Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 33-38)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر تعالى أحوالهم ، بين جزاءهم ومآلهم ، فقال مستأنفاً جواباً لمن سأل عن ذلك : { جنات } أي هي مسببة عن سبب السبق الذي هو الفضل ، ويصح كونها بدلاً من الفضل لأنه سببها ، فكان كأنه هو الثواب { عدن } أي إقامة بلا رحيل لأنه لا سبب للرحيل عنها { يدخلونها } أي الثلاثة أصناف ، ومن دخلها لم يخرج منها لأنه لا شيء يخرجه ولا هو يريد الخروج على أن الضمير لـ " الذين " ومن قال لـ " عبادنا " خص الدخول بالمقتصد والسابق - هذا على قراءة الجماعة بفتح الياء وضم الخاء ، وعلى قراءة أبي عمرو بالبناء للمفعول يكون الضمير للسابق فقط ، لأنهم يكونون في وقت الحساب على كثبان المسك ومنابر النور فيستطيبون مكانهم ، فإذا دعوا إلى الجنة أبطؤوا فيساقون إليها كما في آخر الزمر . ولما كان الداخل إلى مكان أول ما ينظر إلى ما فيه من النفائس قال : { يحلّون فيها } أي يلبسون على سبيل التزين والتحلي { من أساور } ولما كان للإبهام ثم البيان مزيد روعة النفس ، وكان مقصود السورة إثبات القدرة الكاملة لإثبات اتم الإبقاءين ، شوق إلى الطاعة الموصلة إليه بأفضل ما نعرف من الحلية ، فقال مبيناً لنوع الأساور : { من ذهب ولؤلؤاً } ولما كانت لا تليق إلى على اللباس الفاخر ، قال معرفاً أنهم حين الدخول يكونون لابسين : { ولباسهم فيها حرير * } . ولما كان المقتصد والسابق يحزنون لكمالهم وشدة شفقتهم على الظالم إذا قوصص ، جمع فقال معبراً بالماضي تحقيقاً له : { وقالوا } أي عند دخولهم : { الحمد } أي الإحاطة بأوصاف الكمال { لله } أي الذي لم تمام القدرة { الذي أذهب } أي بدخولنا هذا { عنا الحزن } أي هذا النوع بكماله ، فلا نحزن على شيء كان فاتنا ، ولا يكون لنا حزن أبداً لأنا صرنا في دار لا يفوت فيها شيء أصلاً ولا ينفى . ولما كانوا عالمين بما اجترحوه من الزلات أو الهفوات أو الغفلات التي لولا الكرم لأدتهم إلى النار ، عللوا ما صاروا إليه معها بقولهم ، مؤكدين إعلاماً بما عندهم من السرور بالعفو عن ذنوبهم ، وأن ما أكدوه حقيق بأن يتغالى في تأكيده لما رأوا من صحته وجنوا من حلو ثمرته : { إن ربنا } أي المحسن إلينا مع إساءتنا { لغفور } أي محاء للذنوب عيناً وأثراً للصنفين الأولين { شكور * } أي على ما وهبه للعبد من حسن طاعته ووفقه له من الأعمال الحسنة فجعله به سابقاً ، ثم وصفوه بما هو شكر له فقالوا : { الذي أحلنا دار المقامة } أي الإقامة ومكانها وزمانها التي لا يريد النازل بها على كثرة النازلين بها - ارتحالاً منها ، ولا يراد به ذلك ، ولا شيء فيها يزول فيؤسف عليه . وكان المالك المطلق لا يجب عليه شيء ولا استحقاق لمملوكه عليه بوجه قال : { من فضله } أي بلا عمل منا فإن حسناتنا إنما كانت منّاً منه سبحانه ، لو لم يبعثنا عليها وييسرها لنا لما كانت . ولما تذكروا ما شاهدوه في عرصات القيامة من تلك الكروب والأهوال ، والأنكاد والأثقال ، التي أشار إليها قوله تعالى : { وإن تدع مثقلة إلى حملها } الآية ، استأنفوا قولهم في وصف دار القرار : { لا يمسنا } أي في وقت من الأوقات { فيها نصيب } أي نصب بدن ولا وجع ولا شيء { ولا يمسنا فيها لغوب * } أي كلال وتعب وإعياء وفتور نفس من شيء من الأشياء ، قال أبو حيان : هو لازم من تعب البدن . فهي الجديرة لعمري بأن يقال فيها : @ علينا لا تنزل الأحزان شاحتها لو مسها حجر مسته سراء @@ ولما بيّن ما هم فيه من النعمة ، بيّن ما لأعدائهم من النقمة ، زيادة في سرورهم بما قاسوه في الدنيا من تكبرهم عليهم وفجورهم فقال : { والذين كفروا } أي ستروا ما دلت عليه عقولهم من شموس الآيات وأنوار الدلالات { لهم نار جهنم } أي بما تجهموا أولياء الله الدعاء إليهم . ولما كانت عادة النار إهلاك من دخلها بسرعة ، بيّن أن حالها على غير ذلك زيادة في نكالهم وسوء مآلهم فقال مستأنفاً : { لا يقضى } أي لا يحكم وينفذ ويثبت من حاكم ما { عليهم } أي بموت { فيموتوا } أي فيتسبب عن القضاء موتهم ، وإذا راجعت ما مضى في سورة سبحان من قوله { فلا يملكون كشف الضر عنكم } [ الإسراء : 56 ] وما يأتي إن شاء الله تعالى في المرسلات من قوله : { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } [ المرسلات : 36 ] علمت سر وجوب النصب هنا لأنه لو رفع لكان المعنى أن موتهم ينبغي إن قضي عليهم أو لم يقض , وذلك محال . ولما كانت الشدائد في الدنيا تنفرج وإن طال أمدها قال : { ولا يخفف عنهم } وأعرق في النفي