Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 1-3)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤمۤ تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك } أي أيقع منهم هذا بعد وضوحه وجلاء وشواهده ، ثم أتبع ذلك بقوله : { مالكم من دونه من ولي ولا شفيع } وهو تمام لقوله : { ومن يسلم وجهه إلى الله } ولقوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ولقوله : { وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين } ولقوله : { اتقوا ربكم ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون } بما ذكرتم ، ألا ترون أمر لقمان وهدايته بمجرد دليل فطرته ، فما لكم بعد التذكير وتقريع الزواجر وترادف الدلائل وتعاقب الآيات تتوقفون عن السلوك إلى ربكم وقد أقررتم بأنه خالقكم ، ولجأتم إليه عند احتياجكم ؟ ثم أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم برجوع من عاند وإجابته حين لا ينفعه رجوع ، ولا تغني عنه إجابة ، فقال : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } كما فعلنا بلقمان ومن أردنا توفيقه ، ثم ذكر انقسامهم بحسب السوابق فقال : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } ثم ذكر مصير الفريقين ومآل الحزبين ، ثم أتبع ذلك بسوء حال من ذكر فأعرض فقال : { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها } وتعلق الكلام إلى آخر السورة - انتهى . ولما كان هذا الذي قدمه أول السورة على هذا الوجه برهاناً ساطعاً ودليلاً قاطعاً على أن هذا الكتاب من عند الله ، كان - كما حكاه البغوي والرازي في اللوامع - كأنه قيل : هل آمنوا به ؟ { أم يقولون } مع ذلك الذي لا يمترئ فيه عاقل { افتراه } أي تعمد كذبه . ولما كان الجواب : إنهم ليقولون : افتراه ، وكان جوابه : ليس هو مفتري لما هو مقارن له من الإعجاز ، ترتب عليه قوله : { بل هو الحق } أي الثابت ثباتاً لا يضاهيه ثبات شيء من الكتب قبله ، كائناً { من ربك } المحسن إليك بإنزاله وإحكامه ، وخصه بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهم حقيقته حق الفهم سواه . ولما ذكر سبحانه إحسانه إليه صلى الله عليه وسلم صريحاً ، أشار بتعليله إلى إحسانه به أيضاً إلى كافة العرب ، فقال مفرداً النذارة لأن المقام له بمقتضى ختم لقمان : { لتنذر قوماً } أي ذوي قوة جلد ومنعة وصلاحية للقيام بما أمرهم به { ما أتاهم من نذير } أي رسول في هذه الإزمان القريبة لقول ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد الفترة ، ويؤيده إثبات الجار في قوله : { من قبلك } أي بالفعل شاهدوه أو شاهده آباؤهم . وإما بالمعنى والقوة فقد كان فيهم دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن لحي ، وكلهم كان يعرف ذلك وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يعبد صنماً ولا استقسم بالأزلام ، وذلك كما قال تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } [ فاطر : 24 ] أي شريعته ودينه ، والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر - نبه على ذلك أبو حيان . ويمكن أن يقال : ما أتاهم من ينذرهم على خصوص ما غيروا من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأما إسماعيل ابنه عليه السلام فكان بشيراً لا نذيراً ، لأنهم ما خالفوه ، وأحسن من ذلك كله ما نقله البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أن ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد نقل عيسى عليه السلام لما أرسل رسله إلى الآفاق أرسل إلى العرب رسولاً . ولما ذكر علة الإنزال ، أتبعها علة الإنذار فقال : { لعلهم يهتدون * } أي ليكون حالهم في مجاري العادات حال من ترجى هدايته إلى كمال الشريعة ، وأما التوحيد فلا عذر لأحد فيه بما أقامه الله من حجة العقل مع ما أبقته الرسل عليهم الصلاة والسلام آدم فمن بعده من واضح النقل بآثار دعواتهم وبقايا دلالاتهم ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه : " أبي وأبوك في النار " وقال : " لا تفتخروا بآبائكم الذين مضوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما تدحرج الجعل خير منهم " في غير هذا من الأخبار القاضية بأن كل من مات قبل دعوته على الشرك فهو للنار .