Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 143-148)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما وقع ما وقع فتجرد عن نفسه وغيرها تجرداً لم يكن لأحد مثل مجموعه لا جرم ، زاد في التجرد بالفناء في مقام الوحدانية فلازم التنزيه حتى أنجاه الله تعالى ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : { فلولا أنه كان } أي خلقاً وخلقاً { من المسبحين * } أي العريقين في هذا المقام ، وهو ما يصح إطلاق التسبيح في اللغة عليه من التنزيه بالقلب واللسان والأركان بالصلاة وغيرها لأن خلقه مطابق لما هيىء له من خلقه ، فهو لازم لذلك في وقت الرخاء والدعة والخفض والسعة ، فكيف به في حال الشدة ، وحمله ابن عباس رضي الله عنهما على الصلاة { للبث في بطنه } أي حيّاً أو بأن يكون غذاء له فتختلط أجزاؤه باجزائه { إلى يوم يبعثون * } أي هو والحوت وغيرهما من الخلائق ، وعبر بالجمع لإفادة عموم البعث ، ولو أفرد لم يفد بعث الحيوانات العجم ، ولو ثنى لظن أن ذلك له وللحوت خاصة لمعنى يخصها فلا يفيد بعث غيرهما ، وقيل : للبث حيّاً في بطنه ، وفي الآية إشارة إلى حديث " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " وحث على الذكر وتعظيم لشأنه . ولما كان التقدير : ولكنه لما كان ذكاراً لله في حال الرخاء ذكرناه في حال الشدة ، فأنجيناه من بطنه ، وأخرجناه منه سالماً ، وكان ذلك أمراً باهراً للعقل ، أبرزه في مظهر العظمة فقال : { فنبذناه } أي ألقيناه من بطن الحوت إلقاء لم يكن لأحد غيره . وكان ذلك علينا يسيراً { بالعراء } أي المكان القفر الواسع الخالي عن ساتر عن نبت أو غيره ، وذلك بساحل الموصل ، وقال أبو حيان : قذفه في نصيبين من ناحية الموصل : { وهو سقيم * } أي عليل جداً مما ناله من جوف الحوت بحيث أنه كان كالطفل ساعة يولد وهو إذ ذاك محمود غير مذموم بنعمة الله التي تدراكته ، فكان مجتبى ومن الصالحين { وأنبتنا } أي بعظمتنا في ذلك المكان لا مقتضى للنبات مطلقاً فيه فضلاً عما لا ينبت إلا بالماء الكثير . ولما كان سقمه متناهياً بالغاً إلى حد يجل عن الوصف ، نبه عليه بأداة الاستعلاء فقال : { عليه } أي ورفعناها حال إنباتنا إياها فوقه لتظله كما يظل البيت الإنسان . ولما كان الدباء عن النجم ، وكان قد أعظمها سبحانه لأجله ، عبر عنها بما له ساق فقال : { شجرة } ولما كانت هذه العبارة مفهمة لأنها مما له ساق ، نص على خرق العادة بقوله : { من يقطين * } أي من الأشجار التي تلزم الأرض وتقطن فيها وتصلح لأن يأوي إليها ويقطن عندها حتى يصلح حاله ، فإنه تعالى عظمها وأخرجها عن عادة أمثالها حتى صارت عليه كالعريش ، واليقطين : كل ما يمتد وينبسط على وجه الأرض ولا يبقى على الشتاء ولا يقوم على ساق كالبطيخ والقثاء ، والمراد به هنا - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما شجرة القرع لعظم ورقها وبرد ظلها ونعومة ملمسها وأن الذباب لا يقربها ، قال أبو حيان : وماء ورقه إذا رش به مكان لا يقربه ذباب أصلاً ، وقال غيره : فيه ملاءمة لجسد الإنسان حتى لو ذهبت عظمة من رأسه فوضع مكانها قطعة من جلد القرع نبت عليها اللحم وسد مسده ، وهو من قطن بالمكان - إذا أقام به إقامة زائل لا ثابت . ولما كان النظر إلى الترجية أعظم ، ختم بها إشارة إلى أنه لا يميته صلى الله عليه وسلم حتى يقر عينه بأمته كثرة طواعية ونعمة فقال : { وأرسلناه } أي بعظمتنا التي لا يقوم لها شيء . ولما لم يتعلق الغرض بتعيين المرسل إليهم ، وهل هم الذين أبق عنهم أولاً ؟ قال : { إلى مائة ألف } والجمهور على أنهم الذين أرسل إليهم أولاً - قال أبو حيان . ولما كان العدد الكثير لا يمكن ناظره الوقوع فيه على حقيقة عدده ، بل يصير - وإن أثبت الناس نظراً - يقول : هم كذا يزيدون قليلاً أو ينقصونه ، وتارة يجزم بأنهم لا ينقصون عن كذا ، وأما الزيادة فممكنة ، وتارة يغلب على ظنه الزيادة ، وهو المراد هنا ، قال : { أو يزيدون * } لأن الترجية في كثرة الأتباع أقر للعين وأسر للقلب ، وإفهاماً لأن الزيادة واقعة ، وهؤلاء المرسل إليهم هم أهل نينوى وهم من غير قومه ، فإن حدود أرض بني إسرائيل الفرات ، ونينوى من شرقي الفرات بعيدة عنه جداً . ولما تسبب عن إتيانه إليهم انشراح صدره بعد ما كان حصل له من الضيق الذي أوجب له ما تقدم قال : { فآمنوا } أي تجريداً لأنفسهم من الحظوظ النفسانية ولحوقاً بالصفات الملكية . ولما كان إيمانهم سبب رفع العذاب الذي كان أوجبه لهم كفرهم قال : { فمتعناهم } أي ونحن على ما نحن عليه من العظمة لم ينقص ذلك من عظمتنا شيئاً ولا زاد فيها { إلى حين * } أي إلى انقضاء آجالهم التي ضربناها لهم في الأزل . ذكر قصة يونس عليه السلام من سفر الأنبياء قال مترجمه : نبدأ بمعونة الله وقوته بكتب نبوة يونان بن متى النبي : كانت كلمة الرب على يونان بن متى ، يقول له : قم فانطلق إلى نينوى المدينة العظيمة وناد فيها بأن شرارتكم قد صعدت قدامي ، وقام يونان ليفر إلى ترسيس من قدام الرب ، وهبط إلى يافا ووجد سفينة تريد تدخل إلى ترسيس فأعطى الملاح أجرة ونزلها ليدخل معهم إلى ترسيس هارباً من قدام الرب ، والرب طرح ريحاً عظيمة في البحر ، فكان في البحر موج عظيم ، والسفينة كانت تتمايل لتنكسر وفرق الملاحون وجأر كل إنسان إلى إلهه ، وطرحوا متاع السفينة في البحر ليخففوا عنهم ، بحق هبط يونان إلى أسفل السفينة ونام فدنا منه سيد الملاحين وقال له : لماذا أنت نائم ؟ قم فادع إلهك لعل الله يخلصنا ولا نهلك ، وقال الرجل لصاحبه : تعالوا نقترع ونعلم هذا الشر من قبل من جاء علينا ؟ فاقترعوا فجاءت القرعة على يونان ، فقالوا له : أخبرنا ما هذا الشر ؟ وماذا هو عملك ، ومن أين أنت ، ومن أيّ شعب أنت ، وأيتها أرضك ؟ فقال لهم يونان : أنا عبراني ولله رب السماء أخشى الذي خلق البر والبحر ، ففرق أولئك القوم فرقاً شديداً ، فقالوا له : ماذا صنعت ؟ لأن أولئك الناس علموا أنه من قدام إلهه هرب ، فلما أخبرهم قالوا : ما نصنع بك حتى يسكن عنا البحر لأن البحر هو ذا منطلق يزخر علينا ؟ قال لهم يونان : خذوني فاطرحوني في البحر فيسكن عنكم البحر لأني أعلم أن هذا الموج العظيم من أجلي هاج عليكم ، فجهد أولئك الناس أن يرجعوا إلى الساحل ، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً ، لأن البحر كان ذاهباً يزخر عليهم ، ودعوا إلى الرب وقالوا : أيها الرب لا يحسب علينا دم زكي ، ولا نهلك بنفس هذا الرجل من أجل أنك أنت الرب ، وكل ما شئت تصنع ، فأخذوا يونان وطرحوه في البحر ، فاستقر البحر من أمواجه ، وفرق أولئك الناس من قدام الرب فرقاً شديداً ، وذبحوا ذبائح للرب ونذروا له النذور ، وهيأ الرب سمكة عظيمة فابتلعت يونان ، وكان يونان في أمعاء السمكة ثلاثة أيام وثلاث