Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 25-29)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما نفوا عنه الرسالة وحصروا أمره في قصد السيادة ، وكانت سيادته لهم بمثل هذا عندهم من المحال ، قالوا : { إن } أي ما { هو إلا رجل به جنة } أي جنون في قصده التفضل بما يروث بغضه وهضمه ولا نعرف له وجهاً مخصصاً به ، فلا نطيع له فيه ابداً { فتربصوا به } أي فتسبب عن الحكم بجنونه أنا نأمركم بالكف عنه لأنه لا حرج على مجنون { حتى } أي إلى { حين * } لعله يفيق أو يموت ، فكأنه قيل : فما قال ؟ فقيل : { قال } عندما أيس من فلاحهم : { رب انصرني } أي أعني عليهم { بما كذبون * } أي بسبب تكذيبهم لي ، فإن تكذيب الرسول استخفاف بالمرسل { فأوحينا } أي فتسبب عن دعائه أنا أوحينا { إليه أن اصنع الفلك } أي السفينة . ولما كان يخاف من أذاهم له في عمله بالإفساد وغيره قال : { بأعيننا } أي إنه لا يغيب عنا شيء من أمرك ولا من أمرهم وأنت تعرف قدرتنا عليهم فثق بحفظنا ولا تخف شيئاً من أمرهم . ولما كان لا يعلم تلك الصنعة ، قال : { ووحينا } ثم حقق له هلاكهم وقربه بقوله : { فإذا جاء أمرنا } أي بالهلاك عقب فراغك منه { وفار التنور } قال ابن عباس رضي الله عنهما : وجه الأرض . وفي القاموس : التنور : الكانون يخبز فيه ، ووجه الأرض ، وكل مفجر ماء ، وجبل قرب المصيصة - انتهى . والأليق بهذا الأمر صرفه إلى ما يخبز فيه ليكون آية في آية { فاسلك } أي فادخل { فيها } أي السفينة { من كل زوجين } من الحيوان { اثنين } ذكراً وأنثى { وأهلك } من أولادك وغيرهم { إلا من سبق عليه } لا له { القول منهم } بالهلاك لقطع ما بينك وبينه من الوصلة بالكفر . ولما كان التقدير : فلا تحمله معك ولا تعطف عليه لظلمه ، عطف عليه قوله : { ولا تخاطبني } أي بالسؤال في النجاة { في الذين ظلموا } عامة ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إنهم مغرقون * } أي قد ختم القضاء عليهم ، ونحن نكرمك عن سؤال لا يقبل . ولما قدم ذلك ، لأن درء المفاسد - بالنهي عما لا يرضي - أولى من جلب المصالح ، أتبعه الأمر بالشكر فقال : { فإذا استويت } أي اعتقلت { أنت ومن معك } أي من البشر وغيرهم { على الفلك } ففرغت من امتثال الأمر بالحمل { فقل } لأن علمك بالله ليس كعلم غيرك فالحمد منك أتم ، وإذا قلت اتبعك من معك ، فإنك قدوتهم وهم في غاية الطاعة لك ، ولهذا أفرد في الجزاء بعد العموم في الشرط { الحمد } أي الإحاطة بأوصاف الكمال في الإيجاد والإعدام { لله } أي الذي لا كفوء له لأنه المختص بصفات المجد { الذي نجّانا } بحملنا فيه { من القوم } الأشداء الأعتياء { الظالمين * } الذين حالهم - لوضعهم الأشياء في غير مواضعها - حال من يمشي في الظلام ، فلك الحمد بعد إفنائهم كما كان لك الحمد في حال إبدائهم وإبقائهم ، والحمد في هذه السورة المفتتحة بأعظم شعيرة بها الإبقاء الأول ، وهي الصلاة الموصوفة بالخشوع كالحمد في سورة الإيجاد الأول : الأنعام بقوله تعالى { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } [ الأنعام : 45 ] . ولما أشار له بهذا القول إلى السلامة بالحمل ، أتبعه الإشارة إلى الوعد بإسكان الأرض فقال : { وقل رب أنزلني } في الفلك ثم في الأرض وفي كل منزل تنزلني به وتورثني إياه { منزلاً } موضع نزول ، أو إنزالاً { مباركاً } أي أهلاً لأن يثبت فيه أو به . ولما كان الثناء أعظم مهيج على إجابة الدعاء ، وكان التقدير ، فأنت خير الحاملين ، عطف عليه قوله : { وأنت خير المنزلين * } لأنك تكفي نزيلك كل ملم ، وتعطيه كل مراد .