Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 12-16)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما بين الأصل الثاني هو الرسالة وأتبعها ثمرتها المختومة بالبشارة ، وكان الأصل الثالث في الإيمان - وهو البعث - سبباً عظيماً في الترقية إلى اعتقاد الوحدانية التي هي الأصل الأول ، وكان أكثر الخائفين منه سبحانه مقتراً عليهم في دنياهم منغضة عليهم حياتهم ، علل هذه البشارة إعلاماً بأن هذا الأجر في هذه الدار بالملابس الباطنة الفاخرة من المعارف والسكينة والبركات والطمأنينة ، وبعد البعث بالملابس الطاهرة الزاهرة المسببة عن الملابس الدنيوية الباطنة الخفية من غير أهلها ، بشارة لهم ونذارة للقسم الذي قبلهم بقوله ، مقدماً للبعث لما ذكر من فائدته ، لافتاً القول إلى مظهر العظمة إيذاناً بعظمة هذه المقاصد وبأنه لا يحمي لهؤلاء الخلص مع قلتهم ومباينتهم للأولين مع كثرتهم إلا من له العظمة الباهرة : { إنا نحن } أي بما لنا من العظمة التي لا تضاهى { نحيي } أي بحسب التدريج الآن وجملة في الساعة { الموتى } أي كلهم حساً بالبعث ومعنى بالإنقاذ إذا أردنا من ظلم الجهل { ونكتب } أي من صالح وغيره شيئاً فشيئاً بعده فلا يتعدى التفصيل شيئاً في ذلك الإجمال { ما قدموا } من جميع أفعالهم وأحوالهم وأقوالهم جملة عند نفخ الروح { وآثارهم } أي سننهم التي تبقى من بعدهم صالحة كانت أو غير صالحة ، ونجازي كلاً بما يستحق في الدار الآخرة التي الجزاء فيها لا ينقطع ، فلا أكرم منه إذا كان كريماً . ولما كان ذلك ربما أوهم الاقتصار على كتابة ما ذكر من أحوال الآدميين أو الحاجة إلى الكتابة ، دل على قدرته على ما لا تمكن القدرة عليه لأحد غيره في أقل قليل مما ذكر ، فكيف بما فوقه ، فقال ناصباً عطفاً لفعليه وهي " تكتب " : { وكل شيء } أي من أمر الأحياء وغيرهم { أحصيناه } أي قبل إيجاده بعلمنا القديم إحصاء وكتبناه { في إمام } أي كتاب هو أهل لأن يقصد { مبين * } أي لا يخفى فيه شيء من جميع الأحوال على أحد أراد علمه منه ، فلله هذه القدرة الباهرة والعظمة الظاهرة والعزة القاهرة ، فالآية من الاحتباك : دل فعل الإحصاء على مصدره وذكر الإمام على فعل الكتابة . ولما انتهى الكلام إلى هنا ، وكان مقصود السورة كما سلف إثبات الرسالة لإنذار يوم الجمع ، وكان الإنذار غاية ، وكانت الغايات هي المقاصد بالذات ، وكانت غاية الإنذار اتباع الذكر ، فكان ذلك غاية الغاية ، كان الكلام على المتبعين أولى بالتقديم على أنه يلزم من الكلام فيهم الكلام في أضدادهم , وهم المعرضون الذين حق عليهم القول والكلام على اليوم المنذر به ، فلذلك ضرب المثل الجامع لذلك كله ، ومر إلى أن صور البعث تصويراً لم يتقدم مثله ، ثم عطف بآية الطمس وما بعدها على القسم المعرض ، ثم رجع إلى الكلام على الرسول والكتاب . ولما دل سبحانه على ما له من القدرة الكاملة بالأفعال الهائلة من كل من الإماتة والإحياء الحسيين والمعنويين إبداء وإعادة ، وكان ضرب الأمثال بالمشاهدات ألصق شيء بالبال ، وأقطع للمراء والجدال ، وأكتشف لما يراد من الأحوال ، قال عاطفاً على { فبشره } مبيناً للأصل الثالث الذي هو الأول بالأصالة المقصود بالذات ، وهو التوحيد ، ضامّاً إليه الأصلين الاخرين ، ليكون المثل جامعاً ، والبرهان به واضحاً ساطعاً : { واضرب لهم } أي لأجلهم بشارة بما يرجى لهم عند إقبالهم ، ونذارة لما يخشى عليهم عند إعراضهم وإدبارهم { مثلاً } أي مشاهداً في إصرارهم على مخالفة الرسول وصبره عليهم ولطفه بهم ، لأنا ختمنا على قلوبهم على الكفران مع قربهم منك في النسب والدار ، وفوز غيرهم لأنا نورنا قلوبهم مع البعد في النسب والدار بالإيمان وثمراته الحسان ، لأنهم يخشون الرحمن بالغيب ، ولا يثبتون على الغباوة والريب . ولما ذكر المثل ، أبدل منه قوله : { أصحاب القرية } التي هي محل الحكمة واجتماع الكلمة وانتشار