Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 144-147)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان التقدير : فانهزمتم عندما صرخ الشيطان كذباً : ألا إن محمداً قد قتل ! ولم يكن لكم ذلك فإنكم إنما تعبدون رب محمد الحي القيوم وتقاتلون له ، وأما محمد فما هو بخالد لكم في الدنيا قال : { وما محمد إلا رسول } أي من شأنه الموت ، لا إله ، ثم قرر المراد من السياق بقوله : { قد خلت } أي بمفارقة أممهم ، إما بالموت أو الرفع إلى السماء ، ولما كان المراد أن الخلو منهم إنما كان في بعض الزمان الماضي لما مضى أثبت الجار فقال : { من قبله الرسل } أي فيسلك سبيلهم ، فاسلكوا أنتم سبيل من نصح نفسه من أتباعهم فاستمسك بنورهم . ولما سبب عن ذلك إنكار انهزامهم ودعتهم على تقدير فقده أنكر عليهم بقوله : { أفإن } ولما كان الملك القادر على ما يريد لا يقول شيئاً وإن كان فرضاً إلا فعله ولو على أقل وجوهه ، وكان في علمه سبحانه أنه صلى الله عليه وسلم يموت موتاً - لكونه على فراشه ، وقتلاً - لكونه بالسم ، قال : { مات } أي موتاً على الفراش { أو قتل } أي قتلاً { انقلبتم } أي عن الحال التي فارقكم عليها فأضعتم مشاعر الدين وتركتم مشاريع المرسلين ! ثم قرر المعنى بقوله : { على أعقابكم } لئلا يظن أن المراد مطلق الانتقال وإن كان على الاستواء والانتقال إلى أحسن { ومن } أي انتقلتم والحال أنه من { ينقلب على عقبيه } أي بترك ما شرعه له نبيه أو التقصير فيه { فلن يضر الله } أي المحيط بجميع العظمة { شيئاً } لأنه متعالٍ عن ذلك بأن الخلق كلهم طوع أمره ، لا يتحركون حركة إلا على وفق مراده ، فلو أراد لهداهم أجمعين ، ولو أراد أضلهم أجمعين ، وإنما يضر ذلك المنقلب نفسه لكفره بالله ، وسيجزي الله الشاكرين ، ومن سار ثابتاً على المنهج السوي فإنما ينفع نفسه لشكره لله { وسيجزي الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { الشاكرين * } أي كلهم ، فالآية من الاحتباك : أثبت الانقلاب وعدم الضر أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً ، والجزاء ثانياً دليلاً على حذف مثله أولاً . ولما كان موت الرأس من أنصار الدين لا يصلح أن يكون سبباً للفرار إلا إذا كان موته بغير إذن صاحب الدين ، وكان الفرار لا يصلح إلا أذا كان يمكن أن يكون سبباً للنجاة ، وأما إذا كان موته لا يكون إلا بإرادة رب الدين ، والفرار لا يكون سبباً في زيادة الأجل ولا نقصه ؛ أشار إلى ذلك بقوله : { وما كان لنفس } أي من الأنفس كائنة من كانت { أن تموت } أي بشيء من الأشياء { إلا بإذن الله } أي بعلم الملك الأعلى الذي له الإحاطة التامة وإرادته وتمكينه من قبضها " كتب لكل نفس عمرها " { كتاباً مؤجلاً } أي أجلاً لا يتقدم عنه بثبات ، ولا يتأخر عنه بفرار أصلاً . ولما كان المعنى : فمن أقدم شكرته ولم يضره الإقدام ، ومن أحجم ذممته ولم ينفعه الإحجام ، وكان الحامل على الإقدام إيثار ما عند الله ، والحامل على الإحجام إيثار الدنيا ؛ عطف على ذلك قوله : { ومن يرد ثواب الدنيا } أي بعمله - كما افهمه التعبير بالثواب ، وهم المقبلون على الغنائم بالنهب والفارون كفراً لنعمة الله { نؤته منها } أي ما أراد ، وختام الآية يدل على أن التقدير هنا : وسنردي الكافرين , ولكنه طواه رفقاً لهم { ومن يرد ثواب الآخرة } أي وهم الثابتون شكراً على إحسانه إليهم من غير أن يشغلهم شاغل عن الجهاد ، ولما كان قصد الجزاء غير قادح في الإخلاص منه من الله تعالى علينا قال : { نؤته } ونبه على أن