Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 28-32)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان - كما مضى - السياق للابتلاء ، خص بالبسط في القص من لم يكن له ناصر من قومه ، أو كان غريباً منها ، ولذلك أتبع الخليل عليه الصلاة والسلام ابن أخيه الذي أرسله الله إلى أهل سدوم : ناس لا قرابة له فيهم ولا عشيرة ، فقال : { ولوطاً } أي أرسلناه ، وأشار إلى إسراعه في الامتثال بقوله : { إذ } أي وأرسلناه حين { قال لقومه } أهل سدوم الذين سكن فيهم وصاهرهم وانقطع إليهم فصاروا قومه ، حين فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام ، منكراً ما رأى من حالهم ، وقبيح فعالهم ، مؤكداً له إشارة إلى أنه - مع كونه يرونه من أعرف المعارف - جدير بأن ينكر : { إنكم لتأتون الفاحشة } أي المجاوزة للحد في القبح ، فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها . ثم علل كونها فاحشة استئنافاً بقوله : { ما سبقكم } أو هي حال مبينة لعظيم جرأتهم على المنكر ، أي غير مسبوقين { بها } وأعرق في النفي بقوله : { من أحد } وزاد بقوله : { من العالمين * } أي كلهم فضلاً عن خصوص الناس ؛ ثم كرر الإنكار تأكيداً لتجاوز قبحها الذي ينكرونه فقال : { أئنكم لتأتون الرجال } إتيان الشهوة ، وعطف عليها ما ضموه إليها من المناكر ، بياناً لاستحقاق الذم من وجوه ، فأوجب حالهم ظن أنهم وصلوا من الخبث إلى حد لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر ، فقال { وتقطعون السبيل * } أي بأذى الجلابين والمارة . ولما خص هذين الفسادين ، عم دالاً على المجاهرة فقال : { وتأتون في ناديكم } أي المكان الذي تجلسون فيه للتحدث بحيث يسمع بعضكم نداء بعض من مجلس المؤانسة ، وهو ناد ما دام القوم فيه ، فإذا قاموا عنه لم يسم بذلك { المنكر } أي هذا الجنس ، وهو ما تنكره الشرائع والمروءات والعقول ، ولا تتحاشون عن شيء منه في المجتمع الذي يتحاشى فيه الإنسان من فعل خلاف الأولى ، من غير أن يستحي بعضكم من بعض ؛ ودل على عنادهم بقوله مسبباً عن هذه النصائح بالنهي عن تلك الفضائح : { فما كان جواب قومه } أي الذين فيهم قوة ونجدة بحيث يخشى شرهم ، ويتقي أذاهم وضرهم ، لما أنكر عليهم ما أنكر { إلا أن قالوا } عناداً وجهلاً واستهزاء : { ائتنا بعذاب الله } وعبروا بالاسم الأعظم زيادة في الجرأة . ولما كان الإنكار ملزوماً للوعيد بأمر ضار قالوا : { إن كنت } أي كوناً متمكناً { من الصادقين * } أي في وعيدك وإرسالك ، إلهاباً وتهييجاً . ولما كان كأنه قيل : بم أجابهم ؟ قيل : { قال } أي لوط عليه الصلاة والسلام معرضاً عنهم ، مقبلاً بكليته على المحسن إليه : { رب } أي أيها المحسن إليّ { انصرني على القوم } أي الذين فيهم من القوة ما لا طاقة لي بهم معه { المفسدين * } بإتيان ما تعلم من القبائح . ولما كان التقدير : فاستجبنا له فأرسلنا رسلنا بشرى لعمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولإهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام ، تحقيقاً لانتقامنا من المجرمين ، وإنعامنا على الصالحين ، ولابتلائنا لمن نريد من عبادنا حيث جعلنا النذارة مقارنة للبشارة ، عطف عليه قوله : { ولما جاءت } وأسقط " أن " لأنه لم يتصل المقول بأول المجيء بل كان قبله السلام والإضافة ؛ وعظم الرسل بقولهك { رسلنا } أي من الملائكة تعظيماً لهم في أنفسهم ولما جاؤوا به { إبراهيم بالبشرى } أي بإسحاق ولداً له ، ويعقوب ولداً لإسحاق عليهما الصلاة والسلام . ولما كان المقام للابتلاء والامتحان ، أجمل البشرى ، وفصل النذري ، فقال : { قالوا } أي الرسل عليهم الصلاة والسلام لإبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد أن بشروه وتوجهوا نحو سدوم ، جواباً لسؤاله عن خطبهم ، تحقيقاً لأن أهل السيئات مأخوذون ، وأكدوا لعلمهم أن الخليل عليه الصلاة والسلام يود أن يهديهم الله على يد ابن أخيه ولا يهلكهم ، فقالوا : { إنا مهلكو } وأضافوا تحقيقاً لأن الأمر قد حق وفرغ منه فقالوا : { أهل هذه القرية } ثم عللوا ذلك بقولهم : { إن أهلها } مظهرين غير مضمرين إفهاماً لأن المراد أهلها الأضلاء في ذلك ، إخراجاً للوط عليه السلام : { كانوا ظالمين * } أي عريقين في هذا الوصف ، فلا حيلة في رجوعهم عنه . ولما كان السامع بحيث يتشوف إلى معرفة ما كان بعد ذلك ، كان كأنه قيل : لم يقنع الخليل عليه السلام لخطر المقام بهذا التلويح ، بل { قال } مؤكداً تنبيهاً على جلالة ابن أخيه ، وإعلاماً بشدة اهتمامه به ، وأنه ليس ممن يستحق الهلاك ، ليعلم ما يقولون في حقه ، لأن الحال جد ، فهو جدير بالاختصار : { إن } وأفهم بقوله : { فيها لوطاً } دون ، منهم ، أنه نزيل تدرجاً إلى التصريح بالسؤال فيه ، وسؤالاً في الدفع عنهم بكونه فيهم ، لأنه بعيد عما عللوا به الإهلاك من الظلم ، { قالوا } أي الرسل لإبراهيم عليه الصلاة والسلام : { نحن أعلم } أي منك { بمن فيها } أي من لوط وغيره . ولما كان كلامهم محتملاً للأنجاء والإرداء ، صرحوا بقولهم على سبيل التأكيد ، لأن إنجاءه من بينهم جدير بالاستبعاد : { لننجينه } أي إنجاءاً عظيماً { وأهله } ولما أفهم هذا امرأته استثنوها ليكون ذلك أنص على إنجاء غيرها من جميع أهله فقالوا : { إلا امرأته } فكأنه قيل : فما حالها ؟ فقيل : { كانت } أي جبلة وطبعاً { من الغابرين * } أي الباقين في الأرض المدمرة والجماعة الفجرة ، ليعم وجهها معهم الغبرة .