ليالي وقال : دعوت الرب في حزني فأجابني ، ومن بطن الجحيم تضرعت إليه ، وسمع صوتي وطرحني في الغوط في قلب البحر ، والأنهار أحاطت بي ، وكل أمواجك واهياجك عليّ جازت ، أنا بحق قلت : إني قد تباعدت من قدام عينيك ، من الآن أترى أعود فأنظر إلى هيكلك المقدس ، وقد أحاطت بي المياه حتى نفسي والأهوال أحاطت بي ، وفي أسفل البحر احتبس رأسي ، وإلى أسفل الجبال هبطت ، والأرض أطبقت أغلاقها في وجهي إلى الدهر ، إذا اغتمت نفسي للرب ذكرت ودخلت صلاتي قدامك إلى هيكلك المقدس ، فكل الذين يحفظون الأنساك البطالة رحمتهم فتركوا ، أنا بحق بصوت الشكر أقرب لك وأذبح ، والذي نذرته أوفيه للرب ! فأمر الرب السمكة فقذفت يونان في اليبس ، وأتى الكلام الرب إليه المرة الثانية ، وقال له : قم يا يونان فانطلق إلى نينوى المدينة العظمية وناد فيها بالنداء الذي أقوله لك ، فقام يونان وانطلق إلى نينوى مثل كلمة الرب ، ونينوى كانت مدينة عظيمة للرب مسيرة ثلاثة أيام ، وتبدّأ يونان أن يدخل إلى نينوى مسيرة يوم واحد ونادى وقلال : من الآن وإلى أربعين يوماً نينوى تنقلب ، فآمن أهل نينوى لله وفرضوا الصوم ولبسوا المسوح من عظمائهم حتى صغائرهم ، وانتهت الكلمة إلى ملك نينوى فقام عن كرسيه ونزع تاجه ، واكتسى مسح شعر ، وجلس على الرماد ، ونادى في نينوى وقال الملك وأشرافه : وكل الناس والغدائر والثيران والغنم فلا يذوقون شيئاً من الطعام ولا يرعون ، وماء فلا يشربون ، ولكن فليلبس الناس والغدائر ويدعو الله بالتضرع ، ويرجع كل إنسان عن طريقة السوء ، وعن الاختطاف الذي في يده ، وقالوا : من ذا الذي يعلم أن الله يقبل منا ويترحم علينا ويرد عنا غصبه ورجزه لكيلا نهلك ، ونظر الله إلى أعمالهم أنهم قد تابوا عن طرقهم السوء فرد عنهم غضب رجزه ولم يبدهم ، وحزن يونان حزناً شديداً ، وتكره من ذلك جداً ، وصلى قدام الرب وقال : أيها الرب ! ألم تكن هذه كلمتي ، وأنا بعد في بلادي ولذلك سبقت وفررت إلى ترسيس ، قد عرفت بحق أنك الرحمن الإله الرؤوف ، طويل صبرك وكثيرة نعمتك ، وترد السوء الآن يا رب ! انزع نفسي مني لأن الموت أنفع لي من الحياة ، فقال له : جداً حزنت يا يونان ، وخرج يونان من المدينة واتخذ له ثمة مظلة وجلس تحتها في الظل لينظر ما الذي يعرض للمدينة ، وأمر الله الرب أصل القرع ، ونبت وارتفع على رأس يونان ، فكان ظل على رأسه فتفرج من شدته وفرح فرحاً كثيراً يونان بأصل القرع . وفي اليوم الآخر أمر الله الرب دودة في مطلع الصبح فضربت أصل القرع وقرضته ، فلما طلعت الشمس أمر الله ريح السموم فيبست أصل القرع ، وحميت الشمس في رأس يونان ، واغتم وسال الموت لنفسه وقال : إنك يا رب تقدر تنزع نفسي مني ، لأني لم أكن أخبر من إياي ، وقال الرب ليونان : جداً حزنت على أصل القرع ، فقال يونان : جدّاً أحزن حتى الموت ، قال له الرب : أنت أشفقت على أصل القرع الذي لم تعن به ولم تربه ، الذي في ليلة نبت ، وفي ليلة يبس ، فكيف لا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يدرون ما بين يمينهم من شمالهم وكثرة من الغدائر - انتهى . ولعل أصل القرع المذكور هنا كان نبت عليه حين خرج من بطن الحوت ، فلما اتفق له ما ذكر هنا رجع إليه وقد زاد عظمه فبنى تحته عريشاً وجلس تحته ، فكان منه ما كان ، فلا يكون حينئذ ما هنا مخالفاً لما ذكر أهل الأخبار في هذه القصة - والله الموفق .