنسهما ومشاكل للأول منهما ، وهو مع ذلك دليل على ختام الثاني من أنه من أجلّ النعم التي يجب شكرها ، فقال : { وأنزلنا } أي بعظمتنا { من السماء } أي من جهتها { ماء بقدر } لعله - والله أعلم - بقدر ما يسقي الزروع والأشجار ، ويحيي البراري والقفار ، وما تحتاج إليه البحار ، مما تصب فيها الأنهار ، إذ لو كان فوق ذلك لأغرقت البحار الأقطار ، ولو كان دون ذلك لأدى إلى جفاف النبات والأشجار { فأسكنّاه } بعظمتنا { في الأرض } بعضه على ظهرها وبعضه في بطنها ، ولم نعمها بالذي على ظهرها ولم نغور ما في بطنها ليعم نفعه وليسهل الوصول إليه { وإنا } على ما لنا من العظمة { على ذهاب به } أي على إذهابه بأنواع الإذهاب بكل طريق بالإفساد والرفع والتغوير وغير ذلك ، مع إذهاب البركة التي تكون لمن كنا معه { لقادرون * } قدرة هي في نهاية العظمة ، فإياكم والتعرض لما يسخطنا . ولما ذكر إنزاله ، سبب عنه الدليل القرب على البعث فقال : { فأنشأنا } أي فأخرجنا وأحيينا { لكم } خاصة ، لا لنا { به } أي بذلك الماء الذي جعلنا منه كل شيء حي { جنات } أي بساتين تجن - أي تستر - داخلها بما فيها { من نخيل وأعناب } صرح بهذين الصنفين لشرفهما ، ولأنهما أكثر ما عند العرب من الثمار ، سمي الأول باسم شجرته لكثرة ما فيهما من المنافع المقصودة بخلاف الثاني فإنه المقصود من شجرته ؛ وأشار إلى غيرهما بقوله : { لكم } أي خاصة { فيها } أي الجنات { فواكه كثيرة } ولكم فيها غير ذلك . ولما كان التقدير : منها - وهي طرية - تتفكهون ، عطف عليه قوله : { ومنها } أي بعد اليبس والعصر { تأكلون * } أي يتجدد لكم الأكل بالادخار ، ولعله قدم الظرف تعظيماً للامتنان بها .