Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 15-19)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أخبر ، بتهيئه لنبوته ، أخبر بما هو سبب لهجرته ، وكأنها سنت بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال : { ودخل المدينة } أي مدينة فرعون آتياً من قصره ، لأنه كان عنده بمنزلة الولد ، قال ابن جرير : وهي مدينة منف من مصر ، وقال البغوي : وقيل : عين الشمس . وقيل غير ذلك { على حين غفلة } قبل بعيد : وقيل بغير ذلك { من أهلها } أي إحكاماً لما جعلناه سبباً لنقلته منها طهارة من عشرة القوم الظالمين { فوجد فيها } أي المدينة { رجلين يقتتلان } أي يفعلان مقدمات القتل من الملازمة مع الخنق والضرب ، وهما إسرائيلي وقبطي ، ولذا قال مجيباً لمن كأنه يسأل عنهما وهو ينظر إليهما : { هذا من شيعته } أي من بني إسرائيل قومه { وهذا من عدوه } أي القبط ، وكان قد حصل لبني إسرائيل به عز لكونه ربيب الملك ، مع أن مرضعته منهم ، لا يظنون أن سبب ذلك الرضاع { فاستغاثه } أي طلب منه { الذي من شيعته } أن يغيثه { على الذي من عدوه فوكزه } أي فأجابه { موسى } فركز أي فطعن ودفع بيده العدو أو ضربه بجميع كفه ، وكأنه كالكم ، أو دفعه بأطراف أصابعه ، وهو رجل أيد لم يعط أحد من أهل ذلك الزمان مثل ما أعطي من القوى الذاتية والمعنوية { فقضى } أي فأوقع القضاء الذي هو القضاء على الحقيقة ، وهو الموت الذي لا ينجو منه بشر { عليه } فقتله وفرغ منه وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه وخفي هذا على الناس لما هم فيه من الغفلة ، فلم يشعر به أحد منهم . ولما كان كأنه قيل : إن هذا الأمر عظيم ، فما ترتب عليه من قول من أوتي حكماً وعلماً ؟ أجيب بالإخبار عنه بأنه ندم عليه في الحال بقوله : { قال } أي موسى عليه السلام : { هذا } أي الفعل الذي جرك إليه الإسرائيلي { من عمل الشيطان } أي لأني لم أومر به على الخصوص ، ولم يكن من قصدي وإن كان المقتول كافراً ؛ ثم أخبر عن حال الشيطان بما هو عالم به ، مؤكداً له حملاً لنفسه على شدة الاحتراس والحذر منه فقال : { إنه عدو } ومع كونه عدواً ينبغي الحذر منه فهو { مضل } لا يقود إلى خير أصلاً ، ومع ذلك فهو { مبين * } أي عداوته وإضلاله في غاية البيان ، ما في شيء منهما خفاء . ولما كان هذا الكافر ليس فيه شيء غير الندم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأته في قتله إذن خاص ، وكان قد أخبر عنه بالندم ، تشوفت أنفس البصراء إلى الاستغفار عنه ، علماً منهم بأن عادة الأنبياء وأهل الدرجات العلية استعظام الهفوات ، فأجيبوا بالإخبار عن مبادرته إلى ذلك بقوله : { قال } وأسقط أداة النداء ، على عادة أهل الاصطفاء ، فقال : { رب } أي أيها المحسن إليّ . ولما كان حال المقدم على شيء دالة على إرادته فاستحسانه إياه ، أكد قوله إعلاماً بأن باطنه على غير ما دل عليه ظاهرة فقال : { إني ظلمت نفسي } أي بالإقدام على ما لم يتقدم إليّ فيه إذن بالخصوص وإن كان مباحاً . ولما كان المقرب قد يعد حسنة غيره سيئته ، قال مسبباً عن ذلك : { فاغفر } أي امح هذه الهفوة عينها وأثرها { لي } أي لأجلي لا تؤاخذني { فغفر } أي أوقع المحو لذلك كما سأل إكراماً { له } ثم علل ذلك بقوله مشيراً إلى أن صفة غيره عدم بالنسبة إلى صفته مؤكداً لذلك : { إنه هو } أي وحده { الغفور } أي البالغ في صفة الستر لكل من يريد { الرحيم * } أي العظيم الرحمة بالإحسان بالتوفيق إلى الأفعال المرضية لمقام الإلهية ، ولأجل أن هذه صفته ، رده إلى فرعون وقومه حين أرسله إليهم فلم يقدروا على مؤاخذته بذلك بقصاص ولا غيره بعد أن نجاه منهم قبل الرسالة على غير قياس . ولما أنعم عليه سبحانه بالإجابة إلى سؤله ، تشوف السامع إلى شكره عليها فأجيب بقوله : { قال رب } أي أيها المحسن إليّ بكل جميل . ولما كان