العلم ومعدن الرحمة . ولما كان الممثل به في الحقيقة إنما هو إخبارها بأحوال أهلها لأنها وجه الشبه ، وكانت أخبارها كثيرة في أزمنة مديدة ، وعين المراد بقوله : { إذ } وهي بدل اشتمال من القرية مسلوخة من الظرفية . ولما كان الآتي ناحية من بلد وإن عظم يعد في العرف آتياً لذلك البلد ، أعاد الضمير على موضع الرسالة تحقيقاً له وإبلاغاً في التعريف بمقدار بعد الأقصى فقال : { جاءها } أي القرية لإنذار أهلها { المرسلون * } أي عن الله لكونهم عن رسوله عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره لإثبات ما يرضيه سبحانه ونفي ما يكرهه الذين هم من جملة من قيل في فاطر إنهم جاؤوا بالبينات وبالزبر ، والتعريف إما لكونهم يعرفون القرية ويعرفون أمرها ، وإما لأنه شهير جداً فهم بحيث لو سألوا أحداً من أهل الكتاب الذين يعتنون بها أخبرهم به ، لأنه قد عهد منهم الرجوع إليهم بالسؤال ليبينوا لهم - كما زعموا - مواضع الإشكال . ولما كان أعظم مقاصد السياق تسلية النبي صلى الله عليه وسلم في توقفهم عن المبادرة إلى الإيمان به مع دعائه بالكتاب الحكيم إلى صراط المستقيم ، وكان في المشاركة في المصائب أعظم تسلية ، أبدل من قوله { إذ جاءها } تفصيلاً لذلك المجيء قوله ، مسنداً إلى نفسه المقدس لكونه أعظم في التسلية : { إذ أرسلنا } أي على ما لنا من العظمة . ولما كان المقصود بالرسالة أصحابها قال : { إليهم اثنين } أي ليعضد أحدهما الآخر فيكون أشد لأمرهما فأخبراهم بإرسالهما إليهم كأن قالا : نحن رسولان إليكم لتؤمنوا بالله { فكذبوهما } أي مع ما لهما من الآيات ، لأنه من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، سواء كان عنا من غير واسطة أو كان بواسطة رسولنا ، كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النور لما ذهب إلى قومه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون آية فكانت نوراً في جبهته ، ثم سأل أن تكون في غير وجهه فكانت في سوطه . ولما كان التضافر على الشيء أقوى لشأنه ، وأعون على ما يراد منه ، سبب عن ذلك قوله حاذفاً المفعول لفهمه من السياق ، ولأن المقصود إظهار الاقتدار على إيقاع الفعل وتصريفه في كل ما أريد له : { فعززنا } أي فأوقعنا العزة ، وهي القوة والشدة والغلبة ، لأمرنا أو لرسولنا بسبب ما وقع لهما من الوهن بالتكذيب فحصل ما أردنا من العزة - بما أشارت إليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالتخفيف { بثالث } أرسلناه بما أرسلناهما به { فقالوا } أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب ، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم : { إنا إليكم } أي لا إلى غيركم { مرسلون * قالوا } أي أهل القرية : { ما أنتم } أي وإن زاد عددكم { إلا } ولما نقض الاستثناء النفي زال شبهة ما تلبس فزال عملها فارتفع قوله : { بشر مثلنا } أي فما وجه الخصوصية لكم في كونكم رسلاً دوننا ، ولما كان التقدير : فما أرسلتم إلينا بشيء ، عطفوا عليه قوله : { وما أنزل الرحمن } أي العام الرحمة ، فعموم رحمته مع استوائنا في عبوديته تقتضي أن يسوي بيننا في الرحمة فلا يخصكم بشيء دوننا ، وأعرقوا في النفي بقولهم : { من شيء } . ولما كان الإتيان على ما ذكر محتملاً للغلط ونحوه ، قالوا دافعين لذلك : { إن } أي ما { أنتم إلا تكذبون * } أي حالاً ومآلاً { قالوا } أي الرسل : { ربنا } أي الذي لو لم يكن لنا وازع عن الكذب عليه إلا إحسانه إلينا لكان كافياً { يعلم } أي ولذلك يظهر على أيدينا الآيات ، ويحمينا ممن يكيدنا ، وهذه العبارة تجري مجرى القسم ، وكذا نحو { شهد الله } . ولما واجهوهم بهذا التكذيب المبالغ في تأكيده زادوا في تأكيد جوابه فقالوا : { إنا إليكم } أي خاصة { لمرسلون * } ما أتيناكم غلطاً ولا كذباً ، فالأول ابتداء أخبار ، وهذان جوابا إنكار ، فأعطى كلاًّ ما يستحق .