Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 4-6)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما قررهم على ما تقدم وختم بالتوحيد الذي هو الأصل الأول من أصول الدين ، نبه على أنه المقصود بالذات بذكر ما يعقبه في الأصل الثاني ، وهو الرسالة من تصديق وتكذيب ، فقال ناعياً على قريش سوء تلقيهم لآياته ، وطعنهم في بيناته ، مسلياً له صلى الله عليه وسلم ، عاطفاً على ما تقديره : فإن يصدقوك فهم جديرون بالتصديق لما قام على ذلك من الدلائل ، وشهد به من المقاصد والوسائل : { وإن يكذبوك } أي عناداً وقلة اكتراث بالعواقب فتأسّ بإخوانك { فقد } أي بسبب أنه قد { كذبت رسل } أي يا لهم من رسل ! وبني الفعل للمجهول لأن التسلية محطها ، وقوع التكذيب لا تعيين المكذب ، ونفى أن يرسل غيره بعد وجوده بقوله : { من قبلك } وأفرد التكذيب بالذكر اهتاماً بالتسلية تنبيهاً على أن الأكثر يكذب ، قال القشيري : وفي هذا إشارة للحكماء وأرباب القلوب مع العوام والأجانب من هذه الطريقة فإنهم لا يقبلون منهم إلا القليل ، وأهل الحقائق أبداً منهم في مقاساة الأذية ، والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القراء المتقشفين . ولما كان التقدير نفياً للتعجب من التكذيب الجاري على غير قياس صحيح : فمن الله الذي لا أمر لأحد معه تصدر الأمور ، عطف عليه قوله مهدداً لمن خالف أمره : { وإلى الله } أي وحده له الأمور كلها { ترجع الأمور * } أي حساً ومعنى ، فاصبر ورد الأمر إلينا بترك الأسباب إلا ما نأمرك به كما فعل إخوانك من الرسل . ولما أشعر هذا الختام باليوم الموعود ، وهو الأصل الثابت قال مهدداً به محذراً منه : { يا أيها الناس } أي الذين عندهم أهليه للتحرك إلى النظر . ولما كانوا ينكرون البعث أكد قوله : { إن وعد الله } أي الذي له صفات الكمال وهو منزه عن كل شائبة نقص ، فهو لا يجوز عليه في مجاري العادات للغنى المطلق أن يخلف الميعاد { حق } أي بكل ما وعد به من البعث وغيره وقد وعد أنه يردكم إليه في يوم تنقطع فيه الأسباب ، ويعرض عن الأحساب والأنساب ، ليحكم بينكم بالعدل ، ثم سبب عن كونه حقاً قوله على وجه التأكيد لأجل الإنكار أيضاً : { فلا تغرنكم } أي بأنواع الخدع من اللهو والزينة غروراً مستمر التجدد { الحياة الدنيا } فإنه لا يليق بذي همه عليه اتباع الدنيء ، والرضى بالدون الزائل عن العالي الدائم { ولا يغرنكم بالله } أي الذي لا يخلف الميعاد وهو الكبير المتعالي { الغرور * } أي الذي لا يصدق في شيء وهو الشيطان العدو ، ولذلك استأنف قوله مظهراً في موضع الإضمار للتنفير بمدلول الوصف قبل التذكير بالعداوة ووخامة العاقبة فيما يدعو إليه مؤكداً لأن أفعال المشايعين له بما يمنيهم به من نحو : إن ربكم حليم ، لا يتعاظمه ذنب ، مع الإصرار على المعصية أفعال المتعقدين لمصادقته : { إن الشيطان } أي المحترق بالغضب البعيد من الخير { لكم } أي خاصة فهو في غاية الفراغ لأذاكم ، فاجتهدوا في الهرب منه { عدو } بتصويب مكايده كلها إليكم وبما سبق له مع أبيكم آدم عليه السلام بما وصل أذاه إليكم وأيضاً " من عادى أباك فقد عاداك " . ولما كانت عداوته تحتاج إلى مجاهدة لأنه يأتي الإنسان من قبل الشهوات ، عبر بصيغة الافتعال فقال : { فاتخذوا } اي بغاية جهدكم { عدواً } والله لكم ولي فاتخذوه ولياً بأن تتحروا ما يغيظ الشيطان بأن تخالفوه في كل ما يريده ويأمر به ، وتتعمدوا ما يرضاه الرحمن ونهجه لكم وأمركم به فتلتزموه ، قال القشيري : ولا يقوى على عداوته إلا بدوام الاستعانة بالرب فإنه لا يغفل عن عداوتك ، فلا تغفل أنت عن مولاك لحظة . ثم علل ذلك بقوله : { إنما يدعو حزبه } أي الذين يوسوس لهم فيعرضهم لاتباعه والإعراض عن الله { ليكونوا } باتباعه كوناً راسخاً { من أصحاب السعير * } هذا غرضه لا غرض له سواه ، ولكنه يجتهد في تعمية ذلك عنهم بأن يقرر في نفوسهم جانب الرجاء وينسيهم جانب الخوف ، ويريهم أن التوبة في أيديهم ويسوف لهم بها بالفسحة في الأمل ، والإبعاد في الأجل ، للإفساد في العمل ، والرحمن سبحانه إنما يدعو عباده ليكونوا من أهل النعيم { والله يدعو إلى دار السلام } [ يونس : 25 ] .