Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 75-80)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان من خالف أمر الملك جديراً بأن يحدث إليه أمر ينتقم به منه ، فتشوف السامع لما كان من الملك إليه ، استأنف البيان لذلك بقوله : { قال } وبين أنه بمحل البعد بقوله : { يا } وبين يأسه من الرحمة ، وأنه لا جواب له اصلاً بتعبيره بقوله : { إبليس ما } أي ، أي شيء { منعك أن تسجد } وبين ما يوجب طاعته ولو أمر بتعظيم ما لا يعقل بقوله معبراً بأداة ما لا يعقل عمن كان عند السجود له عاقلاً كامل العقل : { لما خلقت } فأنا العالم به وبما يستحقه دون غيري ، وما أمرت بالسجود له إلا لحكمة في الأمر وابتلاء للغير ، وأكد بيان ذلك بذكر اليد وتثنيتها فقال : { بيدي } أي من غير توسط سبب من بين هذا النوع وما ذاك إلا لمزيد اختصاص ، والمراد باليد هنا صفة شريفة غير النعمة والقدرة معلومة له سبحانه ولمن تبحر في علمي اللغة والسنّة ، خص بها خلق آدم عليه السلام تشريفاً له وفي تثنية اليد إشارة إلى أنه ربما أظهر فيه معاني الشمال وإن كان كل من يديه مباركاً ، ثم قسم المانع إلى طلب العلو ووجود العلو مع الإنكار عليه في الاستناد إلى شيء منهما ، فقال في صيغة استفهام التقرير مع الإنكار والتقريع ، بياناً لأنه يلزمه لا محالة زيادة على ما كفر به أن يكون على أحد هذين الأمرين : { أستكبرت } أي طلبت أن تكون أعلى منه وأنت تعلم أنك دونه فأنت بذلك ظالم ، فكنت من المستكبرين العريقين في وصف الظلم ، فإن من اجترأ على أدناه أوشك أن يصل إلى أعلاه { أم كنت } أي مما لك من الجبلة الراسخة { من العالين * } أي الكبراء المستحقين للكبر وأنا لا أعلم ذلك فنقصتك من منزلتك فكنت جائراً في أمري لك بما أمرتك به ، فلذلك علوت بنفسك فلم تسجد له ، هذا المراد لا ما يقوله بعض الملاحدة من أن العالين جماعة من الملائكة لم يسجدوا لأنهم لم يؤمروا لأن ذلك قدح في العموم المؤكد هذا التأكيد العظيم ، وفي تفسير العلماء له من غير شبهة ، والآية من الاحتباك ؛ دل فعل الاستكبار أولاً على فعل العلو ثانياً ، ووصف العلو ثانياً على وصف الاستكبار أولاً ، وسر ذلك ان إنكار الفعل المطلق مستلزم لإنكار المقيد لأنه المطلق بزيادة ، وإنكار الوصف مستلزم لإنكار الفعل لأنه جزوه مع أن إنكار الفعل من هذا مستلزم لإنكار الفعل من ذاك ، فيكون كل من الفعلين مدلولاً على إنكاره مرتين : تارة بإنكار فعل عديله وأخرى بإنكار وصفه نفسه , والوصفان كذلك , وفعل الكبر أجدر بالإنكار من فعل العلو و " أم " معادلة لهمزة الاستفهام وإن حذفت من قراءة بعضهم لدلالة " أم " عليها وإن اختلف الفعل ، قال أبو حيان : قال سيبويه : تقول : أضربت زيداً أم قتلته ، فالبدء هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيهما كان ، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت : أي ذلك كان - انتهى . ولما صدعه سبحانه بهذا الإنكار ، دل على إبلاسه بقوله مستأنفاً : { قال } مدعياً لأنه من العالين : { أنا خير منه } أي فلا حكمة في أمري بالسجود له ، ثم بين ما ادعاه بقوله : { خلقتني من نار } أي وهي في غاية القوة والإشراق { وخلقته من طين * } أي وهو في غاية الكدورة والضعف ، واستؤنف بيان ما حصل التشوف إليه من علم جوابه بقوله معرضاً عن القدح في جوابه لظهور سقوطه بأن المخلوق المربوب لا اعتراض له على ربه بوجه : { قال فاخرج } أي بسبب تكبرك ونسبتك الحكيم الذي لا اعتراض عليه إلى الجور { منها } أي من الجنة محل الطهر عن الأدواء الظاهرة والباطنة ، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل ادعاء أنه أهل لأقرب القرب : { فإنك رجيم * } أي مستحق للطرد والرجم وهو الرمي بالحجارة الذي هو للمبالغة في الطرد . ولما كان الطرد قد يكون في وقت يسير ، بين أنه دائم بقوله ، مؤكداً إشارة إلى الإعلام بما في نفسه من مزيد الكبر : { وإن عليك } أي خاصة . ولما كان السياق هنا للتكلم في غير مظهر العظمة لم يأت بلام الكلام بخلاف الحجر فقال : { لعنتي } أي إبعادي مع الطرد والخزي والهوان والذل مستعل ذلك عليك دائماً قاهراً لك لا تقدر على الانفكاك عنه بوجه ، وأما غيرك فلا يتعين للعن بل يكون بين الرجاء والخوف لا علم للخلائق بأنه مقطوع بلعنة ما دام حياً إلا من أخبر عنه نبي من الأنبياء بذلك ، ثم غيى هذا اللعن بقوله : { إلى يوم الدين * } أي فإذا جاء ذلك اليوم أخذ في المجازاة لكل عامل بما عمل ولم يبق لمذنب وقت يتدارك فيه ما فاته ، وحينئذ يعلم أهل الاستحقاق للعن كلهم ، ولم يبق علم ذلك خاصاً بإبليس ، بل يقع العلم بجميع أهل اللعنة ، فالغاية لعلم الاختصاص باللعن لا للعن . ولما كان ذلك ، تشوف السامع إلى ما كان منه فأخبر سبحانه به في سياق معلم أنه منعه التوفيق فلم يسأل التخفيف ولا عطف نحو التوبة ، بل أدركه الخذلان بالتمادي في الطغيان ، فطلب ما يزداد به لعنة من الإضلال والإعراق في الضلال ضد ما أنعم به على آدم عليه السلام ، فقال ذاكراً صفة الإحسان والتسبيب لسؤال الإنظار لما جرأه عليهما من ظاهر العبارة في أن اللعنة مغباة بيوم الدين : { قال رب } أي أيها المحسن إليّ بإيجادي وجعلي في عداد الملائكة الكرام { فأنظرني } أي بسبب ما عذبتني به من الطرد { إلى يوم يبعثون * } أي آدم وذريته الذين تبعثهم ببعث جميع الخلائق : { قال } مؤكداً لأن مثل ذلك في خرقه للعادة لا يكاد يتصور : { فإنك } أي بسبب هذا السؤال { من المنظرين * } وهذا يدل أن مثل هذا الإنظار لغيره أيضاً .