Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 5-9)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما خوف عباده المحسنين والمسيئين ، وضربهم بسوط القهر أجمعين ، أشار إلى التلويح بتهديد الكاذبين في التصريح بتشويق الصادقين فقال على سبيل الاستنتاج مما مضى : { من كان يرجو } عبر به لأن الرجاء كافٍ عن الخوف منه سبحانه { لقاء الله } أي الجامع لصفات الكمال ، فلا يجوز عليه ترك البعث فإنه نقص ومنابذ للحكمة ، وشبه البعث باللقاء لانكشاف كثير من الحجب به وحضور الجزاء . ولما كان المنكر للبعث كثيراً ، أكد فقال موضع : فإنه آت فليحذر وليبشر ، تفخيماً للأمر وتثبيتاً وتهويلاً : { فإن أجل الله } أي الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وجميع صفات الكمال المحتوم لذلك { لآت } لا محيص عنه ، فإنه لا يجوز عليه وقوع إخلاف الوعد ، ولذلك عبر بالاسم الأعظم ، وللإشارة إلى أن أهوال اللقاء لا يحيط لها العد ، ولا يحصرها حد ، فليتعد لذلك بالمجاهدة والمقاتلة لنفسه من ينصحها ، وقال تعالى : { وهو } أي وحده { السميع العليم * } حثاً على تطهير الظاهر والباطن في العقد والقول والفعل . ولما حث على العمل ، بين أنه ليس إلا لنفع العامل ، لئلا يخطر في خاطر ما يوجب تعب الدنيا وشقاء الآخرة من اعتقاد ما لا يليق بجلاله تعالى ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن أراح نفسه في الدنيا فإنما ضر نفسه : { ومن جاهد } أي بذل جهده حتى كأنه يسابق آخر في الأعمال الصالحة { فإنما يجاهد لنفسه } لأن نفع ذلك له فيتعبها ليريحها ، ويشقيها ليسعدها ، ويميتها ليحييها ، وعبر بالنفس لأنها الأمارة بالسوء ، وإنما طوى ما أدعى تقديره لأن السياق للمجاهدة ، ثم علل هذا الحصر بقوله : { إن الله } أي المتعالي عن كل شائبة نقص { لغني } وأكد لأن كثرة الأوامر ربما أوجبت للجاهل ظن الحاجة ، وذلك نكتة الإتيان بالاسم الأعظم ، وبين أن غناه الغنى المطلق بقوله موضع " عنه " { عن العالمين * } فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية . ولما كان التقدير : فالذين كفروا وعملوا السيئات لنجزينهم أجمعين ، ولكنه طواه لأن السياق لأهل الرجاء ، عطف عليه قوله : { والذين آمنوا وعملوا } تصديقاً لإيمانهم { الصالحات } في الشدة والرخاء على حسب طاقتهم ، واشار بقوله : { لنكفرن عنهم سيئاتهم } إلى أن الإنسان وإن اجتهد لا بد أن يزل لأنه مجبول على النقص ، فالصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما لم يؤت الكبائر ، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان ونحو ذلك مما وردت به الأخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم . وزاده فضلاً وشرفاً لديه ؛ قال البغوي : والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة ، أو لنغفرن لهم الشرك وما عملوا فيه ، وأكد لأن الإنسان مجبول على الانتقام ممن أساء ولو بكلمة ولو بالامتنان بذكر العفو فلا يكاد يحقق غير ما طبع عليه . ولما بشرهم بالعفو عن العقاب ، أتم البشرى بالامتنان بالثواب ، فقال عاطفاً على ما تقديره : ولنثبتن لهم حسناتهم { ولنجزينهم } أي في الإسلام { أحسن الذي كانوا } أي كوناً يحملهم على أتم رغبة { يعملون * } أي أحسن جزاء ما عملوه في الإسلام وما قبله وفي طبعهم أن يعملوه . ولما ذكر سبحانه أنه لا بد من الفتنة ، وحذر من كفر ، وبشر من صبر ، قال عاطفاً على { ولقد فتنا } مشيراً إلى تعظيم حرمة الوالد حيث جعلها في سياق تعظيم الخالق ، وإلى أنها أعظم فتنة : { ووصينا } على ما لنا من العظمة { الإنسان } أي الذي أعناه على ذلك بأن جعلناه على الأنس بأشكاله لا سيما من أحسن إليه ، فكيف بأعز الخلق عليه ، وذلك فتنة له { بوالديه } . ولما كان التقدير : فقلنا له : افعل بهما { حسناً } أي فعلاً ذا حسن من برهما وعطف عليهما ، عطف عليه قوله : { وإن جاهداك } أي فعلاً معك فعل المجاهد مع من يجاهده فاستفرغا مجهودهما في معالجتك { لتشرك } وترك مظهر العظمة للنص على المقصود فقال : { بي } ونبهه على طلب البرهان في الأصول إشارة إلى خطر المقام لعظم المرام ، فقال استعمالاً للعدل ، مشيراً بنفي العلم إلى انتفاء العلوم : { ما ليس لك به علم } أصلاً بأنه يستحق الشركة فإن من عبد ما لم يعلم استحقاقه للعبادة فهو كافر { فلا تطعهما } فإنه لا طاعة لمخلوق - وإن عظم - في معصية الخالق ، وهذا موجب لئلا يقع من أحد شرك أصلاً ، فإنه لا ريب أصلاً في أنه لا شبهة تقوم على أن غيره تعالى يستحق الإلهية ، فكيف بدليل يوجب علماً ، والمقصود من سياق الكلام إظهار النصفة والتنبيه على النصيحة ، ليكون أدعى إلى القبول ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إليّ مرجعكم } أي جميعاً : من آمن ومن أشرك بالحشر يوم القيامة ؛ ثم سبب عنه قوله : { فأنبئكم } أي أخبركم إخباراً عظيماً مستقصى بليغاً { بما كنتم } أي برغبتكم { تعملون * } أي فقفوا عند حدودي ، واتركوا ما تزينه لكم شهواتكم ، واحذروا مجازاتي على قليل ذلك وكثيره ، عبر سبحانه بالسبب الذي هو الإنباء لأنه لا مثنوية فيه عن المسبب الذي هو الجزاء ، مطلقاً للعبارة ، وتهديداً بليغاً على وجه الإشارة ، وطوى ذكره لأنه قد يدخله العفو ، وهذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أسلم وكان باراً بأمه ، فحلفت : لا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه أو تموت فيعير بها ويقال قاتل أمه ، فمكثت يومين بلياليهما فقال : ياأماه ، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ! فلما أيست منه أكلت وشربت - وأصل القصة في الترمذي . ولما كان التقدير : فالذين أشركوا وعملوا السيئات لندخلنهم في المفسدين ، ولكنه طواه لدلالة السياق عليه ، عطف عليه زيادة في الحث على الإحسان إلى الوالدين قوله : { والذين آمنوا وعملوا } في السراء والضراء { الصالحات } . ولما كان الصالح في الغالب سيىء الحال في الدنيا ناقص الحظ منها ، فكان عدوه ينكر أن يحسن حاله أشد إنكار ، أكد قوله : { لندخلنهم } أي بوعد لا خلف فيه { في الصالحين * } وناهيك به من مدخل ، فإنه من أبلغ صفات المؤمنين .