Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 36-39)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان التقدير : فأتاهم كما أمر الله ، وعاضده أخوه كما أخبر الله ، ودعواهم إلى الله تعالى ، وأظهرا ما أمرا به من الآيات ، بنى قوله مبيناً بالفاء سرعة امتثاله : { فلما جاءهم } أي فرعون وقومه . ولما كانت رسالة هارون عليه الصلاة والسلام إنما هي تأييد لموسى عليه الصلاة والسلام ، أشار إلى ذلك بالتصريح باسم الجائي ، فقال : { موسى بآياتنا } أي التي أمرناه بها ، الدالة على جميع الآيات للتساوي في خرق العادة حال كونها { بينات } أي في غاية الوضوح { قالوا } أي فرعون وجنوده { ما هذا } أي الذي أظهره من الآيات { إلا سحر مفترى } أي هو خيال لا حقيقة له كجميع أنواع السحر ، متعمداً التخييل به ، لا أنه معجزة من عند الله { وما سمعنا بهذا } أي الذي تقوله من الرسالة عن الله { في آبائنا } وأشاروا إلى البدعة التي قد أضلت أكثر الخلق ، وهي تحكيم عوائد التقليد ، ولا سيما عند تقادمها على القواطع في قوله : { الأولين * } وقد كذبوا وافتروا لقد سمعوا بذلك في أيام يوسف عليه السلام " وما بالعهد من قدم " فقد قال لهم الذي آمن { يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } [ غافر : 34 ] - إلى قوله : { ولقد جاءكم يوسف من قبله بالبينات } [ غافر : 34 ] . ولما أخبر تعالى بقولهم عطف عليه الإخبار بقول موسى عليه الصلاة والسلام ليوازن السامع بين الكلامين ، ويتبصر بعقله ما الفاسد منهما " فبضدها تتبين الأشياء " هذا على قراءة الجماعة بالواو ، واستأنف جواباً لمن كأنه سأل عن جوابه على قراءة ابن كثير بحذفها ، فإن الموضع موضع بحث عما أجابهم به عند تسميتهم الآيات الباهرات سحراً ، استعظاماً لذلك فقال : { وقال موسى } أي لما كذبوه وهم الكاذبون ، مشيراً لذي البصر إلى طريق يميزون به الأمرين في سياق مهدد لهم : { ربي } أي المحسن إليّ بما ترون من تصديقي في كل ما ادعيته بإظهار ما لا تقدرون عليه على قوتكم من الخوارق ، ومنع هذا الظالم العاتي المستكبر من الوصول إليّ بسوء { أعلم بمن جاء } بالضلال ظلماً وعدواناً ، فيكون مخذولاً لكونه ساحراً فمحرقاً مفترياً على الله ، ويكون له سوء الدار ، وأعلم بحاله ، ولكنه قال " بمن جاء " { بالهدى } أي الذي أذن الله فيه ، وهو حق في نفسه { من عنده } ، تصويراً لحاله ، وتشويقاً إلى أتباعه { ومن تكون له } لكونه منصوراً مؤيداً { عاقبة الدار } أي الراحة والسكن والاستقرار مع الأمن والطمأنينة والسرور والظفر بجميع المطالب في الحالة التي تكون آخر الحالات مني ومنكم ، فيعلم أنه أتى بما يرضي الله وهي وإن كانت حقيقتها ما يتعقب الشيء من خير أو شر ، لكنها لا يراد بها إلا ما يقصد للعاقل حتى تكون له ، وأما عاقبة السوء فهي عليه لا له ؛ ثم علل ذلك بما أجرى الله به عادته ؛ فقال معلماً بأن المخذول هو الكاذب ، إشارة إلى أنه الغالب لكون الله معه ، مؤكداً لما استقر في الأنفس من أن التقوي لا يغلبه الضعيف { إنه لا يفلح } أي يظفر ويفوز { الظالمون * } أي الذين يمشون كما يمشي من هو في الظلام بغير دليل ، فهم لا يضعون قدماً في موضع يثقون بأنه صالح للمشي فيه ، لا تبعة فيه فستنظرون { ولتعلمن نبأه بعد حين } { وقال فرعون } جواباً لهذا الترغيب والترهيب بعد الإعذار ، ببيان الآيات الكبار ، قانعاً في مدافعة