جعل الشيء عوضاً لشيء أثبت له وأجدر بإمضاء العزم عليه قال : { بما أنعمت عليّ } أي بسبب إنعامك عليّ بالمغفرة وغيرها . ولما كان في سياق التعظيم للنعمة ، كرر حرف السبب تأكيداً للكلام ، وتعريفاً أن المقرون به مسبب عن الإنعام ، وقرنه بأداة النفي الدالة على التأكيد فقال : { فلن أكون ظهيراً } أي عشيراً أو خليطاً أو معيناً { للمجرمين * } أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل ، أي لا أكون بين ظهراني القبط ، فإن فسادهم كثير ، وظلمهم لعبادك أبناء أوليائك متواصل وكبير ، لا قدرة لي على ترك نصرتهم ، وذلك يجر إلى أمثال هذه الفعلة ، فلا أصلح من المهاجرة لهم ، وهذا من قول العرب : جاءنا في ظهرته - بالضم وبالكسر وبالتحريك ، وظاهرته ، أي عشيرته . ولما ذكر القتل وأتبعه ما هو الأهم من أمره بالنظر إلى الآخرة ، ذكر ما تسبب عنه من أحوال الدنيا فقال : { فأصبح } أي موسى عليه الصلاة والسلام { في المدينة } أي التي قتل القتيل فيها { خائفاً } أي بسبب قتله له { يترقب } أي لازم الخوف كثير الالتفات برقبته ذعراً من طارقة تطرقه في ذلك ، قال البغوي : والترقب : انتظار المكروه . { فإذا } أي ففجئه { الذي استنصره } أي طلب نصرته من شيعته { بالأمس } أي اليوم الذي يلي يوم الاستصراخ من قبله { يستصرخه } أي يطلب ما يزيل ما يصرخ بسببه من الضر من قبطي آخر كان يظلمه ، فكأنه قيل : فما قال له موسى بعدما أوقعه فيما يكره ؟ فقيل : { قال له } أي لهذا المستصرخ { موسى } . ولما كان الحال متقضياً أن ذلك الإسرائيلي يمكث مدة لا يخاصم أحداً خوفاً من جريرة ذلك القتيل ، أكد قوله : { إنك لغوي } أي صاحب ضلال بالغ { مبين * } أي واضح الضلال غير خفيه ، لكون ما وقع بالأمس لم يكفك عن الخصومة لمن لا تطيقه وإن كنت مظلوماً ؛ ثم دنا منهما لينصره ؛ ثم قال مشيراً بالفاء إلى المبادرة إلى إصراخه : { فلما } وأثبت الحرف الذي أصله المصدر تأكيداً لمعنى الإرادة فقال : { أن أراد } أي شاء ، وطلب وقصد مصدقاً ذلك بالمشي { أن يبطش } أي موسى عليه الصلاة والسلام { بالذي هو عدو لهما } أي من القبط بأخذه بعنف وسطوة لخلاص الإسرائيلي منه { قال } أي الإسرائيلي الغوي لأجل ما رأى من غضبه وكلمه به من الكلام الغص ظاناً أنه ما دنا إلا يريد البطش به هو ، لما أوقعه فيه لا بعدوه : { يا موسى } ناصاً عليه باسمه العلم دفعاً لكل لبس منكر الفعلة الذي اعتقده لما رآه من دنوه إليهما غضبان وهو يذمه { أتريد أن تقتلني } أي اليوم وأنا من شيعتك { كما قتلت نفساً بالأمس } أي من شيعة أعدائنا ، والذي دل على أن الإسرائيلي هو الذي قال له هذا الكلام السياق بكون الكلام معه - بما أشير إليه بدخول المدينة على حين غفلة من أنهم لم يره أحد غير الإسرائيلي ، وبقوله { عدو لهما } من ذم الإسرائيلي كما صرح به موسى عليه الصلاة والسلام . ولما نم عليه وأفشى ما لا يعلمه غيره ، خاف غائلته فزاد في الإغراء به . مؤكداً بقوله : { إن } أي ما { تريد إلا أن تكون } أي كوناً راسخاً { جباراً } أي قاهراً غالباً ؛ قال أبو حيان : وشأن الجبار أن يقتل بغير حق . { في الأرض } أي التي تكون بها فلا يكون فوقك أحد { وما تريد } أي يتجدد لك إرادة { أن تكون } أي بما هو لك كالجبلة { من المصلحين * } أي العريقين في الصلاح ، فإن المصلح بين الناس لا يصل إلى القتل على هذه الصورة ، فلما سمع الفرعوني هذا ترك الإسرائيلي ، وكانوا - لما قتل ذلك القبطي - ظنوا في بني إسرائيل ، فأغروا فرعون بهم فقال : هل من بينة ، فإن الملك وإن كان صفوة مع قومه لا ينبغي له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت - كما ذكر ذلك في حديث المفتون الذي رواه أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فلما قال هذا الغوي هذه المقالة تحقق الأمر في موسى عليه الصلاة والسلام .