Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 11-14)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما دل أول الكلام وآخره على أن التقدير ما ذكرته ، وعلم منه أن من ظلم خاف ، وكان المرسلون بل الأنبياء معصومين عن صدور ظلم ، ولكنهم لعلو مقامهم ، وعظيم شأنهم ، يعد عليهم خلاف الأولى ، بل بعض المباحات المستوية ، بل أخص من ذلك ، كما قالوا " حسنات الأبرار سيئات المقربين " ، استدرك سبحانه من ذلك بأداة الاستثناء ما يرغب المرهبين من عواقب الظلم آخر تلك في التوبة ، وينبه موسى عليه السلام على غفران وكزة القبطي له ، وأنه لا خوف عليه بسببه وإن كان قتله مباحاً لكونه خطأ مع أنه كافر ، لكن علو المقام يوجب التوقف عن الإقدام إلا بإذن خاص ، ولذلك سماه هو ظلماً فقال { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي } وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها فقال : { إلا } أو المعنى : لكن { من ظلم } كائناً من كان ، بفعل سوء { ثم بدل } بتوبته { حسناً بعد سوء } وهو الظلم الذي كان عمله ، أي جعل الحسن بدل السوء كالسحرة الذين آمنوا بعد ذلك بموسى عليه الصلاة والسلام فإني أغفره له بحيث يكون كأنه لم يعمله أصلاً ، وأرحمه بما أسبغ عليه من ملابس الكرامة المقارنة للأمن والعز وإن أصابه قبل ذلك نوع خوف . ثم علل ذلك بأن المغفرة والرحمة صفتان له ثابتتان ، فقال : { فإني } أي أرحمه بسبب أني { غفور } أي من شأني أني أمحو الذنوب محواً يزيل جميع آثارها { رحيم * } أعامل التائب منها معاملة الراحم البليغ الرحمة بما يقتضيه حاله من الكرامة ، فايل أثر ما كان وقع فيه من موجب الخوف وهو الظلم . ولما أراه سبحانه هذه الخارقة فيما كان في يده بقلب جوهرها إلى جوهر شيء آخر حيواني ، أراه آية أخرى في يده نفسها بقلب عرضها الذي كانت عليه إلى عرض آخر نوراني ، فقال : { وأدخل يدك في جيبك } أي فتحة ثوبك ، وهو ما قطع منه ليخيط بعنقك { تخرج } أي إذا أخرجتها { بيضاء } أي بياضاً عظيماً نيراً جداً ، له شعاع كشعاع الشمس . ولما كان ربما وقع في وهم أن هذه الآفة ، قال : { من غير سوء } أي برص ولا غيره من الآفات ، آية أخرى كائنة { في } جملة { تسع آيات } كما تقدم شرحها في سورة الإسراء وغيرها ، منتهية على يدك برسالتي لك { إلى فرعون وقومه } أي الذين هم أشد أهل هذا الزمان قياماً في الجبروت والعدوان ؛ ثم علل إرساله إليهم بالخوارق بقوله : { إنهم كانوا } أي كوناً كأنه جبلة لهم { قوماً فاسقين * } أي خارجين عن طاعتنا لتردهم إلينا . ولما كان التقدير : فأتاهم كما أمرناهم فعاندوا أمرنا ، قال منبهاً على ذلك ، دالاً بالفاء على سرعة إتيانه إليهم امتثالاً لما أمر به : { فلما جاءتهم آياتنا } أي على يده { مبصرة } أي سبب الإبصار لكونها منيرة ظاهرة جداً ، فهي هادية لهم إلى الطريق الأقوم هداية النور لمن يبصر ، فهو لا يخطىء شيئاً ينبغي أن ينتفع به { قالوا هذا سحر } أي خيال لا حقيقة له { مبين * } أي واضح في أنه خيال { وجحدوا } أي أنكروا عالمين { بها } أي أنكروا كونها آيات موجبات لصدقه مع علمهم بإبطالهم لأن الجحود الإنكار مع العلم . ولما كان الجحد معناه إنكار الشيء مع العلم به ، حقق ذلك بقوله : { واستيقنتها } أي والحال أنهم قد طلبوا الوقوف على حقائق أمرها حتى تيقنتها في كونها حقاًَ { أنفسهم } وتخلل علمها صميم عظامهم ، فكانت ألسنتهم مخالفة لما في قلوبهم ، ولذلك أسند الاستيقان إلى النفس . ثم علل جحدهم ووصفهم لها بخلاف وصفها فقال : { ظلماً وعلواً } أي إرادة وضع الشيء في غير حقه ، والتكبر على الآتي به ، تلبيساً على عباد الله . ولما كان التقدير : فأغرقناهم أجمعين بأيسر سعي وأهون أمر فلم يبق منهم غير تطرف ، ولم يرجع منهم مخبر ، على كثرتهم وعظمتهم وقوتهم ، عطف عليه تذكيراً به مسبباً عنه قوله : { فانظر } ونبه على أن خبرهم مما تتوفر الدواعي على السؤال عنه لعظمته ، فقال معبراً بأداة الاستفهام : { كيف كان } وكان الأصل : عاقبتهم ، أي آخر أمرهم ، ولكنه أظهر فقال : { عاقبة المفسدين * } ليدل على الوصف الذي كان سبباً لأخذهم تهديداً لكل من ارتكب مثله .