ما رأى أنه اجتذب قومه الأغمار الأغبياء عن الجهل من ظهور تلك الآيات البينات بأن يوقفهم عن الإيمان إلى وقت ما ، وكذا كانت عادته كلما أظهر موسى عليه الصلاة والسلام برهاناً ، لأن قومه في غاية الغباوة والعراقة في الميل إلى الباطل والنفرة من الحق وترجيح المظنة على المئنة : { يا أيها الملأ } أي الأشراف ، معظماً لهم استجلاباً لقلوبهم { ما علمت لكم } وأعرق في النفي فقال : { من إله غيري } نفى علمه بذلك إظهاراً للنصفة ، وأنه ما قصد غشهم ، وذلك منه واضح في أنه قصد تشكيكهم ، إشارة منه إلى أن انتقاء علمه بوجوده ما هو إلا لانتفاء وجوده بعد علمه بأن الحق مع موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أنهى ما قدر عليه بعد رؤيتهم لباهر الآيات ، وظاهر الدلالات ؛ ثم زاد في إيقافهم عن المتابعة بأن سبب عن جهله قوله لوزيره معلماً له صنعة الآجر لأنه أول من عمله ، مع أنه هذه العبارة أشبه بهمم الجبابرة من أن يقول : اصنع لي آجراً : { فأوقد لي } أضاف الإيقاد إليه إعلاماً بأنه لا بد منه { يا هامان } وهو وزيره { على الطين } أي المتخذ لبناً ليصير آجراً ؛ ثم سبب عن الإيقاد قوله : { فاجعل لي } أي منه { صرحاً } أي بناء عالياً يتاخم السماء ، قال الطبري : وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر ، وقال الزجاج : كل بناء متسع مرتفع { لعلي أطلع } أي أتكلف الطلوع { إلى إله موسى } أي الذي يدعوا إليه ، فإنه ليس في الأرض أحد بهذا الوصف الذي ذكره فأنا أطلبه في السماء موهماً لهم أنه مما يمكن الوصول إليه على تقدير صحة الدعوى بأنه موجود ، وهو قاطع بخلاف ذلك ، ولكنه يقصد المدافعة من وقت إلى وقت ، لعلمه أن العادة جرت بأن أكثر الناس يظنون بالملوك القدرة على كل ما يقولونه ؛ ثم زادهم شكاً بقوله ، مؤكداً لأجل دفع ما استقر في الأنفس من صدق موسى عليه الصلاة والسلام : { وإني لأظنه } أي موسى { من الكاذبين * } أي دأبه ذلك ، وقد كذب هو ولبس لعنة الله ووصف أصدق أهل ذلك الزمان بصفة العريقة في العدوان ، وإن كان هذا الكلام منه على حقيقته فلا شيء أثبت شهادة على إفراط جهله وغباوته منه حيث ظن أنه يصل السماء ؛ ثم علل على تقدير الوصول يقدر على الارتقاء على ظهرها ، ثم على تقدير ذلك يقدر على منازعة بانيها وسامكها ومعليها . ولما قال هذا مريداً به - كما تقدم - إيقاف قومه عن إتباع الحق ، أتبعه تعالى الإشارة إلى أنهم فعلوا ما أراد ، وإن كان ذلك هو الكبر عن الحق فقال تعالى : { واستكبر } أي وأوجد الكبر بغاية الرغبة فيه { هو } بقوله هذا الذي صدهم به عن السبيل { وجنوده } بانصدادهم لشدة رغبتهم في الكبر على الحق والاتباع للباطل { في الأرض } أي أرض مصر ، ولعله عرفها إشارة إلى أنه لو قدر على ذلك في غيرها فعل { بغير الحق } أي استكباراً مصحوباً بغير هذه الحقيقة ، والتعبير بالتعريف يدل على أن التعظيم بنوع من الحق ليس كبراً وإن كانت صورته كذلك ، وأما تكبره سبحانه فهو بالحق كله ، وعطف على ذلك ما تفرع عنه وعن الغباوة أيضاً ولذا لم يعطفه بالفاء ، فقال : { وظنوا } أي فرعون وقومه ظناً بنوا عليه اعتقادهم في أصل الدين الذي لا يكون إلا بقاطع { أنهم إلينا } أي إلى حكمنا خاصة الذي يظهر عنده انقطاع الأسباب { لا يرجعون * } أي لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فلذلك اجترؤوا على ما ارتكبوه من الفساد .