Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 6-10)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تقرر هذا من عالم الأشباح والخلق ، ثم عالم الأرواح والأمر ، فدل ذلك على شمول القدرة ، وكان شامل القدرة لا بد وأن يكون محيط العلم ، كانت نتيجته لا محالة : { ذلك } أي الإله العالي المقدار ، الواضح المنار { عالم الغيب } الذي تقدمت مفاتيحه آخر التي قبلها من الأرواح والأمر والخلق . ولما قدم علم الغيب لكونه ، أعلى وكان العالم به قد لا يعلم المشهود لكونه لا يبصر قال : { والشهادة } من ذلك كله التي منها تنزيل القرآن عليك ووصوله إليك { العزيز } الذي يعجز كل شيء ولا يعجزه شيء . ولما كان ربما قدح متعنت في عزته بإهمال العصاة قال : { الرحيم } أي الذي خص أهل التكليف من عباده بالرحمة في إنزال الكتب على السنة الرسل ، وأبان لهم ما ترضاه الإلهية ، بعد أن عم جميع الخلائق بصفة الرحمانية بعد الإيجاد من الإعدام بالبر والإنعام . ولما ذكر صفة الرحيمية صريحاً لأقتضاء المقام إياها ، أشار إلى صفة الرحمانية فقال : { الذي أحسن كل شيء } ولما كان هذا الإحسان عاماً ، خصه بأن وصفه - على قراءة المدني والكوفي - بقوله : { خلقه } فبين أن ذلك بالإتقان والإحكام ، كما فسر ابن عباس رضي الله عنهما من حيث التشكيل والتصوير ، وشق المشاعر ، وتهيئة المدارك ، وإفاضة المعاني ، مع المفاوتة في جميع ذلك ، وإلى هذا أشار الإبدال في قراءة الباقين ، وعبر بالحسن لأن ما كان على وجه الحكمة كان حسناً وإن رآه الجاهل القاصر قبيحاً . ولما كان الحيوان أشرف الأجناس ، وكان الإنسان أشرفه ، خصه بالذكر ليقوم دليل الوحدانية بالأنفس كما قام قبل بالآفاق ، فقال دالاً على البعث : { وبدأ خلق الإنسان } أي الذي هو المقصود بالخطاب بهذا القرآن { من طين } أي مما ليس له أصل في الحياة بخلق آدم عليه السلام منه . ولما كان قلب الطين إلى هذا الهيكل على هذه الصورة بهذه المعاني أمراً هائلاً ، أشار إليه بأداة البعد في قوله : { ثم جعل نسله } أي ولده الذي ينسل أي يخرج { من سلالة } أي من شيء مسلول ، أي منتزع منه { من ماء مهين } أي حقير وضعيف وقليل مراق مبذول ، فعيل بمعنى مفعول ، وأشار إلى عظمة ما بعد ذلك من خلقه وتطويره بقوله : { ثم سواه } أي عدله لما يراد منه بالتخطيط والتصوير وإبداع المعاني { ونفخ فيه من روحه } الروح ما يمتاز به الحي من الميت ، والإضافة للتشريف ، فيا له من شرف ما أعلاه إضافته إلى الله . ولما ألقى السامعون لهذا الحديث أسماعهم ، فكانوا جديرين بأن يزيد المحدث لهم إقبالهم وانتفاعهم ، لفت إليهم الخطاب قائلاً : { وجعل } أي بما ركب في البدن من الأسباب { لكم السمع } أي تدركون به المعاني المصوتة ، ووحده لقلة التفاوت فيه إذا كان سالماً { والأبصار } تدركون بها المعاني والأعيان القابلة ، ولعله قدمها لأنه ينتفع بهما حال الولادة ، وقدم السمع لأنه يكون إذ ذاك أمتن من البصر . ولذا تربط القوابل العين لئلا يضعفها النور ، وأما العقل فإنما يحصل بالتدريج فلذا أخر محله فقال : { والأفئدة } أي المضغ الحارة المتوقدة المتحرفة ، وهي القلوب المودعة غرائز العقول المتباينة فيها أيّ تباين ؛ قال الرازي في اللوامع : جعله - أي الإنسان - مركباً من روحاني وجسماني ، وعلوي وسفلي ، جمع فيه بين العالمين بنفسه وجسده ، واستجمع الكونين بعقله وحسه ، وارتفع عن الدرجتين باتصال الأمر الأعلى به وحياً قولياً ، وسلم الأمر لمن له الخلق والأمر تسليماً اختيارياً طوعياً . ولما لم يتبادروا إلى الإيمان عند التذكير بهذه النعم الجسام قال : { قليلاً ما تشكرون * } أي وكثيراً ما تكفرون . ولما كانوا قد قالوا : محمد ليس برسول ، والإله ليس بواحد ، والبعث ليس بممكن ، فدل على صحة الرسالة بنفي الريب عن الكتاب ، ثم على الوحدانية بشمول القدرة وإحاطة العلم بإبداع الخلق على وجه هو نعمة لهم ، وختم بالتعجيب من كفرهم ، وكان استبعادهم للبعث - الذي هو الأصل الثالث - من أعظم كفرهم ، قال معجباً منهم في إنكاره بعد التعجيب في قوله : { أم يقولون افتراه } ، لافتاً عنهم الخطاب إيذاناً بالغضب من قولهم : { وقالوا } منكرين لما ركز في الفطر الأُوَل ، ونبهت عليه الرسل ، فصار بحيث لا يكره عاقل ألم بشيء من الحكمة : { أإذا } أي أنبعث إذا { ضللنا } أي ذهبنا وبطلنا وغبنا { في الأرض } بصيرورتنا تراباً مثل ترابها ، لا يتميز بعضه من بعض : قال أبو حيان تبعاً للبغوي والزمخشري وابن جرير الطبري وغيرهم : وأصله من ضل الماء في اللبن - إذا ذهب . ثم كرروا الاستفهام الإنكاري زيادة في الاستبعاد فقالوا : { إنا لفي خلق جديد } هو محيط بنا ونحن مظروفون له . ولما كان قولهم هذا يتضمن إنكارهم القدرة ، وكانوا يقرون بما يلزمهم منه الإقرار بالقدرة على البعث من خلق الخلق والإنجاء من كل كرب ونحو ذلك ، أشار إليه بقوله : { بل } أي ليسوا بمنكرين لقدرته سبحانه ، بل { هم بلقاء ربهم } المحسن بالإيجاد والإبقاء مسخراً لهم كل ما ينفعهم في الآخرة للحساب أحياء سويين كما كانوا في الدنيا ، والإشارة بهذه الصفة إلى أنه لا يحسن بالمحسن أن ينغص إحسانه بترك القصاص من الظالم الكائن في القيامة { كافرون * } أي منكرون للبعث عناداً ، ساترون لما في طباعهم من أدلته ، لما غلب عليهم من الهوى القائد لهم إلى أفعال منعهم من الرجوع عنها الكبرُ عن قبول الحق والأنفة من الإقرار بما يلزم منه نقص العقل .