بقوله : { من عذابها } أي جهنم . ولما كان ربما توهم متوهم أن هذا العذاب خاص بالذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم من الكفار قال : { كذلك } أي مثل هذا الجزاء العظيم { نجزي } أي بما لنا من العظمة - على قراءة الجماعة بالنون { كل كفور * } أي به صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء عليهم السلام وإن لم نره , لأن ثبوت المعجزة يستوي فيها المسع والبصر ، وبنى أبو عمرو الفعل للمفعول إشارة إلى سهولته وتيسره ورفع { كل } . ولما بيّن عذابهم بين اكتئابهم فقال : { وهم } أي فعل ذلك بهم والحال أنهم { يصطرخون فيها } أي يوجدون الصراخ فيها بغاية ما يقدرون عليه من الجهد في الصياح بالبكاء والنواح . ولما بيّن ذلك بيّن قولهم في اصطراخهم بقوله : { ربنا } أي يقولون : أيها المحسن إلينا { أخرجنا } أي من النار { نعمل صالحاً } ثم أكدوه وفسروه وبينوه بقولهم على سبيل التحسر والاعتراف بالخطأ أو لأنهم كانوا يظنون عملهم صالحاً { غير الذي كنا } أي بغاية جهدنا { نعمل } فتركوا الترقق والعمل على حسبه في وقت نفعه واستعملوه عند فواته فلم ينفعهم ، بل قيل في جوابهم تقريراً لهم وتوبيخاً وتقريعاً : { أو لم } أي ألم تكونوا في دار العمل متمكنين من ذلك بالعقول والقوى ؟ أو لم { نعمركم } أي نطل أعماركم مع إعطائنا لكم العقول ولم نعاجلكم بالأخذ { ما } أي زماناً { يتذكر فيه } وما يشمل كل عمر يتمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه غير أن التوبيخ في الطويل أعظم ، وأشار بمظهر العظمة إلى أنه لا مطمع بغيره سبحانه في مد العمر . ولما كان التفكر بعد البعث غير نافع لأنه بعد كشف الغطاء ، عبر بالماضي فقال : { من تذكر } إعلاماً بأنه قد ختم على ديوان المتذكرين ، فلا يزاد فيهم أحد ، والزمان المشار إليه قيل : إنه ستون سنة - قاله ابن عباس رضي الله عنهم ، وبوّب له البخاري في أوائل الرقاق من غير عزو إلى أحد ، وروى أحمد بن منيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عمره الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر " وروى الترمذي وابن ماجه وأبو يعلى عن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين . وأقلهم من يجوز ذلك " . ولما أشار إلى دليل العقل ابتداء ودواماً ، أشار إلى أدلة النقل المنبه على ما قصر عنه العقل ، فقال معبراً بالماضي تصريحاً بالمقصود عطفاً على معنى : أو لم نعمركم الذي هو قد عمرناكم : { وجاءكم النذير } أي عنى من الرسل والكتب تأييداً للعقول بالدليل المعقول . ولما تسبب عن ذلك أن عذابهم لا ينفك قال : { فذقوا } أي ما أعددناه لكم من العذاب دائماً أبداً ، ولما كانت العادة جارية بأن من أيس من خصمه فزع إلى الاستغاثة عليه ، تسبب عن ذلك قوله : { فما } وكان الأصل : لكم ، ولكنه أظهر تعليقاً للحكم بالوصف للتعميم فقال : { للظالمين } أي الواضعين الأشياء في غير مواضعها { من نصير * } أي يعينهم ويقوي أيديهم ، فلا براح لكم عن هذا الذواق ، وهذا عام في كل ظالم ، فإن من ثبت له نصر عليه لأن ظلمه في كل يوم يضعف ويهن والحق في كل حين يقوى ويضخم . ولما كان سبحانه عالماً بما نفى وما أثبت ، علل ذلك مقرراً سبب دوام عذابهم وأنه بقدر كفرانهم كما قال تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] بقوله مؤكداً إشارة إلى أنه لا يجب تمرين النفس عليه لما له من الصعوبة لوقوف النفس مع المحسوسات : { إن الله } أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً { عالم غيب } ولما كانت جهة العلو أعرق في الغيب قال : { السماوات والأرض } فأنتج ذلك قوله مؤكداً لأنه من أعجب الغيب لأنه كثيراً ما يخفى على الإنسان ما في نفسه والله تعالى عالم به ، أو هو تعليل لما قبله : { إنه عليم } أي بالغ العلم { بذات الصدور * } أي قبل أن يعلمها أربابها حين تكون غيباً محضاً ، فهو يعلم أنكم لو مدت أعماركم لم ترجعوا عن الكفر أبداً ، ولو رددتم لعدتم لما نهيتم عنه وأنه لا مطمع في صلاحكم ، ولذلك يأمر الملك أن يكتب عند نفخ الروح في الولد أنه ما شقي أو سعيد قبل أن يكون له خاطر أصلاً ، وربما كان في غاية ما يكون من الإقبال على الخير فعلاً ونية ، ثم يختم له بشر ، وربما كان على خلاف ذلك في غاية الفساد ، لا يدع شركاً ولا غيره من المعاصي حتى يرتكبها وهو عند الله سعيد لما يعلم من نيته بعد ذلك حين يقبل بقلبه عليه فيختم له بخير فيكون من أهل الجنة ، وأما الخواطر بعد وجودها في القلوب فقد يطلع عليها الملك والشيطان .