Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 23-25)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان الختم بهذين الوصفين بعد الأمر بالعفو ربما جرّأ على مثل هذه الإساءة ، وصل به مرهباً من الوقوع في مثل ذلك قوله معمماً للحكم : { إن الذين يرمون } أي بالفاحشة { المحصنات } أي اللائي جعلن أنفسهن من العفة في مثل الحصن . ولما كان الهام بالسيىء والمقدم عليه عالماً بما يرمي به منه ، جاعلاً له نصب عينه ، أكد معنى الإحصان بقوله : { الغافلات } أي عن السوء حتى عن مجرد ذكره . ولما كان وصف الإيمان حاملاً على كل خير ومانعاً ن كل سوء ، نبه على أن الحامل على الوصفين المتقدمين إنما هو التقوى ، وصرف ما لهن من الفطنة إلى ما لله عليهن من الحقوق فقال : { المؤمنات } . ولما ثبت بهذه الأوصاف البعد عن السوء ، ذكر جزاء القاذف كفّاً عنه وتحذيراً منه بصيغة المجهول ، لأن المحذور اللعن لا كونه المعين ، وتنبيهاً على وقوع اللعن من كل من يتأتي منه فقال : { لعنوا } أي أبعدوا عن رحمة الله ، وفعل معهم فعل المبعد من الحد وغيره { في الدنيا والآخرة } ثم زاد في تعظيم القذف لمن هذه أوصافها فقال : { ولهم } أي في الآخرة { عذاب عظيم * } وقيد بوصف الإيمان لأن قذف الكافرة وإن كان محرماً ليس فيه هذا المجموع ، وهذا الحكم وإن كان عاماً فهو لأجل الصديقة بالذات وبالقصد الأول وفيما فيه من التشديد الذي قل أن يوجد مثله في القرآن من الإعلام بعلي قدرها ، وجلي أمرها ، في عظيم فخرها ، ما يجل عن الوصف ؛ ثم أتبع ذلك ذكر اليوم الذي يكون فيه أثر ذلك على وجه زاد الأمر عظماً فقال : { يوم تشهد عليهم } أي يوم القيامة في ذلك المجمع العظيم { ألسنتهم } إن ترفعوا عن الكذب { وأيديهم وأرجلهم } إن أنكرت ألسنتهم كذباً وفجوراً ظناً أن الكذب ينفعها { بما كانوا يعملون * } من هذا القذف وغيره ؛ ثم زاد في التهويل بقوله : { يومئذ } أي إذ تشهد عليهم هذه الجوارح { يوفيهم الله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة وله الكمال كله { دينهم } أي جزاءهم { الحق } أي الذي يظهر لكل أحد من أهل ذلك المجمع العظيم أنهم يستحقونه ، فلا يقدر أحد على نوع طعن فيه { ويعلمون } أي إذ ذاك ، لانقطاع الأسباب ، ورفع كل حجاب { أن الله } أي الذي له العظمة المطلقة ، فلا كفوء له { هو } أي وحده { الحق } أي الثابت أمره فلا أمر لأحد سواه ، { المبين * } الذي لا أوضح من شأنه في ألوهيته وعلمه وقدرته وتفرده بجميع صفات الكمال ، وتنزهه عن جميع سمات النقص ، فيندمون على ما فعلوا في الدنيا مما يقدح في المراقبة وتجري عليه الغفلة ؛ قال ابن كثير : وأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة لا سيما التي كانت سبب النزول ، وهي عائشة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما ، وقد أجمع العلماء قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ، فإنه كافر لأنه معاند للقرآن ، وفي بقية أمهات المؤمنين رضي الله عنهن قولان أصحهما أنهن كهي ، والله أعلم - انتهى . وقد علم من هذه الآيات وما سبقها من أول السورة وما لحقها إلى آخرها أن الله تعالى ما غلظ في شيء من المعاصي ما غلظ في قصة الإفك ، ولا توعد في شيء ما توعد فيها ، وأكد وبشع ، ووبخ وقرع ، كل ذلك إظهاراً لشرف رسوله صلى الله عليه وسلم وغضباً له وإعظاماً لحرمته وصوناً لحجابه .