العمل لذات الله من غير نظر إلى ثواب ولا عقاب أعلى فقال : { منها } أي وسنجزيه لشكره ، وهو معنى قوله : { وسنجزي الشاكرين * } لكنه أظهر لتعليق الحكم بالوصف وعمم . ولما ذكر سبحانه وتعالى هذه الجمل على هذا الوجه الذي بين فيه العلل ، وأوضح بحال الزلل ، وكان التقدير بعد انقضائها : فكأين من قوم أمرناهم بالجهاد ، فكانوا على هذين القسمين ، فأثبنا الطائع وعذبنا العاصي ، ولم يضرنا ذلك شيئاً ، ولا جرى شيء منه على غير مرادنا ، عطف عليه يؤسيهم بطريق الصالحين من قبلهم ويسيلهم بأحوالهم قوله : { وكأين } وهي بمعنى كم ، وفيها لغات كثيرة ، قرىء منها في العشر بثنتين : الجمهور بفتح الهمزة بعد الكاف وتشديد الياء المكسورة ، وابن كثير وأبو جعفر بألف ممدودة بعد الكاف وهمزة مكسورة ، ولعلها أبلغ - لأنه عوض عن الحرف المحذوف - من المشهورة بالمد ، والمد أوقع في النفس وأوقر في القلب ؛ وفيها كلام كثير - في لغاتها ومعناها وقراءاتها المتواترة والشاذة وصلاً ووقفاً ، ورسمها في مصحف الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي وقع إجماع الصحابة عليه ليكون المرجع عند الاختلاف إليه ، وهل هي بسيطة أو مركبة ومشتقة أو جامدة وفي كيفية التصرف في لغاتها - استوعبته في كتابي الجامع المبين لما قيل في { كأين } ، وقال سبحانه : { من نبي } لتكون التسلية أعظم بذكر ما هو طبق ما وقع في هذه الغزوة من قتل أصحابه ، واحتمال العبارة لقتله نفسه بقوله : { قتل } أي ذلك النبي حال كونه { معه } لكن الأرجح إسناد { قتل } إلى { ربيون } لموافقته قراءة الجماعة - سوى الحرميين وأبي عمرو - : قاتل معه { ربيون } أي علماؤهم ورثة الأنبياء ، وعلى منهاجهم { كثير فما } أي فما تسبب عن قتل نبيهم وهنهم ، أو يكون المعنى ويؤيده الوصف بالكثرة - : قتل الربيون ، فما تسبب عن قتلهم أن الباقين بعدهم { وهنوا } أي ضعفوا عن عملهم { لما أصابهم في سبيل الله } أي الملك الأعظم من القتل لنبيهم الذي هو عمادهم ، أو لإخوانهم الذين هم أعضادهم لكونه من الله { وما ضعفوا } أي مطلقاً في العمل ولا في غيره { وما استكانوا } أي وما خضعوا لأعدائهم فطلبوا أن يكونوا تحت أيديهم - تعريضاً بمن قال : اذهبَوا إلى أبي عامر الراهب ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان ، بل صبروا ، فأحبهم الله لصبرهم { والله } أي الذي له صفات الكمال { يحب الصابرين * } أي فليفعلن بهم من النصر وإعلاء القدر وجميع أنواع الإكرام فعل من يحبه . ولما أثنى سبحانه وتعالى على فعلهم أتبعه قولهم فقال : { وما كان } أي شيء من القول { قولهم } أي بسبب ذلك الأمر الذي دهمهم { إلا أن قالوا } أي وهم يجتهدون في نصر دين الله ناسبين الخذلان إلى أنفسهم بتعاطي أسبابه { ربنا اغفر لنا ذنوبنا } أي التي استوجبنا بها الخذلان { وإسرافنا في أمرنا } هضماً لأنفسهم ، فمع كونهم ربانيين مجتهدين نسبوا ما أصابهم إلى ذنوبهم ، فافعلو أنتم فعلهم لتنالوا من الكرامة ما نالوا ، كما أشار لكم سبحانه وتعالى إلى ذلك قبل الأخذ في قص القصة عندما وصف به المتقين من قوله : { أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } [ آل عمران : 135 ] . ولما دعوا بمحو ما أوجب الخذلان دعوا بثمرة المحو فقالوا : { وثبت أقدامنا } إشارة إلى أن الرعب من نتائج الذنب ، والثبات من ثمرات الطاعة - إنما تقاتلون الناس بأعمالكم - ثم أشاروا إلى أن قتالهم لهم إنما هو لله ، لا لحظ من حظوظ النفس أصلاً بقوله : { وانصرنا على القوم الكافرين * } .