Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 34-38)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان في هذا تسلية أخروية ، أتبعه التسلية الدنيوية ، فقال عطفاً على ما تقديره : وما أرسلنا غيرك إلا إرسالاً خاصاً لأمته ، عطفاً على { ما أرسلناك إلا كافة } وساقه مؤكداً لأنه مضمونه - لكونه في غاية الغرابة - مما لا يكاد يصدق : { وما أرسلنا } أي بعظمتنا ولما كان المقصود التعميم ، لأنه لم يتقدم قول قريش ليخص التسلية بمن قبلهم ، أسقط القبلية بخلاف ما في سورة الزخرف فقال : { في قرية } وأكد النفي بقوله : { من نذير } أي ينذرهم وخامة ما أمامهم من عوقب أفعالهم ، ودل بإفراده عن البشارة أن غالب الأمم الماضية من أهل النذارة لنظهر مزية هذه الأمة ، ولعله عبر به إشارة إلى الناسخين للشرائع التي قبلهم دون المجددين من أنبياء بني إسرائيل فإن بعضهم لم يكذب { إلا قال مترفوها } أي العظماء الذين لا شغل لهم إلا التنعم بالفاني حتى أكسبهم البغي والطغيان : { إنا بما أرسلتم به } أي أيها المنذرون { كافرون } أي وإذا قال المنعمون ذلك تبعهم المستضعفون فإذا وقفوا عندنا تقاولوا بما تقدم ثم لم ينفعهم ذلك { وقالوا } مفاخرين ودالين على أنهم فائزون كما قال لك هؤلاء كأنهم تواصلوا به : { نحن أكثر } . ولما كانت الأموال في الأغلب سبباً لكثرة الأولاد بالاستكثار من النساء الحرائر والإماء ، قدمها فقال : { أموالاً وأولاداً } أي في هذه الدنيا ، ولو لم يرض منا ما نحن عليه ما رزقنا ذلك { وما نحن } أي الآن { بمعذبين * } أي بثابت عذابنا ، وإنما تعرض لنا أحوال خفيفة من مرض وشدائد هي أخف من أحوالكم ، وحالياً الآن دليل على حالنا فيما يستقبل من الزمان كائناً ما كان ، فإن الحال نموذج المآل ، والأول دليل الآخر ، فإن كان ثَم آخرة كما تقولون فنحن أسعد منكم فيها كما نحن أسعد منكم الآن ، ولم تنفعهم قصة سبأ في ذلك فإنهم لو تأملوا لكفتهم ، وأنارت أبصار بصائرهم ، وصححت أمراض قلوبهم وشفتهم ، فإنهم كانوا أحسن الناس حالاً ، فصاروا أقبحهم مآلاً . ولما كانت لشبهتهم هذه شعبتان تتعلق إحداهما بالذات والأخرى بالثمرات ، بدأ بالأولى لأنها أهم ، فقال مؤكداً تكذيباً لمن يظن أن سعيه يفيد في الرزق شيئاً لولا السعي ما كان : { قل } يا أكرم الخلق على الله ! مؤكداً لأجل إنكارهم لأن يوسع في الدنيا على من لا يرضى فعله : { إن ربي } أي المحسن إليّ بالإنعام بالسعادة الباقية { يبسط الرزق } أي يجدده في كل وقت أراده بالأموال والأولاد وغيرها { لمن يشاء ويقدر } أي يضيق على من يشاء منكم أن يكون جميع الموسع عليهم على ما هو حق عنده ومرضى له ، لاختلافهم في الأصول وتكفير بعضهم لبعض ، فإن الله معذب بعضهم لا محالة ، فبطلت شبهتهم ، وثبت أنه يفعل ما يشاء ابتلاء وامتحاناً ، فلا يدل البسط على الرضى ولا القبض على السخط - على ما عرف من سنته في هذه الدار { ولكن أكثر الناس } أي الذين لم يرتفعوا عن حد النوس والاضطراب { لا يعلمون * } أي ليس لهم علم ليتدبروا به ما ذكرنا من الأمر فيعلموا أنه ليس كل موسع عليه في دنياه سعيداً في عقباه . ولما هدم ما بالذات ، أتبعه ما بالثمرات ، فقال مؤكداً تكذيباً لدعواهم : { وما أموالكم } أي أيها الخلق الذين أنتم من جملتهم وإن كثرت ، وكرر النافي تصريحاً بإبطال كل على حياله فقال : { ولا أولادكم } كذلك ، وأثبت الجار تاكيداً للنفي فقال واصفاً الجمع المكسر بما هو حقه من التأنيث : { بالتي } أي بالأموال والأولاد التي { تقربكم عندنا } أي على ما لنا من العظمة بتصرفاتكم فيها بما يكسب المعالي { زلفى } أي درجة علية وقربة مكينة قال البغوي : قال الأخفش : هي اسم مصدر كأنه قال : تقريباً ، ثم استثنى من ضمير الجمع الذي هو قائم مقام أحد ، فكأنه قيل : لا تقرب أحداً { إلا من } أو يكون المعنى على حذف مضاف , أي إلا أموال وأولاد من { آمن } أي منكم { وعمل } تصديقاً لإيمانه على ذلك الأساس { صالحاً } أي في ماله بإنفاقه في سبيل الله وفي ولده بتعليمه الخير . ولما منّ على المصلحين من المؤمنين في أموالهم وأولادهم بأن جعلها سبباً لمزيد قربهم ، دل على ذلك بالفاء في قوله : { فأولئك } أي العالو الرتبة { لهم جزاء الضعف } أي بأن يأخذوا جزاءهم مضاعفاً في نفسه من عشرة أمثال إلى ما لا نهاية له ، ومضاعفاً بالنسبة إلى جزاء من تقدمهم من الأمم ، والضعف : الزيادة { بما عملوا } فإن أعمالهم ثابتة محفوظة بأساس الإيمان { وهم في الغرفات } أي العلالي المبنية فوق البيوت في الجنان ، زيادة على ذلك { آمنون * } أي ثابت أمنهم دائماً ، لا خوف عليهم من شيء من الأشياء أصلاً ، وأما غيرهم وهم المرادون بما بعده فأموالهم وأولادهم وبال عليهم . ولما كان في سياق الترغيب في الإيمان بعد الإخبار بأنه بشير ونذير , قال معبراً بالمضارع بياناً لحال من يبعده ماله وولده من الله : { والذين يسعون } أي يجددون السعي من غير توبة بأموالهم وأولادهم { في آياتنا } على ما لها من عظمة الانتساب إلينا { معاجزين } أي طالبين تعجيزها أي تعجيز الآتين بها عن إنفاذ مراداتهم بها بما يلقونه من الشبه فيضلون غيرهم بما أوسعنا عليهم وأعززناهم به من الأموال والأولاد . ولما كان سبحانه قد بت الحكم بشقاوتهم ، وأنفذ القضاء بخسارتهم ، أسقط فاء السبب إعراضاً عن أعمالهم وقال : { أولئك } أي البعداء البغضاء { في العذاب } أي المزيل للعدوية { محضرون * } أي يحضرهم فيه الموكلون بهم من جندنا على أهون وجه وأسهله وهم داخرون ، قال القشيري : إن هؤلاء هم الذين لا يحترمون الأولياء ولا يراعون حق الله في السر ، فهم في عذاب الاعتراض على أولياء الله وعذاب الوقوع بشؤم ذلك في ارتكاب محارم الله ثم في عذاب السقوط من عين الله .