Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 55-62)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان المحدث عنه المخلصين ، وهم أهل الجنة كلهم أو جلهم ، وكان الضمير يعود لما سبقه بعينه ، وكان مخاطبو هذا القائل إنما هم شربه ، وكان من المعلوم مما مضى من التقابل والتواد والتواصل بالمنادمة والتساؤل أنهم ينتدبون ندبهم إليه ويقبلون قطعاً عليه ، وكان النافع لنا إنما هو قوله فقط في توبيخ عدوه وتغبيط نفسه ووليه ، لم يجمع الضمير لئلا يلبس فيوهم أنه للجميع ، وأعاده عليه وحده لنعتبر بمقاله ، ونتعظ بما قص علينا من حاله فقال : { فاطلع } أي بسبب ما رأى لنفسه في ذلك من عظيم اللذة , إلى أهل النار { فرآه } أي ذلك القرين السوء { في سواء الجحيم * } أي في وسطها وغمرتها تضطرم عليه أشد اضطرام بما كان يضرم في قلبه في الدنيا من الحر كلما قال له ذلك المقال ، وسمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب كمركز الدائرة ، ثم استأنف الإخبار عن مكافأته له بما كان من تقريعه وتوبيخه على التصديق بالآخرة بقوله : { قال } أي لقرينه ذلك . ولما كان لا يقع في فكر أنه كان يتلفت إلى قوله هذا نوع التفاف لأنه ظاهر البطلان ، ولأن هذا القائل محكوم بأنه من أهل الجنة ، أكد قوله إشارة إلى أنه كان يؤثر فيه قوله في كثير من الأوقات بما يزينه به الشيطان وتحسنه النفوس بالشهوات ، والراحة من كلف الطاعات ، وساقه في أسلوب القسم تنبيهاً على التعجب من سلامته منه فقال : { تالله } وزاد التأكيد بعم ما علقه بالاسم الأعظم بالمخففة من المثقلة فقال : { إن كدت لتردين } أي إنك قاربت أن تهلكني وتجعلني في أردأ ما يكون من الأماكن ، وفي هذا التأكيد غاية الترغيب في الثبات لمن كان قريباً من التزلزل وفي المباعدة لقرناء السوء . ولما ذكر سوء ما كان يأتي إليه ، ذكر حسن أثر الله سبحانه عنده ، فقال لافتاً الكلام إلى صفة الإحسان لأنه مقامه : { ولولا نعمة ربي } أي المحسن إليّ بما رباني به من تثبيتي عن أتباعك والتجاوز عني في مخالطتك { لكنت } كوناً ثابتاً { من المحضرين * } أي المكرهين على حضور هذا الموطن الضنك الذي أنت فيه ، فيالله ما أعظم إحسان هذه الآية في التنفير من العشرة لقرناء السوء لأنها شديدة الخطر قبيحة الأثر ، ولقد أبان نظره هذا عن أنه لم يكن أعلى لذة مما كان فيه فليس بأدنى منه ، فإنه لا شيء ألذ من رؤية العدو الماكر الذي طالما أحرق الأكباد وشوش الأفكار ، في مثل دلك من الإنكار ، وعظائم الأكدار ، من غمرات النار . ولما رأى ذاك فيما هو فيه من الجحيم ، ورأى نفسه فيما هي فيه من النعيم ، ما ملك نفسه أن قال كما يعرض لمن يكون في شدة فيأتيه الفرج فجأة فيصير كأنه في منام أو أضغاث أحلام ، لا يصدق ما صار إليه سروراً : { أفما } أي أنحن يا إخواني منعمون مخلدون فيتسبب عن ذلك أنا ما { نحن بميتين * } أي بعد حالتنا هذه ، وأكده لأن مثله لأجل نفاسته لا يكاد يصدق ، ثم أعرق في العموم بما هو معياره فقال : { إلا موتتنا الأولى } أي التي كانت في الدنيا . ولما ذكر نعمة الخلاص من الموت ، ذكر نعمة الإنقاذ من الأكدار فقال : { وما } { نحن } وأكد النفي فقال : { بمعذبين * } . ولما تذكر هذا فاستفزه السرور ، وازدهته الغبطة والحبور ، لم يملك نفسه أن قال في أسلوب التأكيد لما له في ذلك من النشاط لما له من خرق العادة منبهاً على عظمته لتعظيم الغبطة : { إن هذا } أي الملك الذي نحن فيه { لهو } أي وحده { الفوز العظيم * } أي الذي لا شيء يعدله . ولما دل هذا السياق على عظيم ما نالوه ، زاد في تعظيمه بقوله : { لمثل هذا } أي الجزاء { فليعمل العاملون * } أي لينالوه فإنهم يغتنون غنى لا فقر بعده بخلاف ما يتنافسون فيه ويتدالجون عليه من أمور الدنيا ، فإنه مع سرعة زواله منغض بكدره وملاله . ولما فات الوصف هذا التشويق إلى هذا النعيم ، رمى في نعته رمية أخرى سبقت العقول وتجاوزت حد الإدراك وعلت عن تخيل الوهم في استفهام منفر من ضده بمقدار الترغيب فيه لمن كان له لب فقال : { أذلك } الجزاء البعيد المنال البديع المثال { خير نزلاً } فأشار بذلك إلى أنه إنما هو شيء يسير كما يقدم للضيف عند نزوله على ما لاح في جنب ما لهم وراء ذلك مما لا تسعه العقول ولا تضبطه الفهوم : { أم شجرة الزقوم * } أي التي تعرفها بأنها في غاية النتن والمرارة ، من قولهم : تزقم الطعام - إذا تناوله على كره ومشقة شديدة ، وعادل بين ما لا معادلة بينهما بوجه تنبيهاً على ذلك ، ولأنهم كانوا يرون ما سبب ذلك من الأعمال خيراً من أعمال المؤمنين التي سببت لهم النعيم ، فكأنهم كانوا يقولون : إن هذا العذاب خير من النعيم ، فسيق ذلك كذلك توبيخاً لهم على سوء اختيارهم .